لبنان
14 تشرين الأول 2018, 11:32

بوجوده في تكريم الخورأسقف بطرس جبّور: كان بابه مشرّعًا أمام جميع من قصده

لمناسبة مرور ستّين سنة على خدمته الكهنوتيّة، نظّمت أبرشيّة طرابلس المارونيّة احتفالاً تكريميًّا للخورأسقف بطرس جبّور، في قاعة كنيسة مار مارون في طرابلس، بحضور لفيف من الكهنة والرّهبان والرّاهبات، ورؤساء أديرة، وحشد تربويّ، ثقافيّ، ووجوه سياسيّة اجتماعيّة طرابلسيّة، وأهل وأنسباء الخورأسقف المُكرّم، وحشد من أبناء بلدة ارده في قضاء زغرتا ومدعوّين بحسب الوكالة الوطنيّة للاعلام.

بدايةً النّشيد الوطنيّ، ثم تلا النّائب الأسقفيّ المونسنيور الياس جرجس نصّ البركة التي أرسلها البطريرك المارونيّ الكاردينال مار بشاره بطرس الرّاعي إلى المُكرّم جبّور، وفيها: "يسعدني أن أُرافقك بالصّلاة والتّهنئة مع كلّ الذين يشاركون في هذا الاحتفال من أقارب ومؤمنين وكهنة ورهبان وراهبات، وعلى رأسهم جميعًا سيادة راعي الأبرشيّة معك نشكر الله على هذه السّنوات الكهنوتيّة السّتين، وعلى ما أفاض عليك من نعم، وبواسطتك على النّفوس التي لا تحصى، في رعيّة ارده، التي تخدمها منذ ثماني وخمسين سنة، وسواها من الرّعايا التي شملتها خدمتك بشكل مباشر وغير مباشر، كنائب عام، ومرشد الحركة الرّسوليّة المريميّة، وتنشئة الشّبيبة وإرشادها في المخيّمات الرّسوليّة، وإحياء الرّياضات الرّوحيّة والتّعليم المسيحيّ."
من ثمّ عرّف بالحفل الأستاذ بولس بطرس، الذي قال في كلمته: "حسبك أن اسمك وأعمالك على كلّ شفّة ولسان في هذه الأبرشيّة وخارجها. أمّا عن طرابلس وأهل طرابلس فالحديث يطول، وكم أصغيت مستمتعًا وأنت تخبرني، مسترسلاً في الحديث، عنها وعن أهلها، منذ أيّام الجامعة وحتّى اليوم، وما وجود أهل السّماحة والفضيلة وهذه الوجوه الطيّبة إلّا تأكيد على التّقدير الذي تحظى به من طرابلس وأهلها، ومنّا جميعًا".
من ثمّ تحدّث خادم رعيّة ارده زغرتا الخوري فادي جبّور، فقال: "عرفته منذ نعومة أظافري، الخال والمُربّي والعرّاب والأب الذي يسدي النّصائح ويوجّه بحكمة انطلاقًا من مسيرة عايش فيها أهم أحداث ومحطّات مفصليّة على صعيد الوطن والكنيسة. الوطن لبنان الذي لا يكفّ عن طلب الصّلاة من أجل سلامه وإزدهاره وعزّته، والكنيسة التي يفرح ويهتمّ بالعناية وبتنمية الدّعوات فيها، وما وفرة الدّعوات في رعيّتنا، خاصّة في التّكرس الرّهبانيّ سوى خير دليل على ذلك."
