لبنان
14 تشرين الثاني 2022, 14:20

بقعوني: المطلوب من السّياسيّين والاقتصاديّين وكلّ من يتعاطون الشّأن العامّ بأن يكونوا رعاة صالحين

تيلي لوميار/ نورسات
محتفلاً بعيد القدّيس يوحنّا الذّهبيّ الفمّ شفيع كنيسة مطرانيّة بيروت للرّوم الملكيّين الكاثوليك، ترأّس متروبوليت بيروت المطران جورج بقعوني القدّاس الإلهيّ، بمشاركة النّائب العامّ الأرشمندريت كميل ملحم، والنّائب القضائيّ الأب القاضي أندره فرح، والقيّم العامّ الأرشمندريت نقولا عبودي، بحضور المطران كيرلّس سليم بسترس، والنّائب البطريركيّ للسّريان الكاثوليك في لبنان المطران شارل مراد، ومطران الأرمن الكاثوليك في بيروت جورج أسادوريان، والرّئيس العامّ للرّهبانيّة الشّويريّة الأرشمندريت برنار توما، ولفيف من الكهنة والرّهبان، وعدد من الفعاليّات. وقد خدمت القدّاس جوقة أبرشية بيروت للرّوم الكاثوليك بقيادة الأب جان بيار فاضل.

بعد الإنجيل المقدّس، ألقى المطران بقعوني عظة جاء فيها بحسب "الوكالة الوطنيّة للإعلام": "علامات الرّوح القدس في حياتنا هي الفرح، الوداعة، الّصبر وطول الأناة، السّلام، الإيمان والمحبّة هذه هي علامات حضور الله، وهي تظهر أنّنا نلنا الخلاص ودخلنا من الباب ووصلنا إلى المرعى الّذي أعدّه لنا يسوع المسيح.

لقد أعدّ المسيح لنشر هذا الخلاص رسلاً رسموا بعدهم أساقفة وبطاركة وكهنة إلى يومنا هذا. ولكن كما ورد في الرّسالة إلى العبرانيّين فالنّاموس يقيم أناسًا ضعفاء، طبعًا هو يتكلّم عن العهد القديم ولكن حتّى في العهد الجديد فإنّ رؤساء الكهنة وأنا أحدهم من الضّعفاء، لذلك تصاب أحيانًا خدمتنا الرّوحيّة والرّعويّة ببعض الجروحات وبدلاً من أن نأخذ النّاس إلى مرعى نأخذهم إلى مكان آخر، وبدلاً من أن يختبروا حياة المسيح، يختبرون الموت والابتعاد عن المسيح.

عقد مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في الأسبوع المنصرم اجتماعهم السّنويّ الدّوريّ وصادفت هذه السنة ذكرى 25 للإرشاد الرّسوليّ "رجاء جديد للبنان" الّذي أصدره البابا القدّيس يوحنّا بولس الثّاني بعد السّينودس الّذي عقد من أجل لبنان والّذي دعا إليه قداسته بعد الحرب، وبعد التّقاتل الّذي حصل بين المسيحيّين في جو من الأزمة الاقتصاديّة وانهيار لبنان على عدّة أصعدة. وإكتشفنا بعد 25 سنة أنّ الكثير من الّذي ورد في هذا الإرشاد لم يطبّق. وأحببنا في هذه السّنة في دورتنا أن نأخذ نقطة واحدة هي تنقية الذّاكرة والمصالحة الّتي دعانا إليها قداسة البابا الرّاحل، ولا نزال فيها "مطرحك يا واقف".

بعد النّقاشات المطوّلة أصدرنا بيانًا يمثّل كلّ العائلة الكاثوليكيّة من البطاركة والمطارنة الموارنة والرّوم الكاثوليك والسّريان الكاثوليك، والأرمن الكاثوليك والكلدان واللّاتين والرّؤساء العامّين والرّئيسات العامّات، لنقدّم اعتذارنا من شعبنا، فقبل أن نطلب من الأخرين تنقية الذّاكرة علينا نحن أيضًا كأكليروس أن ننقّي ذاكرتنا وعلاقتنا مع النّاس.

