بو جوده في سيامة الكاهن عبدالله: الكاهن هو الذي يتمم ويكمل عمل المسيح الخلاصي على الأرض
في بداية القداس، ألقى الخوري ايوب كلمةً، قال فيها: "انطلقت الكنيسة من العلية بكامل عنفوانها وشبابها واستعدادها لتكون امتدادا للراعي الصالح، الذي يبذل نفسه في سبيل احبائه، واليوم تنطلق انت من هنا من بيت ابيك السماوي من كنيسة مار جرجس الشهيد ومن بيت ابيك العائلي لتعيش حياة كهنوتية، صورة للكنيسة الخارجة والمنطلقة". اضاف: "تحمل في يديك جسد المسيح ودمه لتوزعها على من طلبوا بايمان وعليك ان تميز وان توجه وان ترشد وان تهدي من تتوكل على خدمتهم".
بعد الانجيل المقدس، القى المطران بو جوده عظةً، جاء فيها: "أفضل ما يمكنني أن أقوله لك اليوم، ايها العزيز سركيس، لمناسبة سيامتك الكهنوتية، أستلهمه من القديس جان ماري فيانيه، خوري آرس، الذي أعلنته الكنيسة أولا شفيعا لكهنة الرعايا، ثم بعد ذلك شفيعا لجميع الكهنة، نظرا لما تميزت به حياته الكهنوتية من عمق روحي وقداسة جعلته يصبح مرشدا للكثيرين من المكرسين والعلمانيين على حد سواء وبصورة خاصة لعدد كبير من الكهنة والأساقفة. لم يتميز خوري آرس بعلومه العالية، بل بحبه لله وبتفانيه في خدمة النفوس وبروح الإماتة والتقشف في حياته اليومية. فلم يسع مطلقا إلى إقامة علاقات مع كبار هذا العالم، ولم يوسع إطار معارفه ليشمل أناسا كثيرين من ذوي الحسب والنسب، لكنه بحبه لله وللكنيسة وللخطأة، إذ كان همه الأول مصالحتهم مع الله ومع بعضهم البعض، إذ كان يمضي الساعات الطويلة في كرسي الإعتراف، وبإمكاننا وصفه بأنه كان أسير كرسي الإعتراف".
تابع: "كان يقول إن الكهنوت هو محبة قلب المسيح. فالكاهن يتمم ويكمل عمل المسيح الخلاصي على الأرض، وأجمل ما قاله عن دور الكاهن ورسالته جاء في صلاة جميلة كتبها سنة 1848 يقول فيها: "أحبك يا الله، ورغبتي الوحيدة هي أن أحبك حتى الرمق الأخير من حياتي، أحبك يا الله، أنت الكلي المحبة، وأفضل أن أموت وأن أعبر عن حبي لك، على أن أعيش لحظة واحدة دون أن أحبك. أحبك يا الله والنعمة الوحيدة التي أطلبها منك هي أن تعطيني أن أحبك إلى الأبد". أما عن دور الكاهن ورسالته فيقول:
- الكاهن هو رجل يحل محل الله وينوب عنه، فإذا كان عندنا إيمان حقيقي، فإننا نرى الله مختبئا في الكاهن كما يختبئ النور خلف البلور، فسر الكهنوت يرفع الكاهن إلى الله.
- الله هو الذي يضع الكاهن على الأرض كوسيط بينه وبين الخاطئ.
- آه كم أن الكاهن أمر عظيم! لو فهم ذلك لمات! فالله بذاته يطيعه. إذ بكلمتين يتلفظ بهما، ينزل الله من السماء إلى الأرض، ويأسر نفسه في برشانة صغيرة.
- دور الكاهن دور مهم للغاية.
