الأراضي المقدّسة
10 تشرين الثاني 2023, 10:30

بيتسابالا: الإنتظار فنّ لا يمكن ارتجاله ويتطلّب ممارسة يوميّة متواضعة

تيلي لوميار/ نورسات
في عظته للأحد الثّاني والثّلاثين من الزّمن العاديّ، السّنة أ، يتأمّل بطريرك القدس للّاتين بييرباتيستا بيتسابالا بمثل "العذارى الحكيمات والجاهلات" في إنجيل متّى 25: 1- 13، ليستخلص العبرة التّالية: "إنّ الانتظار هو فنّ لا يمكن ارتجاله، ويتطلّب ممارسة يوميّة متواضعة."

وفي هذا السّياق، يقول بيتسابالا بحسب موقع البطريركيّة الرّسميّ: "قبل أن نتأمّل بإنجيل اليوم (متّى ٢٥: ١-١٣) لنستذكر معًا ما سمعناه في إنجيل الأحد الماضي (متّى ٢٣، ١- ١٢).

خاطب يسوع تلاميذه والجموع وحذّرهم من سلوك الفرّيسيّين وقادة الشّعب: موضحًا جانب من جوانب حياتهم، يتميّز بنوع من الجمود: الأشخاص الجالسون على المقاعد أو في الولائم، الّذين يقولون ولا يفعلون، الّذين يرغمون الآخرين على فعل ما لا يفعلونه هم ولا يحرّكونها حتّى بإصبعهم... يبدو هذا غريبًا فقد اعتبر تاريخ الخلاص الّذي أقامه الله مع البشريّة رحلة، يسير فيها الإنسان بتواضع مع الله كما ويقود الله شعبه.

لنتأمّل سويّة في مثل اليوم "العذارى الحكيمات والجاهلات" في إطار الرّحلة. تخرج العذارى للقاء العريس (متّى ٢٥، ١)، ثمّ في منتصف اللّيل يصل العريس، وتدعى العذارى للقائه (متّى ٢٥، ٦) إلّا أنّ اولئك اللّواتي لم يعد عندهنّ زيت لمصابيحهنّ، لا يمكنهنّ مواصلة الرّحلة وعليهنّ العودة لتعبئة مصابيحهنّ. (متّى ٢٥، ١٠).

لذلك يسرن كلّهنّ في ذات الطّريق لكنّهنّ يصلن إلى وجهتين مختلفتين: فالحكيمات منهنّ يصلن إلى نقطة اللّقاء الّتي انطلقوا من أجلها، أمّا الجاهلات مثل الفرّيسيّين وقادة الشّعب في إنجيل الأحد الماضي، لا بدّ أن يتوقّفوا في مرحلة ما.

لماذا هذا؟ وماذا يعني كلّ هذا؟

يكمن الفرق في كمّيّة مخزون الزّيت لأنّه في مرحلة ما من هذه الرّحلة سيحلّ اللّيل وستحتاج إلى نور السّراج لتسير في الظّلام. كان لدى العذارى الحكيمات احتياط كاف من الزّيت، توقّعن تأخّر العريس، عكس الأخريات اللّواتي لم يعتقدن الانتظار الطّويل، وأنّ كلّ رحلة لتحقيق هدف مهمّ يتطلّب استعدادًا كاملاً.

بينما يكشف القانون المتأصّل في أعماق حياة الإنسان أنّ كلّ شيء يحتاج إلى وقت لينضج وأنّه لا نعطى أيّ شيء على الفور، وأنّه يجب بناء كلّ علاقة وحدث وهدف بصبر على طول الحبكة المتواضعة للأيّام: تستغرق الولادة شهورًا من الحمل، ويستغرق التّخرّج سنوات من الدّراسة... كلّ شيء له طريقه الخاصّ.

السّلام هو أيضًا  طريق.

لهذا السّبب لا تستطيع العذارى الحكيمات إعطاء زيتهنّ للجاهلات، لأنّ الزّيت ينتج بعد فترة من الزّمن: ليس من الضّروريّ البحث عن طريق مختصر ولكن من الضّروريّ العودة إلى الطّريق  مرّة أخرى والبدء من جديد (متّى ٢٥: ٩).

وبالتّالي، فإنّ الانتظار هو فنّ لا يمكن ارتجاله، ويتطلّب ممارسة يوميّة متواضعة لأولئك الّذين لا يستسلمون أبدًا للواقع، وأولئك الّذين يبدأون كلّ يوم من جديد من دون أن يصابوا بالإحباط، وأولئك الّذين يعتمدون دائمًا على الوعد الّذي يأتينا بأساليب وأوقات لا نتوقّعها.

حفظن العذارى الحكيمات زيتهنّ الضّروريّ للرّحلة، في أوعية صغيرة (متّى ٢٥: ٤) صغيرة، لأنّ المشاركين في الرّحلة لا يحملون معهم ما هو ثقيل وضخم. فالانتظار لا يتغذّى من الإشارات الملفتة للنّظر والّتي تدوم مشاعرها للحظات، فلا تصمد أمام تحدّيات الزّمن.

يتغذّى الانتظار من أعمال المحبّة المتواضعة، مثل تلك الّتي يقوم بها الخادم الّذي جاء ذكره في نهاية إنجيل الأحد الماضي (متّى ٢٣،١١).

سنكتشف ممّا يتكوّن هذا الزّيت، إذا كان لدينا الصّبر للانتظار والسّير، في الآحاد القادمة سنتعرّف على أشخاص التقوا بالرّبّ في نهاية رحلتهم من دون معرفة، ومن أجل حقيقة بسيطة، وهي أنّهم استقبلوا أحد إخوتهم على طول الطّريق بلفتة محبّة صغيرة وبسيطة (متّى ٢٥، ٣١ – ٤٦). سيكتشفون بدهشة، مثل العذارى الحكيمات، أنّ الرّبّ يعرفهنّ، وأنّ الرّبّ قد رآهنّ. وهم أيضًا سيدخلون إلى حفلة العرس "وَصَلَ العَريس، فدخَلَت مَعَه المُستَعِدَّاتُ إِلى رَدهَةِ العُرْس وأُغلِقَ الباب" (متّى١٠:٢٥)."