وتحدّث النّائب العام على أبرشيّة طرابلس المارونيّة الخورأسقف انطوان مخائيل فقال: "لقد جمع الخوري بطرس في شخصيّته حكمة المربّي، وحزم المعلّم، ولطف المرافق، ولين الأب، وحنان الأم. فما زلنا نسمع صدى صوته الجهوريّ، وهو يلقي، بشغف وحب، دروس اللّغة السّريانيّة على طلاب إكليريكيّة مار أنطون البادواني في كرم سدة، باعثًا فيهم الرّغبة القويّة في تعلّم هذه اللّغة وألحانها الطقسيّة، حفاظًا على تراث الآباء والأجداد. وما زالت إرشاداته وتوجهياته للإكليريكيّين، الذين أصبح معظمهم كهنة، تشكّل مرجعًا وذخراً لهم في حياتهم ورسالتهم الرّاعويّة. إلى ذلك، يعرف عن المونسنيور جبور إتقانه لعظاته وخطبه في القداديس وسائر المناسبات الدّينيّة، إذ إنّ فيها العلم اللّاهوتي العميق، والخبرة الرّاعويّة والإنسانيّة الطّويلة، والرّوحانيّة العميقة. في نفس الخوري بطرس جبور، تقيم طيبة مسيحيّة مميّزة، وشفافيّة لافتة، تجعل منه شخصًا لطيف المعشر، سهل التّواصل، جاهزًا دومًا للخدمة والعطاء، وعاملاً بجهد على حلّ جميع الخلافات، حتّى في أصعب الظروف." 
وقال خادم رعيّة مار مارون المونسنيور نبيه معوض: "خدم رعيّة مار مارون حتّى انتهاء مهمّته كنائب عام لأبرشيّة طرابلس المارونيّة، فاتّخذها مجالاً رسوليًّا خاصًّا، وسخّر لخدمتها طاقاته الجسديّة والرّوحيّة، معطيًا بلا حساب، وقد قيل عنه أنّه أخذ من شفيعه مار بطرس، فاتّقدت منه الرّوح وسخا العطاء، لذا كان يأتي يوميًّا من دار المطرانيّة إلى الرّعية ماشيًا، رغم شدّة الصّقيع والمطر شتاءً، والحرّ صيفًا، كي يحتفل بالذّبيحة الإلهيّة، وبوادر الفرح والشّوق على وجهه. وكان أبناء الرّعيّة يبادلونه الابتسامة والتّحيّة في بداية كلّ قدّاس وبعده. حقًّا، لقد كان كاهن الرّبّ الأمين، وخادم الرّعيّة الوفيّ ومثال العطاء السّخيّ. فقد جعل للقدّاس الإلهيّ نكهة ورونقًا، وأدخل للصّلاة بهجة. من هنا كان أبناء الرّعيّة ينتظرون بلهفة قدومه إلى الكنيسة لملاقاة الرّبّ يسوع، الذي طالما جذبهم إليه من خلال صلاته المفرحة وعطاءاته الرّوحيّة العميقة وتفاعله الحيّ في كلّ مناسبة روحيّة".
وتحدث بعده الدكتور عكر جبور بإسم عائلة المُكرّم، فقال: "خلال خدمته الرّاعويّة تصدّى لبعض العادات والتّقاليد الزّائفة والمربكة في بعض المناسبات، وبخاصّة في المناسبات الحزينة وما كان يجري في الأيام التي تلي مراسم الدّفن، ما لا يتّسع ذكره الآن، فعمل بلباقته وحنكته على تغييرها بما يتناسب مع المفهوم الرّوحيّ، لتنطلق هذه التّغييرات في الرّعيّة وفي الرّعايا المجاورة ومن ثمّ في الأبرشيّة، والتي أصبحت سارية على صعيد الوطن. هذا غيض من فيض ممّا أستطيع ذكره في هذه المناسبة، فعذرًا يا عمي الحبيب إن كنت قد أخجلت تواضعك، فأنت ركن العائلة ونحن بحاجة الى بركتك ورضاك طول الأيّام. الشّكر الجزيل لسيادة راعينا الحبيب، ولأصحاب السّيادة، ولسماحة المفتي، ولكلّ الآباء الأجلّاء والأخوة والأهل والأصحاب، وللذين عملوا ونظّموا وتعبوا لإنجاح هذا الاحتفال ولكلّ الذين شرّفونا بحضورهم ومحبّتهم".