جاء في البيان أنّه بعد مرور 25 سنة على صدور الإرشاد الرّسوليّ رأينا أنّه من الضّروريّ أن تقف كنيستنا في لبنان بشجاعة وجرأة وتواضع أمام التّاريخ والضّمير، وأمام الله لتقوم بفحص ضمير عميق وبفعل توبة صادق وبتنقية حقيقيّة للذّاكرة، فتطلب المغفرة عن الأخطاء الّتي ارتكبها ويرتكبها أبناؤها، وتصفح عن الإهانات والإساءات الّتي ارتكبت بحقّها وبحقّ أبنائها.

نقول لشعبنا وللّبنانيّبن ولكلّ من سيطّلع على هذا البيان، أنّنا نطلب المغفرة عن الأخطاء الّتي ارتكبناها، والمغفرة ستشكّل عملنا ومسيرتنا في المرحلة المقبلة. أحيانًا  بعد انتهاء المطران من الخدمة يعلن في آخر العظة الاعتذار من كلّ من ضايقهم، ولكنّه لا يذكر بالتّفصيل من ضايق ومن شكّك، ومن دمّر وحطّم ومن جعله يترك الكنيسة والمسيح، لذلك سيكون أمامنا عمل كثير، ولكن في آخر البيان تدعو الكنيسة المواطنين اللّبنانيّين وخصوصًا المسؤولين السّياسيّين والكتل النّيابيّة إلى فعل مماثل لتنقية الذّاكرة والمصالحة. فلا يمكن للبنان أن يستمرّ على هذه الحال وتستمرّ علاقاتنا على هذا المنوال، لا يمكن أن نحيا ببلد يذكّروننا فيه كلّ يوم بما حصل من 25 و50 سنة. الكلّ يذكر الكلّ والكلّ يدين الكلّ، وكلّ واحد يدّعي بأنّ الحقّ معه، وبهذا المنطق لا يمكن للبلد أن يعيش.

إنّنا ككنيسة عندما نعتذر، نعتذر عن كلّ مرّة تسبّبنا فيها بهلاك النّفوس أو أخطأنا عن إهمال، وعن معرفة أو عن جهل. إنّ القدّيس يوحنّا الذّهبيّ الفمّ شفيع هذه الكنيسة زهد بالمال لأنّه كان يدرك بأنّ حبّ المال هو أصل كلّ بلية وشرّ كما قال المسيح، وحبّ المال عند رجال الدّين هو أصل كلّ شرّ.

إنّ البعض منّا وهم ليسوا بكثر ربّما تسبّبوا بالكثير من التّشكيك والدّمار لشعب الله في لبنان نتيجة حبّهم للمال. إنّ ما قاله المؤتمر حول تنقية الذّاكرة الّتي كان من المفترض أن تحصل بين اللّبنانيّين بعد اتّفاق الطّائف لتضع حدًّا نهائيًّا للحرب، وهي لم تحصل لأنّ المسؤولين عنها لم يستشعروا الحاجة إلى مراجعات ذاتيّة نقديّة ترقى إلى فحص ضمير ومحاسبة وتوبة وطلب معذرة للوصول إلى حوار حقيقيّ وإلى مصالحة، باتت اليوم ضرورة ملحّة لأنّ لبنان يمرّ في أخطر مرحلة من تاريخه السّياسيّ والاجتماعيّ والاقتصاديّ والماليّ.

أمّا بالنّسبة إلى الوضع السّياسيّ فاعتبر أعضاء المجلس بمن فيهم أنا، أنّ لا أولويّة تعلو على أولويّة انتخاب رئيس للجمهوريّة، ودعوا النّوّاب ممثّلي الشّعب إلى القيام الفوريّ بانتخاب رئيس للجمهوريّة، إذ بدونه لا حماية للدّستور ولا إشراف على عمل انتظام مؤسّسات الدّولة ولا فصل للسّلطات ولا خروج من الشّلل السّياسيّ والاقتصاديّ والماليّ.

مثلما يطلب من الرّعاة والأساقفة بأن يكونوا رعاة صالحين، المطلوب من السّياسيّين والاقتصاديّين وكلّ من يتعاطون الشّأن العامّ بأن يكونوا رعاة صالحين".

وفي ختام القدّاس، تمّ تبريك القرابين ورتبة الاغربنيّة، وانتقل الجميع إلى صالون المطرانيّة لتقديم التّهاني بالعيد.