بيتسابالا في عيد الظّهور الإلهيّ: الله وحده يستطيع أن يخرجنا من غربتنا ليضعنا على الطّريق
"في الأحد الماضي رأينا يسوع في الهيكل يبحث عن أصل العلاقة الّتي تعطيه الحياة، تلك العلاقة الأصليّة الّتي يدرك أنّه نشأ منها.
أمّا اليوم فإننا نقرأ عن بحث المجوس الّذين قدموا من المشرق إلى أورشليم مسترشدين بالنّجم (متّى ٢: ١ – ١٢).
في البداية، يبحث المجوس عن معنى لِما رأوه وعمّا يكمن وراء الأشياء ومصدر الشّيء الّذي يجذبهم.
لقد رأوا ظاهرة طبيعة في السّماء وهي أمر جديد خارج عن المألوف أثار فضولهم. إنّها علامة أخبرتهم بحدوث أمر عظيم وجميل جعلهم يبدأون مسيرة طويلة. أين يقودهم هذا النّجم؟ وما المعنى وراءه؟
وهذا السّؤال في الحقيقة هو ذاته الّذي طرحته مريم أمام الملاك عندما "سألَت نَفسَها ما مَعْنى هَذا السَّلام" (لوقا ١: ٢٩). تساءلت مريم عن معنى هذا الحدث وعن الأفق الّذي يفتحه. لقد تساءلت عن الوجهة الّتي يقود إليها هذا الباب الّذي فُتح أمامها.
يكمن في قلب الإنسان توق إلى الجمال والحياة وإلى شيء يزيل ستار الملل، ويرفع الحجاب عن الوجه، ويردّ لنا بذلك كرامتنا ودعوتنا.
نحتاج إلى شيء يضعنا في المسار الصّحيح ويخفّف عنّا إرهاق الطّريق، ويساعدنا على إيجاد الدّرب الّذي سيأخذنا إلى ما هو أبعد من أنفسنا.
لقد جاء المجوس بعد أن رأوا علامة. ومع أنّ هذه العلامة كانت في السّماء على مرأى من الجميع، إلّا أنّهم وحدهم بدأوا المسيرة. إنّ ما يصنع الفرق ويفسح لك المجال لتبدأ مسيرة ما هي قدرتك على رؤيتها ورغبتك لاغتنامها. إنّها امتلاك نظرة قادرة على قراءة الواقع بصفته علامة تقودك إلى أمر آخر. سوف نمتلك هذه النّظرة فقط إن كان في قلبنا توق ورغبة، فقط إن كنّا مدفوعين بالحبّ.
والموضوع غير مرتبط بالبعد أو القرب. فإنّ بوسعك أيضًا أن تكون قريبًا، قريبًا جدًّا، وألّا ترى أين ستقودك العلامة الّتي ظهرت لك.
لنتوقّف هنا عند مثال هيرودس، الّذي اعتبر الموضوع في البداية تافهًا ثمّ منذرًا بالخطر. سيعمل على التّشويش عليه حتّى لا يتمكّن أحد من سماع أو رؤية أيّ ملك آخر غيره. على صعيد آخر، عندما يرفض الإنسان أن يخسر شيئًا، فإنّه سيبقى مكانه للدفاع عن امتيازاته وتطلّعاته التّافهة.
هذا لا يعني أنّ العلامات الّتي يضعها الله في طريقنا قد لا تكون مصدر اضطراب. يقول متّى أنّ أورشليم كلّها قد اضطربت (متّى ٢: ٣)، ويتحدّث الإنجيليّ عن اضطراب مريم أثناء حدث البشارة.
ما الفرق بين هذين الاضطرابين؟
يكمن الفرق في الإصغاء إلى الكلمة، والسّماح لها بالسّيطرة على اضطرابنا. لقد أصغت مريم إلى كلمة الرّبّ الّتي قالت لها ألّا تخاف وبذلك أفسحت المجال لذاتها لتلقّي الهبة. أمّا هيرودس في المقابل فهو يبحث عن الكلمة ليس للإصغاء إليها أو السّماح لنفسه أن ينير عقله بل للسّعي وراء تحقيق مشاريع تسلّطيّة تقوده لاحقًا إلى الموت. إنّه لا يسعى وراء معنى ما يسمعه. هو لا يبحث عن الشّخص الّذي يقف وراء هذا الحدث.
أمّا المجوس، فقد استرشدوا بالنّجم والكلمة، فوجدوا في النّهاية الشّخص الّذي يجب السّجود له، والّذي يستحقّ العبادة (متّى ٢: ١١).
وبما أنّ السّجود والعبادة هما لله فقط، يستشفّ المجوس أنّ الله يكمن في هذا الطّفل وأنّه يمثّل العلامة وحضور الله في التّاريخ. يدركون أنّ الله هو وراء كلّ شيء.
إنّ عيد الظّهور الإلهيّ هو عيد العلامات الّذي يظهر الله ذاته من خلالها في التّاريخ. والعلامة هنا، بامتياز، هي يسوع نفسه. هو وحده الّذي يستطيع أن يخرجنا من غربتنا ليضعنا على الطّريق. إنّه يسمح لنا أن نضطرب ولكنّه بعد ذلك يُخلّصنا.
يسوع هو علامة نسجد أمامها أيّ أنّنا نقوم أمامها بلفتة احترام وحبّ وامتنان عميق. إنّها لفتة من وجد المصدر ومعنى الحياة.
لهذا السّبب، إنّ مسيرة المجوس هي طريق كلّ شخص، أو ربّما هي الطّريق الّتي تقودنا لأن نصبح بشرًا حقيقيّين."