لبنان
25 آب 2017, 08:47

بو جودة في عيد القديسة رفقا في ايطو: نطلب من الرب نعمة الثبات في الإيمان والقبول بما يرسله لنا

أقيم قداس احتفالي في باحة مزار القديسة رفقا في دير مار سمعان القرن في بلدة ايطو في قضاء زغرتا، لمناسبة ذكرى نذورات القديسة رفقا، ترأسه راعي ابرشية طرابلس المارونية المطران جورج بو جوده، عاونه الاب المدبر نادر نادر، والاب انطوان طعمه، الخوري عزت الطحش، والخوري انطوان بو نعمه.

حضر القداس، رئيس اتحاد بلديات قضاء زغرتا زعني خير، رئيس بلدية ايطو جوزاف طراد، رئيس الرابطة المارونية في سيدني اوستراليا باخوس جرجس، رئيس بلدية زغرتا السابق العميد جوزيف المعراوي، رئيسة دير مار سمعان ايطو الاخت ايغات مخائيل، وحشد من الرهبان والراهبات، واهالي وابناء بلدة ايطو، وزوار الدير ومؤمنون. 

بعد الانجيل المقدس، القى المطران بو جوده عظة قال فيها:" القديسة رفقا التي نحتفل اليوم بذكراها، قبلت الألم والعذاب بهذا المعنى إذ كانت آلامها آلاما خلاصية، لم تسع إليها حبا بها، بل مشاركة منها في آلام المسيح. والآلام التي عانت منها رفقا لم تكن فقط آلاما جسدية، بل كانت قبل ذلك أيضا آلاما نفسية وعائلية وإجتماعية، ولربما تكون هذه الآلام مرات كثيرة أشد إيلاما من الآلام الجسدية. ومن أهمها موت والدتها وهي في السابعة من عمرها، وإضطرارها للعمل كخادمة في إحدى العائلات في دمشق مدة أربع سنوات، ثم زواج والدها من إمرأة ثانية والخلاف بين خالتها، أخت امها، التي كانت تريد تزويجها بإبنها، وزوجة والدها التي كانت تريد تزويجها بأخيها، وسماعها للمشادة التي حصلت بين الإثنتين وهي عائدة من العين إلى البيت، حاملة جرة الماء، وإستياءها من ذلك وحزنها".

اضاف بو جوده:" والذي عانت منه أيضا وبصورة كبيرة هو ما رأته من مجازر في دير القمر سنة1860 عندما حصلت المجازر الشهيرة ضد المسيحيين ورؤيتها بعض الجنود البرابرة يطاردون بخناجرهم المسننة طفلا صغيرا ليذبحوه. هذه الحادثة تذكرنا بأن كنيستنا المارونية كانت منذ نشأتها كنيسة الشهادة والشهداء عبر كل العصور من يوم إستشهد تلاميذ مار مارون الثلاثمائة والخمسين سنة517 ولغاية اليوم مرورا بإستشهاد البطريرك دانيال العمشيتي إلى إستشهاد البطريرك جبرايل الحجولاوي، وبما عاناه آباؤنا وأجدادنا أيام حكم المماليك والعثمانيين، وما زالوا يعانون اليوم بسبب الحروب المتلاحقة على أرض لبنان. ولذلك أعلن مجلس المطارنة الموارنة مع غبطة البطريرك بشاره الراعي هذه السنة سنة للشهادة والشهداء. وإننا ننتهز هذه الفرصة اليوم لنذكر كل أبناء جيشنا اللبناني الباسل الذين يستشهدون في سبيل الدفاع عن أرض الوطن وسكانه ضد أولئك الذين هددوا ويهددون مصيره مدعين الدفاع عن الدين والدين منهم براء".

تابع :" أما الآلام الجسدية التي عانت منها، فقد طلبت من الرب أن يجعلها مشاركة منها معه في آلامه. فقد بدأت بوجع في رأسها أخذ يمتد فوق عينيها كشهب نار، ورافقها وجع العينين أكثر من إثنتي عشر سنة، وإنتهى بالعمى الذي لآزمها ست عشرة سنة أخرى، بعد أن إقتلع الطبيب عينها وهو يجري لها عملية جراحية. وبعد ذلك اصيبت بالمرض في عظامها ووركها وإنفك عظم رجلها وبقيت في حالة تفكك لا مجال لوصفها. وكانت ردة فعلها الدائمة عبارة: "مع آلامك يا يسوع.  ان لنا في مثل رفقا امثولة يجدر بنا التوقف عندها عندما نتعرض للصعوبات والآلام في حياتنا. فقد تكون ردة فعلنا مرات كثيرة سلبية رافضة قد توصلنا إلى الكفر بالله، وقد تكون وسيلة لنا لنتنقى ونتطهر من رواسب خطايانا، إذ أنها كالنار التي تنقي التراب، فيخرج منه الذهب لآمعا رنانا. وقد تكون كالنار التي تحولنا رمادا لا نفع منه، إذا لم نتقبلها بروح الإيمان. فالمسيح قبل العذاب والآلام والموت في سبيل خلاص البشرية، ونحن معه مدعوون لنشاركه عمله الخلاصي والتكفيري، من أجل تنقيتنا من خطايانا، تنقية العالم والمجتمع من المواقف المناهضة للايمان التي يتخذها من خلال إهتمامه المفرط وإعطائه الأولوية المطلقة لأمور المادة والأرض".

وختم يقول:" إن الآلام التي عانتها رفقا في حياتها الشخصية شبيهة بالآلام التي نعاني منها جميعا في هذه البلاد منذ سنوات طويلة. لقد اصبنا بالعمى الإجتماعي والأخلاقي في لبنان، فأصبحنا وأصبح المسؤولون عنا لا يرون إلا مصالحهم الشخصية. كما تفككت روابط الوطن الذي أصبح المسؤولون فيه يتناتشونه كل من مصلحته، ففككوه وفككوا أوصاله وما زالوا على موقفهم ثابتون لا يعرفون أن يتنازلوا ولو قليلا عن أنانيتهم كي يصححوا أوضاع البلاد. فلنطلب من الرب اليوم نعمة الثبات في الإيمان والقبول بما يرسله لنا من صعوبات في حياتنا قد تسبب لنا الإزعاج مرات كثيرة، ولكنها بالتأكيد توصلنا إلى الخلاص إذا ما قبلنا بها وقلنا مع أيوب البار الرب هو الذي يعطي وهو الذي يأخذ، فليكن إسمه مباركا... وإننا كما نقبل منه الخير نقبل منه كذلك الألم والعذاب، كي نستحق الخلاص والعيش معه في السماء. 

وكان سبق القداس مسيرة تأمل وصلاة انطلقت من مفترق الدير عند طريق اهدن زغرتا، وصولا الى دير مار سمعان القرن في ايطو، حيث تليت الصلوات والتراتيل، وتوقفت المسيرة لعدة مرات في محطات اساسية من حياة القديسة رفقا، حيث اقيمت المذابح واضيئت الشموع وعبقت رائحة البخور في ارجاء المكان.