ثمّ، كانت كلمة النّائب الأسقفيّ الخاصّ الخوري يوحنا مارون حنّا الذي أشار إلى "أنّ المونسنيور جبّور أو مطران الظّل كما كان يحلو لنا أن نسمّيه، كان الحارس الدّائم والأمين على المطرانيّة التي لم يفارقها إلّا لضرورات العمل، كان حاضرًا دائمًا لتلبية أيّ أمر يُطلب منه، خاصّةً إذا كان هذا الأمر يتعلّق بأمور النّاس وحاجاتهم. لم يقصده أحد، إلّا ووجده حاضرًا يساعد في تأمين ما يُطلب منه أو يعمل على تأمينه بالطّريقة التي تعوّد أن يعمل بها، بصمت ومن دون أن يدري أحد بما يفعل. كان صبورًا وهادئًا يعمل بصمت وبشغف، يعطي من قلبه وعقله وروحه، حتى أضحى مكتبه يضيق بالزّوار الذين يقصدونه. لم يكن للمونسنيور جبّور وقت للعمل فطالما أنا موجود أنا جاهز لأيّ خدمة هذا ما كان يردّده دائماً امام مسامع الجميع، من هنا كان مكتبه دائمًا يعجّ بالزّوار إن كان في الفترة الصّباحيّة أو في فترة ما بعد الظّهر حيث لا دوام اداريًّا في المطرانيّة المارونيّة في طرابلس." 
من ثمّ تحدّث المفتي الشّعار، فأشار إلى "أنّ القيم كلمة لها مضمونها ولها بعد انسانيّ ومجتمعيّ يهدف إلى ضبط وربط حركة الإنسان والمجتمع، ويرسم إلى حدّ بعيد دقّة العلاقة مع الآخر، حتّى المشاعر والعاطفة والحبّ. والإنسان بدون هذه القيم حيوان تحكمه الغرائز والمصالح والشّهوات. هذا الإنسان لا يتمكّن من القيام بدوره وتحقيق رسالته في الحياة بدون هذه القيم. والعيش المشترك واحد من هذه القيم التي كثر الحديث عنها في هذه الأيّام بعد ما أصاب بلادنا من حروب ودمار ولو عرف النّاس قيمة دينهم والمحبّة والرّحمة والسّماحة لما كانت تلك الحروب وذاك العنف. إنّ العيش المشترك قدرنا وخيارنا وواحد من غايات ديننا وشريعتنا. فالخطاب لأهل الكتاب اعتراف بهم والدّعوة إلى كلمة، سواء تحديد القاسم المشترك بيننا وبينهم لحسن التّعامل مع بعضنا والعيش معًا. سنشارك بعضنا في الأفراح والمساواة في المصائب. واجتماعنا اليوم ترجمة عمليّة وواقعيّة لهذه المفاهيم ولهذه الثّقافة التي تمثّل قيمة الحضارة والإنسانيّة. فالمحتفى به المونسينيور جبّور يتمتّع بالقيم التي ذكرت، وهو أمضى عمره بالعطاء والتّضحية وخدمة الآخر". 
ثمّ كانت كلمة المحتفى به الخورأسقف جبّور، الذي قال: "يا أبناء طرابلس الحبيبة ويا أبناء رعيّة مار مارون، لن أنسى الأيّام الجميلة التي أمضيتها بينكم، عليكم أن تبقوا على إيمانكم، وأن تعطوا المثل الصّالح لعيالكم في المحبّة والتّعايش، هكذا كانت أبرشيّتنا وهكذا ستبقى، فشكرًا لكم من القلب على محبّتكم، وإن غبتم عن ناظري ستبقون دائمًا في قلبي وذاكرتي وضميري ما دُمت حيًّا. أنتم يا سيادة راعي الأبرشيّة، فإنّكم بهذا التّكريم تضعون على كاهلي حملاً ثقيلاً، لأنّ التّكريم حقّ وواجب لسيادتكم، فقد عرفناكم ورافقناكم منذ زمن طويل رسولاً ومبشّرًا، وعايشناكم مطرانًا نشيطًا ومحبًّا وغيّورًا على الأبرشيّة وأبنائها، ورجل تنظيم وعمران، بخاصّة حين نرى ما تمّ إنجازه في عهدكم من بناء المطرانيّة في عكار، ومشروع البادواني في كفرزينا، ومشروع الميتم في كفرفو، وإعادة ترميم الإكليريكيّة في كرمسدة لتصبح معلماً روحيًّا، علميًّا وحضاريًّا مهمًّا. أطال الله بعمركم، فوجودكم على رأس الأبرشيّة خير وبركة لنا جميعًا."