فلو لم يكن عندنا سر الكهنوت، لما كان عندنا السيد المسيح. فمن يا ترى وضعه في بيت القربان؟ إنه كاهن. من إستقبلنا عند دخولنا الحياة؟ إنه الكاهن. من يغذي حياتنا ليعطيها القوة للقيام بحجها على هذه الأرض؟ إنه الكاهن. من يحضر أنفسنا لنمثل أمام الله، بغسلها للمرة الأخيرة بدم المسيح لتطهيرها؟ إنه الكاهن. الكاهن! دائما الكاهن. وإذا ماتت النفس فمن يقيمها من بين الأموات ويعيد إليها الهدوء والسلام؟ إنه الكاهن! دائما الكاهن".
اضاف المطران بو جوده: "هذه هي بعض المهمات والمسؤوليات التي سوف تلقى على عاتقك يا سركيس نختصرها بثلاث هي: التعليم والتدبير والتقديس. فالكاهن هو أولا معلم أو نبي يجعل الله كلامه على لسانه ويقول له ما قاله لإرميا: أعطيتك اليوم سلطة على الأمم وعلى الممالك لتقلع وتهدم ولتنقض وتبني وتغرس. فلا تخف من مواجهة أحد، فأنا معك لأنقذك، فعليك أن تقوم بهذه المسؤولية منفذا ما قاله بولس الرسول لتلميذه تيموتاوس: أناشدك أمام الله والمسيح يسوع الذي سيدين الأحياء والأموات عند ظهوره ومجيء ملكوته: أن تبشر بكلام الله وتلح في إعلانه بوقته وبغير وقته، وأن توبخ وتنذر وتعظ صابرا كل الصبر في التعليم، فسيجيء وقت لا يحتمل فيه الناس التعليم الصحيح، بل يتبعون أهواءهم ويتخذون معلمين يكلمونهم بما يطرب آذانهم منصرفين عن سماع الحق إلى سماع الخرافات، فكن أنت متيقظا في كل الأحوال، وإشترك في الآلام واعمل عمل المبشر وقم بخدمتك خير قيام (2تيمو4/1-5). والكاهن هو ثانيا قائد ومدبر وراع، عليه أن يتشبه بالمسيح الراعي الصالح الذي يقول:" أنا الراعي الصالح، والراعي الصالح يضحي بحياته في سبيل الخراف... أعرف خرافي وخرافي تعرفني، مثلما يعرفني الآب وأعرف أنا الآب وأضحي بحياتي في سبيل خرافي... وعلى الكاهن أن لا يتصرف كالأجير الذي إذا رأى الذئب هاجما، ترك الخراف وهرب، فيخطف الذئب الخراف ويبددها، وهو يهرب لأنه أجير لا تهمه الخراف" (يو10/11-15)".
وقال: "الأجراء اليوم عديدون في مجتمعنا المعاصر وفي كنيسة المسيح. أناس يدعون المعرفة والعلم فيختلقون البدع والهرطقات ويتجولون بين المؤمنين محاولين إقتيادهم في الطريق الخاطئة فيوصلوهم إلى الهلاك. كم يشبه كلام بولس الرسول الذي قاله من نيف وألفي سنة، ما يحصل اليوم في عالمنا ومجتمعنا المعاصر. كم هناك من رعاة أجراء يتاجرون بالحقيقة وبالدين، وحتى بالله والمسيح ويجدفون على الروح القدس، فهؤلاء لن يغفر لهم لا في هذه الدنيا ولا في الآخرة. إننا نعيش اليوم في عالم المتغيرات السريعة، في عالم الإختراعات والإكتشافات، عالم التقنية والمعلومات التي تغري الإنسان وتجعله يعتقد أنه أصبح سيد الكون وأركونه، وأنه بإمكانه الإستغناء عن الخالق وعن المخلص وعن متطلبات الإيمان. فجعل من نفسه إلها لنفسه وإلها على الكون. فلكي يحقق ذاته عليه كما يقول الفيلسوف الألماني نيتشه أن يقتل الله، لأن الله