برثلماوس: كمسيحيّين إنّ الإيمان الرّسوليّ الّذي أُعلِن في نيقية هو انتصارنا
وتابع البطريرك المسكونيّ قائلًا: "إنّه لمؤثِّر للغاية أنّكم جميعًا قد استجبتم بإيجابيّة لدعوتنا المتواضعة لتكريم ذكرى وإرث المجمع المسكونيّ الأوّل الّذي انعقد هنا، في نيقية، قبل سبعمائة عشر سنة. فبالرّغم من كلّ القرون الّتي مرّت، وكلّ التّحوّلات والصّعوبات والانقسامات الّتي شهدتها، فإنّنا نقترب من هذه الذّكرى المقدّسة بخشوع مشترك وبشعور واحد من الرّجاء. فنحن مجتمعون هنا لا لنستذكر الماضي فحسب، بل لنقدّم شهادة حيّة للإيمان نفسه الّذي عبّر عنه آباء نيقية.
نعود إلى هذا النّبع الصّافي للإيمان المسيحيّ لكي نتقدّم نحو الأمام. ونتجدّد عند هذه المياه الملهمة الّتي تمنح الرّاحة (راجع مزمور 23:2)، لنصير أقوياء من أجل المهام الّتي تنتظرنا. إنّ قوّة هذا المكان لا تكمن فيما يزول، بل فيما يبقى إلى الأبد.
في نيقية، شهد التّاريخ على الأبديّة، على أنّ ربّنا ومخلّصنا يسوع المسيح هو إله حقّ من إله حقّ، مساوٍ للآب في الجوهر (ὁμοούσιος τῷ Πατρί).وقد خُلّد هذا الإعلان في دستور الإيمان النّيقاويّ، حيث تختصر تلك العبارات وتعرض للجميع إيمان الرّسل.
أيّها الإخوة والأخوات الأحبّاء في المسيح، إنّ اسم نيقية مشتقّ من الكلمة اليونانيّة الّتي تعني "النّصر" (νίκη). وعندما يفكّر العالم السّاقط في النّصر، فإنّه يفكّر في القوّة والسّيطرة. أمّا نحن المسيحيّين، فمدعوّون إلى التّفكير بطريقة مختلفة. فالعَلَم المتناقض لانتصارنا هو العلامة الّتي لا تُقهَر: علامة الصّليب. وهذه هي "الجهالة" في نظر الأمم، وعلامة هزيمة، لكنّها بالنّسبة لنا هي أسمى تجلٍّ لحكمة الله وقوّته. نحن بالفعل نحتفل بالنّصر في هذا المكان، ولكنّه نصرٌ ليس من هذا العالم، و"ليس كما يعطيه العالم" (راجع يوحنّا 14:27).
لقد اختار الرّوح القدس هذا المكان بحكمة ليمنح الكنيسة نصرًا سماويًّا وروحيًّا. فالعلاقة يوحنّا الرّسول يقول لنا: "وهذه هي الغَلَبَة الّتي تغلب العالم: إيماننا" (1 يوحنّا 5:4). فكمسيحيّين، إنّ الإيمان الرّسوليّ الّذي أُعلِن في نيقية هو انتصارنا. بهذا الإيمان يُباد طغيانُ الخطيئة من حياتنا، وتنحلُّ عبوديّة الفساد، وترتفع الأرض إلى السّماء.
إنّ دستور الإيمان النّيقاويّ يعمل كالبذرة لكلّ كياننا المسيحيّ. فهو ليس رمزًا للحدّ الأدنى، بل هو رمز للكلّ. وبما أنّ حرارة إيمان نيقية تتّقد في قلوبنا، "فلنجرِ شوطَ الوحدة المسيحيّة الموضوع أمامنا" (راجع عبرانيّين 12:1)، ولنضع رجاءنا "إلى النّهاية في النّعمة" الموعود بها "عند ظهور يسوع المسيح" (راجع 1 بطرس 1:13). وأخيرًا، "لنحبّ بعضُنا بعضًا لكي بعقلٍ واحد نعترف: الآب والابن والرّوح القدس، الثّالوث المساويّ في الجوهر وغير المنقسم. آمين!".
