الأراضي المقدّسة
02 أيلول 2022, 11:50

بيتسابالا: إنّ اتّباع يسوع هو التّخلّي عن كلّ ما لا يعطي الحياة

تيلي لوميار/ نورسات
عشيّة الأحد الثّالث والعشرين من الزّمن العاديّ، يتأمّل بطريرك القدس للّاتين بييرباتيستا بيتسابالا بإنجيل وقا ١٤، ٢٥–٣٢، كون هذا المقطع الإنجيليّ لهذا الأحد يأخذنا "خارج بيت الفرّيسيّ، الّذي دعا يسوع إلى الغذاء (لوقا ١٤، ١ و١٢)، ويضعنا في مسيرة"، فيقول بحسب موقع البطريركيّة الرّسميّ:

"إنّ موضوع المسيرة، كما سبق وقلنا مرارًا، مهمّ ويجب أن يؤخذ بعين الاعتبار، لأنّ رحلة يسوع هذه لها وجهة محدّدة هي أورشليم.

اليوم أيضًا، يمكن أن توفّر لنا وجهة الرّحلة تفسيرات قيّمة.

في الواقع، تتكرّر في المقطع الإنجيليّ لهذا اليوم بعض العبارات الّتي تتحدّث عن النّهاية، وعن التّتميم (لوقا ١٤، ٢٨ و٢٩): يتوجّه يسوع إلى الحشد الكبير الّذي يسير وراءه، ويذكرهم بضرورة أخذ هذا السّير وراءه على محمل الجدّ، بحيث يكون ممكنًا أن يصل إلى الهدف.

حسنًا، هذه العبارات المتعلّقة بالتّتميم والوصول إلى الهدف مهمّة جدًّا في بشارة لوقا، وتتكرّر كثيرًا.

وترجع هذه العبارات إلى بداية رسالة يسوع العلنيّة، عندما يقف، في مجمع النّاصرة، ويقرأ بعض الآيات من نبوءة أشعيا، ويذكر أنّه في تلك اللّحظة، قد تمّت كلمة الخلاص هذه (لوقا ٤، ٢١).

وتعود العبارات ذاتها إلى موقع استراتيجيّ، في منتصف الإنجيل، عندما تبدأ مسيرة يسوع نحو أورشليم: "ولما حانت أيّام ارتفاعه، عزم على الاتّجاه إلى أورشليم" (لوقا ٩، ٥١).

وتعود كذلك قبل الآلام، إن كان خلال العشاء الأخير، حيث تتكرّر خمس مرّات (لوقا ٢١، ٢٢ و٢٤؛ لوقا ٢٢، ١٦ و ٣٧ و٣٨)، وإن كان بعد القيامة، عندما يشرح يسوع القائم لتلاميذه بأنّ جميع الأحداث الّتي قد تنبّأ بها، كان يجب أن تحدث بالفعل، كي يكون من الممكن أن يتحقّق الخلاص الّذي قدّمه الآب (لوقا ٢٤، ٤٤).

يسير يسوع نحو تتميم وتحقيق حياته، ويرسل تنبيهًا إلى تلاميذه حول تتميم وتحقيق حياتهم هم أيضًا. إنّ تحقيق حياة يسوع هو جسده الممجّد القائم: وهي غايتنا أيضًا، وهي الوجهة الّذي نتجّه إليها، وليس لدينا أيّ وجهة أخرى.

لأنّ تحقيق حياته، على وجه التّحديد، هو الّذي يجعل تحقيق حياتنا ممكنًا، ولن يكون سوى تقبل ملء حياته والمشاركة فيها.

وبالتّالي، فإنّ التّنبيهات الّتي يقدّمها الرّبّ في المقطع الإنجيليّ اليوم تشير إلى شكل وطريقة الاندماج في هذا التّحقيق.

يبدو لي أنّ جميع النّاس يسيرون في اتّجاه واحد، ألا وهو اتّجاه الحرّيّة، الّذي يجعل النّمط الجديد للحياة، والمقياس الجديد للحبّ ممكنين.  

ينبغي البحث عن الحرّيّة الّتي يتحدّث عنها يسوع في ثلاث مجالات أساسيّة: التّحرّر من الرّوابط الأسريّة، التّحرّر من الذّات، والتّحرّر من الخيرات المادّيّة.  

التّحرّر، في المقام الأوّل، من الرّوابط الأسريّة، الّتي يستخدم يسوع في شأنها عبارات قويّة للغاية. يقول إنّه يجب علينا أن نكره الأب والأمّ والزّوجة والإخوة والأبناء والأخوات والإخوة (لوقا ١٤، ٢٦). إنّ لهذه التّأكيدات القويّة إلى حدّ كبير معنى مزدوجًا.  

المعنى الأوّل هو أنّ الحياة الجديدة لا تأتي إلينا من الأسرة، ولكن من النّعمة: نحن جميعًا مدعوّون إلى الموت، إلى العبور من كلّ ما يأتينا من خلال الدّمّ، والّذي يتّسم بالسّقوط والخطيئة، إلى حياة جديدة، هي حياة الرّبّ فينا؛ هذه الحياة فقط يمكنها أن تصل إلى ملء التّحقيق والاكتمال.  

والمعنى الثّاني، هو أنّ هذه الرّوابط يمكن أن تصبح مكانًا محميًّا يمكن الحصول منه على الأمن والحياة، وهذا ما يجعلنا نتمسّك بالماضي، وبالقديم، وبالتّالي فإنّها تمنعنا من الثّقة الجريئة والكاملة بالرّبّ.

كلّ هذا هو ما يجب كرهه أيّ رفضه، والإقرار بكونه طريقًا تؤدّي إلى الموت.

لكن هذا لا يكفي: يقول يسوع أيضًا في نفس الآية إنّه يجب علينا أن نكره أنفسنا، تمامًا كما نكره أسرتنا. ونرى نفس المنطق وراء ذلك، وهو المنطق الّذي نبحث بموجبه عن الأمن والحياة في أنفسنا وفي قوانا، فنجد أنفسنا في نهاية المطاف على طريق الموت.

من المفارقات، أنّ طريق الصّليب وحدها هي طريق الحياة: طريق ننفتح بها على الهبة الكاملة لأنفسنا، دون التّفكير في مصالحنا ونجاحاتنا.

وأخيرًا، هناك دعوة للتّحرّر من الخيرات المادّيّة ومن الأمان البشريّ والأرضيّ. وهذه الدّعوة توجّه إلينا من خلال مثلي البرج والملك الّذي يستعدّ للحرب (لوقا ١٤، ٢٨–٣٣)، وهما مثلان مبنيّان على مفارقة، بحيث لا يصل إلى إتمام عمله الإنسان الغنيّ بالوسائل المادّيّة، بل، على العكس من ذلك، الإنسان الّذي ليس لديه أيّ شيء على الإطلاق.

إنّ اتّباع يسوع هو التّخلّي عن كلّ ما لا يعطي الحياة، إلّا في الظّاهر، من أجل أن نكون قادرين على استقبال حياة الرّبّ ذاتها فينا، والّتي هي على مقياس حبّه."