بين مارينا ومارينوس... حكاية قدّيسة من قنّوبين
دخل مارينوس صفّ الابتداء، وهناك تغذّت روحه إيمانًا وتقوًى، وامتلأ كلّه تواضعًا ونشاطًا. هذا الأمر، جعل الأب الرّئيس يختاره ليساعد الرّاهب المسؤول عن بيت المؤونة في حمل بواكير الزّيتون المقدّمة إلى الدّير بعد أن يبارك حصيلة الموسم. في طريق العودة، باتا ليلتهما في خان قديم في بلدة طورزا واستفاقا على فضيحة اتّهم بها مارينوس زورًا بعد أن تورّطت ابنة صاحب الخان بعلاقة مع أحد الزّبائن وحَمِلت منه. تفاديًا للعارّ، اتّفقت ووالدها أن يتّهما الرّاهب الشّابّ مارينوس الّذي لم يدافع عن نفسه أمام سكّان الدّير، ما دفع بمجلس المدبّرين إلى أمره بترك الدّير وتربية الولد.
غادر مارينوس الدّير باكيًا يائسًا هائمًا في البراري، لاجئًا إلى مغارة قريبة من الدّير حيث عاشا ويد الله ترعاهما وترسل إليهما ليلاً فاعل خير يضع الطّعام سرًّا وبصمت خوفًا من أن يقع في الحرم أيضًا. وأيقظ الرّبّ في قلب مارينا غريزة الأمومة وسمح لها، بأعجوبة، أن ترضع هي "العذراء" الطّفل المهدّد بموت محتّم.
إنتشر خبر الرّاهب مارينوس شيئًا فشيئًا بين أهالي القرى المجاورة ما جعلهم يتحاشونه وولده. هذا الأمر زاد عزلته قساوة ووحشة وإرهاقًا، وظلّل حياته بغيمة سوداء أنبأت باقتراب النّهاية.
خارت قوى مارينا الجسديّة فطلبت من الولد أن يستدعي رئيس الدّير بإلحاح لتعترف له بخطاياها وتكشف عن هويّتها الحقيقيّة وعن سبب تكتّمها عن براءتها؛ فهي تحمّلت كلّ ذاك العذاب خوفًا على رفيقها الرّاهب من تهمة الزّنا.
هذه الحقيقة صدمت الأب الرّئيس وجعلت دموعه تنساب بصمت من عينيه تأثّرًا وندامة. وأكثر من ذلك انتشرت بين النّاس بسرعة البرق، فغصّت بهم المغارة الّتي امتلأت أيضًا بالرّهبان، وفاحت منها رائحة البخّور مالئة الوادي المقدّس، وأضاءت المشاعل المكان، وصدحت الصّلوات رافعة روح مارينا الطّاهرة إلى الله، لتعلنها ألسنة الشّعب، بعد لفظ أنفاسها الأخيرة قدّيسة وشفيعة لهم.