الأراضي المقدّسة
16 حزيران 2023, 13:50

بيتسابالا: نظرة يسوع مليئة بالرّحمة قادرة على إعطاء حياة جديدة

تيلي لوميار/ نورسات
عشيّة الأحد الحادي عشر من الزّمن العاديّ، يتوقّف بطريرك القدس للّاتين بييرباتيستا بيتسابالا بمقطع من إنجيل متّى (9، 36 - 10، 8) "وهو ثاني خطاب رئيسيّ ليسوع لتلاميذه، وهو يعتبر من الخطابات الإرساليّة."

وفي هذا الخصوص، يقول بيتسابالا بحسب موقع البطريركيّة الرّسميّ: "لم يوجّه الخطاب إلى مرسلين افتراضيّين، بل إلى التّلاميذه أنفسهم، ويمكننا القول إلى الكنيسة بأكملها: إنّ الكنيسة مدعوّة للمشاركة في الهبة الّتي حصلت عليها. إذا لم يتمّ توزيع الهبات، وإذا كانت مقيّدة، تضيع الهبة ولا تعطي ثمر الخلاص.

وتظهر الهبة الّتي دُعيت الكنيسة لمشاركتها في الآية الأولى: "رأى الجموع فأخذته الشّفقة عليهم، لأنّهم كانوا تعبين رازحين، كغنم لا راعي لها" (متّى 9: 36) ، حيث أنّ الشّفقة لا تعني العاطفة اللّحظيّة الّتي نشعر بها عند معاناة شخص، فالمعنى أعمق- يذكّرنا بها إنجيل الفصح- أن نجعل حياة أخينا بمثابة حياتنا الخاصّة، ويتحوّل ألمه إلى ألمي، ويصبح جرحه جرحي. أن نكون جسدًا واحدًا: هذا هو ثمرة الفصح، البشريّة الجديدة الّتي خلقتها قيامة يسوع.

لكن مقطع اليوم يذكّرنا أنّه لكي نمتلك الشّفقة، يجب أن نعرف أوّلاً كيف ننظر: يسوع أمامه جمهور، ينظر إليه، أيّ أنّه يسمح له بالدّخول ويفسح المجال له. يبدأ الخلاص دائمًا بنظرة، نظرة الله إلينا. الإيمان، ربّما قبل أيّ شيء آخر، يتمثّل أيضًا في ملاحظة هذه النّظرة، في الشّعور بنظرة الله علينا.

هذا ما تغني به مريم في نشيد الله: "نظر الله إلى تواضع أمته" (لوقا 1: 48).

لكنّه أيضًا هو أساس كلّ رجاء: حيث نشعر أنّ موت يسوع قطعت علاقته بشعبه، لكنّه يريحهم بوعد يتحدّث بدقّة عن نظرة واحدة: "سأراك مرّة أخرى، وسوف يفرح قلبك" (يو 16 ، 22): القيامة نظرة لا تنحرف.

الخطوة الأولى في المهمّة، والّتي لا غنى عنها لكلّ تلميذ، هي أن يتعلّم كيف ينظر إلى الآخرين. لا يتعلّق الأمر في البداية بفعل شيء للآخرين، ولا يتعلّق بتعليم شيء ما أو إقناعهم بالإيمان. يتعلّق الأمر بالوقوف في وجه الألم والشّدّة، ومعرفة كيفيّة التّوقّف والنّظر، دون المضي عنهم (راجع لو 10: 31). يتحقّق الملكوت حيث يتعاطف المرء مع أخيه.

ليس على التّلاميذ أن يخترعوا أيّ شيء. ليس الأمر متروكًا لهم لإنقاذ الأشخاص الّذين يقابلونهم. عليهم فقط أن يشهدوا بحياتهم عن هذه الحقيقة غير المسموعة، عطف (شفقة) الله، وأنّه يشعر معنا، وأنّه يكترث لأمرنا، فهو قريب.

من يستطيع أن يفعل هذا، من يمكنه أن يبدو هكذا؟

فقط من يشعر أنّه ينظر إليه بهذه الطّريقة أوّلاً، والّذي اخترق أعماق حياته، يمكنه أن ينظر إلى الآخرين بالطّريقة الّتي أنقذه من العدم والموت.

هذا هو السّبب في أنّ الإنجيليّ متّى يسرد هذه للرّسل الاثني عشر، ليقول إنّ إعلان الملكوت يأتي من خلال لقاء الأشخاص، من خلال قصص مشابهة جدًّا لقصّة كلّ واحد منّا.

الإثنا عشر هم أناس ضاعوا، مثل أيّ شخص آخر، ووجدوا، وكانوا بعيدين، وأصبح الله قريبًا منهم.

لم يرسل يسوع رسله في البداية إلى "الأمم"، بل إلى "الخراف الضّالّة من آل إسرائيل". تخبر هذه الكلمات عن توسيع تدريجيّ للمهمّة، والّذي سيتمّ خارج إسرائيل فقط بعد عيد الفصح.

ولكن ربّما يعني ذلك أيضًا أنّ الأشخاص الأوائل الّذين تمّ إرسالنا إليهم هم على وجه التّحديد الأشخاص الأقرب إلينا، والّذين نراهم كلّ يوم: نحن مدعوّون تجاههم لإلقاء نظرة جديدة، الأشخاص الّذين نعرفهم بالفعل، هؤلاء من لم نعد نتوقّع منهم شيئًا جديدًا: نظرة يسوع مليئة بالرّحمة لأنّها نظرة جديدة قادرة على إعطاء حياة جديدة، وإعادتنا إلى الطّريق، وإعطاء الجميع فرصة جديدة.

إفتتح المقطع بكلمة رحمة، واختتم بمصطلح رئيسيّ آخر في العهد الجديد: المكافأة (متّى 10: 8).

في الواقع، المصطلحان مرتبطان ارتباطًا وثيقًا، لأنّ أولئك الّذين يعرفون كيف يحبّون دون سبب يمكنهم أيضًا أن يشعروا بالشّفقة: أولئك الّذين اكتشفوا أنّ هذه هي الطّريقة الّتي يحبّون الله بها، فهو الّذي يشرق شمسه على الأخيار والأشرار. فهم يرغبون في الحبّ بنفس الطّريقة، ولا يقبلون ضياع شيء، أو ترك أيّ شيء أو أحد خارج هذه النّظرة."