أخيراً، كانت كلمة بوجوده، قال فيها: "بعدما إختارني مجمع أساقفة كنيستنا المارونيّة، برئاسة الرّجل الوطنيّ والكنسيّ المميّز البطريرك الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير مطرانًا على طرابلس، وبعد إنتخاب المونسنيور يوسف سويف مطرانًا على قبرص، طلبت من الخوري بطرس أن يكون نائبي العام، فلبّى الطّلب شاكرًا وواعدًا بتقديم أيّة خدمة للكنيسة. فبقي بابه مفتوحًا أمام الجميع حتّى الذين كانوا يزعجونه بطلباتهم، وبحضورهم الذي لا ينتهي، آخذين من وقته الثّمين، وعندما كنت أطلب منه أن يرتاح قليلاً ويحدّد وقت الزّيارات، يجيبني: لا يمكنني أن أتركهم ينتظرون لأنّهم بحاجة إلى هذه الخدمة كأبناء للكنيسة. أحبّ الخورأسقف جبّور كنيسة مار مارون؛ فكرّس قدّاسه اليوميّ فيها، وجمع المشاركين فيه والتقاهم في صبحيّات روحيّة حول فنجان قهوة يتداول فيها أطراف الحديث، فيطلعونه على أخبار الرّعيّة وقد أصبح مرشدهم يستشيرونه في أوضاعهم العائليّة طالبين منه إرشاداته وتوصياته، وصار في الوقت عينه مرشدًا لإقليم كاريتاس طرابلس ولجمعيّة مار منصور، يحضر اجتماعاتهم الدّوريّة ويعطيهم الثّقافة الرّوحيّة والاجتماعيّة للإهتمام بالفقراء والمعوزين كي يعتبروهم الأعضاء المتألّمة في جسد المسيح، على ما كان يقول القديس منصور دي بول.
كلمتي الأخيرة في المونسنيور جبّور هي كلمة محبّة وتقدير وشكر على كلّ ما قام به خلال هذه السّنوات السّتين من خدمته الكهنوتيّة، بالتّعاون معي ومع أسلافي الأساقفة الذين تعاقبوا على خدمة أبرشيّة طرابلس من عهد المطران أنطون عبد إلى عهد المطران أنطون جبير وصديقه المطران جبرائيل طوبيا والمطران يوحنا فؤاد الحاج. وإنّي بهذه المناسبة السّعيدة مرور ستّين سنة على سيامته الكهنوتيّة، أتمنّى له العمر الطّويل مردّدًا قول اللّيتورجيّة قائلاً: لسنين عديدة يا سيّد." 

من ثمّ سلّم المطران بوجوده الخورأسقف جبّور رسالة البركة التي أرسلها له البطريرك الرّاعي في مناسبة تكريمه، درعًا تكريميّةً باسم الأبرشيّة لعطاءاته وتضحياته في سبيل الكنيسة والمجتمع وأبرشيّة طرابلس المارونيّة. ووزّع كتابًا يتضمّن كلمات عن الخورأسقف جبّور لأشخاص عايشوه وعملوا معه طيلة خدمته الكهنوتيّة.
وفي الختام أُقيم حفل كوكتيل.