الأراضي المقدّسة
14 تموز 2023, 10:20

بيتسابالا: حياتنا تدور حول كلمة الآب

تيلي لوميار/ نورسات
حول مثل الزّارع ركّز بطريرك القدس للّاتين بييرباتيستا بيتسابالا تأمّله اليوم عشيّة الأحد الخامس عشر من الزّمن العاديّ، و"يمثّل هذا المقطع الإنجيليّ (متّى 13، 1- 23) بداية الخطاب الثّالث ليسوع والّتي تتضمّن سلسلة من الأمثال، تعرض لنا اليوم المثل الأوّل: مثل الزّارع.".

وعن هذا النّصّ، يقول بيتسابالا بحسب موقع البطريركيّة: "إنّه مقطع معقّد يتكوّن من ثلاثة أجزاء، مسبوقًا بمقدّمة (متّى 13، 1- 3): في الجزء الأوّل (متّى 13، 3-9) يروي يسوع المثل؛ في الجزء الثّاني (متّى 13، 10-17) اقترب منه التّلاميذ وسألوه لماذا يتحدّث إلى النّاس بأمثال؛ في الجزء  الثّالث (متّى 13 ، 18-22) يشرح يسوع المثل لتلاميذه.

أودّ أوّلاً أن أتوقّف عند حدث غير واضح: يقول يسوع المثل للجميع؛ ثمّ يقول إنّ التّلاميذ وحدهم من يمكنهم فهم المثل. أخيرًا، يشرح المثل لتلاميذه، الّذين بدا أنّهم الوحيدون الّذين فهموه.

يبدو لي تفصيلًا مهمًّا: يقول يسوع المثل للجميع، الزّارع الّذي ينثر بذاره في جميع الحقول: يضع في يده القليل من البذار، لا يميّز، لا يبخل على أحد بعطاياه. تقبل المخاطرة، لأنّ هذا هو منطق الحبّ. يسلّط المثل الضّوء على أنواع الإصغاء وقبول البشارة من يسوع.

لذا فإنّ المثل يشبه البذرة الّتي لا تكشف سرّها ولا تثمر فورًا: بل تعتمد على من وكيف يقبلها. فالبعض قد يفهمها، والبعض لا؛ والبعض قاسي القلب. شخص يستمع دون أن يفهم، وآخر يستمع ويفهم، ويعطي ثمرًا.

نجد الفرق بين هذه المواقف المختلفة في الآية العاشرة: "فدنا تلاميذه وقالوا له: "لماذا تكلّمهم بالأمثال؟".

ما يسمح للكلمة بالتّغلغل إلى العمق، لتعطي ثمارها، هو موقف التّلاميذ الشّجعان، بعد الاستماع دون فهم- مثل أيّ شخص آخر- إقتربوا من يسوع وطرحوا الأسئلة. التّلاميذ ليسوا الأفضل، ليس لديهم شيء أكثر من الآخرين. إنّهم ببساطة يعرفون واقعهم ويعترفون بأنّهم لا يفهمون، ويقبلون ذلك، فلا يهربون، ولا يقسّون قلوبهم.

يظلّ يسوع لغزًا يتجاوز احتماليّة معرفة كلّ إنسان، لكن ردّ فعل أولئك الّذين يقابلونه ويستمعون إليه مختلف، تمامًا كاختلاف التّربة الّتي تقع عليها البذرة.

دنا التّلاميذ من يسوع، تعبير يذكّرنا بما سمعناه الأحد الماضي، عندما دعا يسوع جميع المتعبين والمثقلين (مت 11:28) لمعرفة الآب والرّاحة: والاقتراب بحاجة إلى حركة، قرار من القلب، بحث، إرادة لا تتوقّف في وجه ما يفلت منها، الرّغبة في المعرفة والانفتاح على قوّة محبّة الآب، الّتي مثل البذرة، تزدهر بالحياة. هذا ما يفعله التّلاميذ في إنجيل اليوم، عندما يدنون من يسوع.

في الأناجيل غالبًا ما يدنو يسوع من الآخرين: يدنو لأنّه لا يترك أحدًا أسير آلامه. ولكنّه اليوم يقول لنا إنّ الإقتراب هو أيضًا دورنا وهويّتنا: أن نقترب من الشّخص الّذي يقترب منّا.

يبدو أنّ المثل يعني أنّ معرفة الآب، الّتي علّمها يسوع الأحد الماضي للمتعبين والمثقلين، ليست مسألة لحظة، بل هي عمليّة تتطلّب منّا الاقتراب، الأمر الّذي يتطلّب صبرًا طويلاً. نعم في الواقع، يتعلّق الأمر بترك البذرة تتغلغل بعمق. أمر صعب للغاية، خاصّة في عصرنا، ولكنّه ضروريّ.

وبالتّالي، فإنّ المكان الّذي تنبت فيه الحياة هو باطن الإنسان: بالنّسبة لأولئك الّذين يعيشون سطحيّة الحياة، معرّضون إلى خطر التّشتّت والإلهاء.

يخبرنا مثل الزّارع أنّنا بحاجة إلى العمق، وأنّ الاستماع إلى الكلمة فقط يمكن أن يقودنا إلى عمق حياتنا.

ماذا يحدث في عمق هذا القلب؟

علينا أن نفهم أنّ الله يتحدّث دائمًا بأمثال، بمعنى ما أو لتوضيح أمر، أنّ حياتنا تدور حول كلمة الآب، الّتي تتطلّب منّا قبولها وعنايتها والتّأمّل بها.

ولكي يحدث هذا، علينا أن نقترب منه".