الفاتيكان
22 تشرين الأول 2021, 10:20

بحسب البابا فرنسيس، هذا هو الكوكب الّذي نرجوه!

تيلي لوميار/ نورسات
تحت عنوان "الكوكب الّذي نرجوه. البيئة والعمل والمستقبل. جميع الأمور مرتبطة ببعضها البعض"، انطلق بالأمس الأسبوع الاجتماعيّ التاسع والأربعين للإيطاليّين الكاثوليك في تارانتو ويستمرّ لغاية الرّابع والعشرين من الجاري. وللمناسبة، وجّه البابا فرنسيس رسالة إلى المشاركين قال فيها بحسب "فاتيكان نيوز":

"هذا الموعد له نكهة خاصّة. هناك حاجة لأن نلتقي ونرى وجوه بعضنا البعض، ونبتسم ونخطّط، ونصلّي ونحلم معًا. هذا أمر ضروريّ في سياق الأزمة الّتي ولّدها فيروس الكورونا، أزمة صحّيّة واجتماعيّة في الوقت عينه. ولكي نخرج من هذا الأمر، تُطلب منّا شجاعة إضافيّة وكذلك من الإيطاليّين الكاثوليك. لا يمكننا أن نستسلم ولا يمكننا أن نقف غير مبالين دون أن نتحمّل المسؤوليّة تجاه الآخرين وتجاه المجتمع. نحن مدعوّون لنكون الخميرة الّتي تخمّر العجين.

لقد كشف الوباء عن وهم زمننا بأن نفكّر بأنّنا قديرين وجبّارين، وندوس على الأراضي الّتي نسكنها والبيئة الّتي نعيش فيها. لكي ننهض علينا أن نرتدَّ إلى الله ونتعلّم حسن استخدام عطاياه، وأوّلها الخليقة. ولذلك لا يجب أن تغيب الشّجاعة للارتداد البيئيّ، ولكن لا يجب أن يغيب بشكل خاصّ الحماس للارتداد الجماعيّ. لهذا السّبب، آمل أن يمثّل الأسبوع الاجتماعيّ خبرة سينودسيّة ومشاركة كاملة للدّعوات والمواهب الّتي ولّدها الرّوح القدس في إيطاليا. ولكي يتمَّ ذلك، من الضّروريّ أيضًا أن نصغي إلى معاناة الفقراء، والأخيرين، واليائسين، والعائلات الّتي سئمت العيش في أماكن ملوّثة، يدمّرها الفساد والانحطاط.

نحن بحاجة إلى الرّجاء. وفي هذا السّياق يشكّل أمرًا مهمًّا العنوان الّذي اخترتموه لهذا الأسبوع الاجتماعيّ في تارانتو "الكوكب الّذي نرجوه. البيئة والعمل والمستقبل. جميع الأمور مرتبطة ببعضها البعض". هناك رغبة في الحياة، وعطش للعدالة، وتوق إلى الملء الّذي ينبع من الجماعات الّتي ضربها الوباء. لنصغِ إليه. وبهذا المعنى، أريد أن أقدّم لكم بعض الأفكار الّتي يمكنها أن تساعدكم على السّير بشجاعة على درب الرّجاء، والّتي يمكننا تخيّلها وتتميّز بثلاث "لافتات".

الأولى وهي الاهتمام بالأشخاص الّذين يعبرون حياتنا. يعبر الكثير من الأشخاص حياتنا فيما يعيشون في حالة من اليأس: شباب يُجبرون على مغادرة بلدانهم الأصليّة لكي يُهاجر إلى مكان آخر، عاطلون عن العمل أو أشخاص يتمُّ استغلالهم في حالة من عدم الاستقرار اللّامتناهي؛ نساء فقدن وظائفهنّ أثناء انتشار الوباء أو أجبرن على الاختيار بين الأمومة والمهنة؛ عُمّال تُركوا في بيوتهم بدون فرص؛ فقراء ومهاجرون لا يتمُّ استقبالهم أو إدماجهم؛ مُسنّون متروكون في وحدتهم؛ عائلات ضحايا للرّبا والقمار والفساد، رجال أعمال يواجهون صعوبات ويتعرّضون لانتهاكات المافيا؛ وجماعات دمّرتها الحرائق... هذه وجوه وقصص تُسائلنا: لا يمكننا أن نقف غير مبالين. لقد صلب إخوتنا وأخواتنا هؤلاء الّذين ينتظرون القيامة. ليساعدنا إبداع الرّوح القدس لكي لا نوفّر أيّ جهد لكي تتحقّق آمالهم المشروعة.

