لبنان
08 أيار 2024, 06:30

بشرى القيامة تزيح لعنة برج بابل وتوحّد الكلّ في أحضان المسيح – المتروبوليت عوده

تيلي لوميار/ نورسات
إثنين الباعوث هو اليوم التالي لقيامة يسوع المسيح المجيدة من بين الأموات. تأتي كلمة "باعوث" من كلمة "إنبعاث" وهي، من جهة تعني القيامة، ومن جهةٍ ثانية، هي مقترنة بنعمة التبشير لمّا جاء يسوع القائم والتلاميذ في العليّة والأبواب مغلقة ووقف في وسطهم، ثمّ أرسلهم لينقلوا بشرى الإنجيل السارّة. تحتفل الكنيسة بهذه المناسبة، وهكذا، ترأّس المطران الياس عوده، متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس صباح الإثنين، القدّاس الإلهيّ وعيد القدّيس الشهيد جاورجيوس اللابس الظفر، في كاتدرائيّة القدّيس جاورجيوس في حضورٍ حشدٍ من المؤمنين.

بعد الإنجيل، ألقى المطران عوده عظة هتف فيها أوّلًا بتحيّة هذا الزمن الطقسيّ:  

" المسيح قام من بين الأموات ووطئ الموت بالموت، ووهب الحياة للذين في القبور،  

وتابع: "إحتفلنا البارحة بعيد الأعياد بقيامة مخلّصنا من بين الأموات، أمّا اليوم فتنبعث بشرى القيامة بلغات العالم كلّها، فتنقلب لعنة برج بابل التي فرّقت الشعوب إلى بشارة قياميّة تجمع الكلّ إلى اتّحاد واحد، في أحضان المسيح القائم. لذلك نقرأ، في نهاية القدّاس، إنجيل القيامة بلغات متعدّدة. سمعنا، اليوم مقطعا إنجيليّا يتحدّث عن شهادة النبيّ يوحنّا المعمدان بالربّ يسوع التي تعلّمنا الثبات في الإيمان فلا نخاف وعيد المضطهدين".

أضاف: "شهادة المعمدان مهمّة جدًّا لأنّه يصل بين العهدين القديم والجديد، أي بين النبوءات وتحقيقها. لم يفهم اليهود ما قاله النبيّ يوحنّا، ولم يدركوا حقيقة المسيح، فأماتوه. لذلك، تضع الكنيسة أمامنا شخص المعمدان في بداية أسبوع التجديدات، دحضا لادّعاءات اليهود، وتأكيدا أنّ الذي صلبوه قد قام وأمات الموت. لا يقف الأمر عند اليهود، بل نجد تلاميذ المسيح أيضًا يجهلونه، لذا نسمع في هذا الأسبوع تذكير الرب بما قاله لتلميذي عمّاوس ولم يعرفاه: «يا قليلَي الفهم وبطيئي القلب، أما كان يجب على المسيح أن يعاني تلك الآلام فيدخل في مجده؟» هذا التذكير موجّه أيضا إلى بعض المعمّدين على اسم المسيح، الذين يتناسون الربّ أحيانا ويسعون وراء الدنيويات الزائلة، فيحتاجون تذكيرا بأنّ الربّ هو خالق الأشياء كلّها وعلينا أن نشكره ونلتصق به، لأنّه كنزنا الحقيقيّ الذي حصلنا عليه عندما خرجنا من جرن المعموديّة. لذلك لا فضل لمسيحيّ على آخر إلّا بثبات إيمانه بالمسيح والتزامه شؤون الإنسان...

وتابع: "المسيحي الثابت في إيمانه يسعى دوما إلى القداسة، التي هي تحقيق القيامة من موت الخطيئة إلى حياة لا تفنى مع الربّ، تمتدّ من هنا، إلى ما بعد موت الجسد، في الحياة الأبديّة.  

القدّيس العظيم في الشهداء جاورجيوس، الذي نعيّد له، والذي يتشفّع بمدينتنا، وقد سمّي عدد من كنائسنا باسمه، واتّخذناه شفيعا حارّا لمستشفانا وجامعتنا وبيت أحبّائنا المسنّين، نظر إلى العذابات كأنّها هباء، لأنّ إيمانه بالمسيح القائم كان ثابتا لا يزعزعه خوف أو ترهيب، لذلك سمّي لابسا الظفر، وصار مثالا لنا لنظفر على الشيطان المتربّص بنا عبر الكثير من الحيل والمطبّات".

وفي السياق، استذكر المتروبوليت عودة ما عاناه مستشفى القدّيس جاورجيوسمن جرّاء انفجار المرفأ وكيف توقّف العمل فيه، آنذاك للمرّة الأولى في تاريخه الممتدّ على مئةٍ وخمسين سنة، وها هو اليوم يقوم مجدَّدًا بهيًّا نشيطًا بـ" بركة الربّ، وشفاعة شهيده الظافر، وإيمان العاملين فيه بأنّ الربّ لا يترك محبّيه، وأنّ الخدمة الصادقة والانتماء الحقيقيّ والعطاء بلا غاية يكافئها الربّ العالِم مكنونات القلوب"  

القدّيس جاورجيوس الذي كان قائدا للجيش الرومانيّ لم يلتفت إلى منصبه أو منافعه الخاصّة عندما قرّر خدمة ملك الملوك، الربّ يسوع المسيح. لذا هو يقف اليوم مثالا أمام كل مسؤول وزعيم، أمام كل إنسان، يحثّهم على التعالي على المنافع والمكاسب الخاصّة لقاء خدمتهم الربّ يسوع من خلال خدمة إخوته الصغار.

أضاف: "كثيرون شكّكوا بقيامة لبنان واللبنانيين، لكنهم يفاجأون مرارا وتكرارا بالعزم اللبناني على النهوض ونفض الغبار والسير إلى الأمام. بلدنا يحتاج إلى من يؤمن به كملجأ آمن لأبنائه، كمظلة واقية وحضن يحمي، وهذا يحتاج إلى عمل دؤوب لإعادة الثقة إلى نفوس الذين هاجروا منه، لكي يعودوا وينهضوا به. لبنان بحاجة إلى تضافر الجهود، لا إلى تبادل التهم والمسؤوليّات. البطولة ليست في التراشق بالتهم، وإضعاف البلد وتعطيل مؤسساته واستغلال خيراته...البطولة تكون في الاعتراف بسبب الأزمة، وفي تظهير كيفيّة الخروج منها، وفي اتّخاذ القرار الجريء بقول الحقيقة ولا شيء غيرها".

وختم: "في هذا اليوم المبارك نحن مدعوّون إلى تجديد كياننا كلّه، وإلى نشر بشرى القيامة أينما حللنا، وإلى السعي الدائم نحو الحقّ والخير، والمحافظة على وجود الربّ في كلّ زاوية من زوايا حياتنا الأرضيّة، لكي نرث الملكوت السماويّ".