كما يقول فيلسوف آخر، هو كيرغارد، لا وجود له، لأنه سراب، وليس هو من خلق الإنسان، بل الإنسان هو من خلق الله. ولذلك أصبح الإنسان يسن الشرائع والقوانين التي يريد، حتى ولو كانت تتناقض جذريا وجوهريا مع قوانين الطبيعة وتعاليم المسيح والكنيسة، من مثل تشريع الإجهاض وقتل الأجنة في الأحشاء، وزواج مثليي الجنس والتساكن الحر والقتل الرحيم. والكاهن هو ثالثا رجل التقديس والصلاة، طعم بالمعمودية على جسد المسيح وأصبح عضوا فاعلا فيه بسر التثبيت. فصار بإمكانه أن يقول ما قاله بولس الرسول بعد إهتدائه وتعرفه على المسيح: حياتي هي المسيح، فمنذ الآن لست أنا الذي أحيا بل هو المسيح الذي يحيا في. الكاهن هو الذي يتمم ويكمل عمل المسيح الخلاصي على الأرض، إنه يجسد محبة قلب يسوع. فإذا أراد أعداء الكنيسة والدين أن يخربوها، فإنهم يبدأون بالكهنة، وكما قال خوري آرس أيضا إن أي رعية تبقى عشرين سنة دون كاهن فإن أهلها سوف يعبدون الحيوان. لذا فعلينا نحن أن نغذي حياتنا بالصلاة وأن نكون قديسين. فإن ما يعيقنا في عملنا ورسالتنا نحن الكهنة عن أن نكون قديسين هو النقص في حياتنا الروحية، وعدم قراءتنا للكتب المقدسة والكتب الروحية، وعدم التأمل والتفكير والصلاة والإتحاد بالله. فإننا مرات كثيرة نفكر أكثر بحياتنا المادية وننسى حياتنا الروحية. فكم نكون تعساء، إذا كانت بيوتنا مفروشة على أكمل وجه وأجمل طراز ومزينة أجمل تزيين، بينما تبقى كنيستنا وقلوبنا عارية وفقيرة".
وختم بو جودة: "هذه الكلمات من شفيع الكهنة القديس يوحنا ماري فيانيه خوري آرس، وهذه المسؤوليات الثلاث التعليمية والتدبيرية والتقديسية تشكل أفضل برنامج عمل وبرنامج حياة لك يا سركيس في بداية حياتك الكهنوتية، وقد إختارك الرب لتكون خادمه في هذه السنة اليوبيلية، سنة الرحمة الإلهية، فتعمل ما يتمناه قداسة البابا فرنسيس في مرسوم دعوته إلى اليوبيل الإستثنائي "وجه الرحمة" على الغوص أكثر في قلب الإنجيل، حيث الفقراء هم المفضلون لدى الرحمة الإلهية. فنسعى للقيام في الوقت عينه بأعمال الرحمة الجسدية، دون أن ننسى أعمال الرحمة الروحية. وتساعدك في ذلك زوجتك زينا التي تربت على العمل الرسولي في بيتها ورعيتها وشاركت في مختلف النشاطات، فبالزواج والكهنوت تستطيعان أن تبنيا أولا كنيسة بيتية مصغرة وتساهما في بناء الكنيسة الجامعة. وإنني بإسمي وبإسم إخوتك الكهنة في الأبرشية وبإسم هذا الجمع المشارك معنا في الصلاة، أتقدم منك ومن زوجتك ووالدتك وشقيقاتك بأصدق التمنيات والتهاني، طالبا لك من الرب التوفيق والنجاح في حياتك الكهنوتية والرسولية، وأستمطر شأبيب الرحمة على روح والدك الذي يشاركك اليوم فرحك من عليائه ويصلي لك ويقدم لك ما عاناه من مضايقات من أجل نجاحك في رسالتك الكهنوتية".
وفي ختام الاحتفال، تقبل الخوري الجديد تهاني الحضور في الباحة الخارجية للكنيسة من ثم اقيم حفل كوكتيل في المناسبة.