اللّافتة الثّانية تشير إلى منع الوقوف. عندما نشهد على أبرشيّات ورعايا وجماعات وجمعيّات وحركات ومجموعات كنسيّة متعبة ويائسة، تستسلم أحيانًا إزاء مواقف معقّدة، نرى إنجيلاً يميل إلى التّلاشي. أمّا محبّة الله فليست أبدًا جامدة ومتخلّفة، بل "تُصَدِّقُ كُلَّ شَيء وتَرْجو كُلَّ شيَء" وتدفعنا وتمنعنا من التّوقّف. هي تحرِّكنا كمؤمنين وتلاميذ ليسوع يسيرون على دروب العالم، على مثال من هو الطّريق وسار في دروبنا. لذلك، لا نتوقفنَّ في السّكريستيا ولا نُشكِّلنَّ مجموعات نخبويّة تعزل نفسها وتنغلق على نفسها. إنَّ الرّجاء يسير على الدّوام، ويمرُّ من خلال الجماعات المسيحيّة بنات القيامة الّتي تخرج وتُعلن وتشارك وتتحمّل وتكافح من أجل بناء ملكوت الله. كم سيكون جميلاً ألّا يكتفي المسيحيّون في الأراضي المطبوعة بالتّلوّث والانحطاط بالتّنديد وحسب وإنّما أن يتحمّلوا أيضًا مسؤوليّة خلق شبكات تحرُّر وافتداء.

أمّا اللّافتة الثّالثة فهي واجب الانعطاف، وتطلبه صرخة الفقراء وصرخة الأرض. إنّ الرّجاء يدعونا لكي نعترف أنّه يمكننا أن نغيّر المسار على الدّوام، وأنه يمكننا دائمًا فعل شيء لحلّ المشاكل. لقد كان الأسقف تونينو بيلّو يحبّ أن يُردّد: "لا يمكننا أن نكتفي بالرّجاء. علينا أن ننظّم الرّجاء!". ينتظرنا ارتداد عميق يلمس، قبل الإيكولوجيا البيئيّة، الإيكولوجيا البشريّة وإيكولوجيا القلب. سيتمُّ التّحوّل فقط إذا تمكّنّا من تنشئة الضّمائر على عدم البحث عن حلول سهلة لحماية الّذين لديهم ضمانات وإنّما على اقتراح عمليّات تغيير دائمة لصالح الأجيال الشّابّة. يمكن لهذا الارتداد، الّذي يهدف إلى إيكولوجيا اجتماعيّة، أن يغذّي هذه المرحلة الّتي تمَّ وصفها كمرحلة "انتقال إيكولوجيّ"، حيث لا يمكن للخيارات الّتي يجب اتّخاذها أن تكون نتيجة لاكتشافات تكنولوجيّة جديدة وحسب، وإنّما أيضًا لنماذج اجتماعيّة متجدّدة. يتطلّب تغيير العصر الّذي نعيشه واجب الانعطاف. وبهذا المعنى، لنلقِ نظرة على العديد من علامات الرّجاء، وعلى العديد من الأشخاص الّذين أودّ أن أشكرهم لأنّهم يلتزمون، غالبًا في الخفاء، بتعزيز نموذج اقتصاديّ مختلف، وأكثر إنصافًا وتنبُّهًا للأشخاص.

هذا هو إذن الكوكب الّذي نرجوه: ذلك الكوكب الّذي تُخصِّب فيه ثقافة الحوار والسّلام يومًا جديدًا، وحيث يمنح العمل الكرامة للأشخاص ويحمي الخليقة، وحيث تلتقي عوالم بعيدة ثقافيًّا، يحرّكها الاهتمام المشترك بالخير العامّ. أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، أرافق عملكم بالصّلاة والتّشجيع. أبارككم، وأتمنّى لكم أن تجسّدوا مقترحات هذه الأيّام بشغف ملموس. ليملأكم الرّبّ بالرّجاء. ولا تنسوا من فضلكم أن تصلّوا من أجلي."