الفاتيكان
30 حزيران 2025, 12:30

تشيرني للبحّارة: أنتم حجّاج رجاء... فكونوا أنبياء سلام!

تيلي لوميار/ نورسات
في الثّالث عشر من تمّوز/ يوليو المقبل، يُحتفل بـ"أحد البحر".

وللمناسبة، وجّه عميد الدّائرة الفاتيكانيّة المعنيّة بخدمة التّنمية البشريّة المتكاملة الكاردينال مايكل تشيرني رسالة كتب فيها بحسب "فاتيكان نيوز": "مرّةً في السّنة، تتذكّر الجماعات الكاثوليكيّة في العالم أجمع العاملين في البحر خلال احتفالاتها اللّيتورجيّة يوم الأحد. في الواقع يُفتتح الأسبوع الثّاني من شهر تمّوز، بـ"أحد البحر"، الّذي يُخصّص للتّأمّل في العمل الخفيّ لآلاف البحّارة، هؤلاء الأشخاص الّذين يمضون جزءًا كبيرًا من حياتهم بعيدين عن عائلاتهم وجماعاتهم، ولكنّهم يقدّمون خدمة هائلة لاقتصاد الشّعوب وتنميتها. كما عبّر عنه بشكل لا يُنسى الدّستور الرّعويّ "فرح ورجاء" الصّادر عن المجمع الفاتيكانيّ الثّاني، والّذي نحتفل هذا العام بالذّكرى السّتّين لصدوره: إنّ أفراح ورجاء، وأحزان وضيقات النّاس في عصرنا، وخصوصًا الفقراء وجميع المتألّمين، هي في الوقت عينه أفراح ورجاء، وأحزان وضيقات تلاميذ المسيح. وليس هناك شيء إنسانيّ أصيل لا يجد صدًى في قلوبهم". لذلك، نرغب أن يعلم جميع الّذين يعملون في البحر أنّهم في قلب الكنيسة، وأنّهم ليسوا وحدهم في سعيهم إلى العدالة والكرامة والفرح. فالتّنمية البشريّة المتكاملة تشمل جميع النّاس وكلّ أبعادهم: الجسديّة والرّوحيّة والجماعيّة. حيثما يُعلَن الإنجيل ويُقبل حضور المسيح القائم من بين الأموات، لا يمكن للعالم أن يبقى كما هو. فالّذي غلب الخطيئة والموت يقول: "هاءنذا أجعل كلّ شيء جديدًا".

وفي سنة اليوبيل هذه، أيّها الأعزّاء، يجب أن تكون الحداثة الّتي يُعلنها المسيحيّون أكثر قدرة على مساءلة النّظام القائم، لأنّ ملكوت الله يدعونا إلى الإرتداد: كسر القيود، مسامحة الدّيون، إعادة توزيع الموارد، واللّقاء في السّلام، جميع هذه الأمور هي أعمال بشريّة شجاعة، لكنّها ممكنة، وهي تُعيد إشعال الرّجاء. وكما تَعلَّمنا منذ البدء: "إنَّ الّذي لا يحبّ أخاه وهو يراه لا يستطيع أن يحبّ الله وهو لا يراه". لذا، فإنّ الكنيسة بأسرها مدعوّة إلى أن تسائل نفسها حول ظروف العمل في الموانئ وعلى السّفن، حول الحقوق المتوفّرة، ومستوى الأمان، ونوعيّة الدّعم الرّوحيّ والمادّيّ المقدَّم لهؤلاء العاملين. ففي خليقة جريحة، وعالمٍ تتفاقم فيه النّزاعات والفوارق الاجتماعيّة، تتطلّب منّا محبّة إله الحياة أن نُظهِر هذه المحبّة بأفعال ملموسة. لأنّ الحياة في الواقع هي ملموسة على الدّوام: إنّها حياة أشخاص، تُعاش داخل علاقات، إن لم تكن محرِّرة، تصبح سجنًا، وإن لم تُزهر، تذُلّ. لنُسلِّط إذًا الاهتمام على ما يقف خلف اقتصاداتنا، على الّذين يُسيّرونها كلّ يوم، غالبًا من دون أن يستفيدوا منها، بل يتعرَّضون للتّمييز والخطر.

نودّ أن نعترف بالبحّارة– كما يدعونا جميعًا شعار يوبيل ٢٠٢٥– كـ"حجّاج رجاء". سواء أدركوا ذلك أم لا، هم يُجسّدون رغبة كلّ إنسان، من أيّ شعب أو دين، في أن يحيا حياة كريمة، من خلال العمل، والتّبادل، واللّقاءات. هم لا يبقون في أماكنهم، بل اضطُرّوا إلى الانطلاق، وكان لديهم من الجرأة ما دفعهم إلى المغادرة، مثل كثير من الرّجال والنّساء الّذين يخبرنا عنهم الكتاب المقدّس: أشخاص يسيرون، في خضمّ رحلة الحياة. إنَّ كلمة "الرّجاء" هي الكلمة الّتي يجب أن تُذكّرنا دائمًا بالهدف: نحن لسنا تائهين بلا مصير، بل بنات وأبناء يتمتّعون بكرامة لا يمكن لأيّ أحد أو لأيّ شيء أن يُلغيها. ومن ثمّ، نحن إخوة وأخوات. نأتي من البيت نفسه، ونعود إلى البيت نفسه: وطن لا يعرف الحدود ولا الحواجز الجمركيّة، حيث لا وجود لامتيازات تُقسّم، ولا لأشكال ظُلم تجرح.  ولأنّ هذا الوعي ثابت ولا يُدمَّر، يمكننا أن نرجو. واليوم، يمكن أن يكون التّضامن بيننا وبين جميع الكائنات الحيّة أقوى وأكثر حيويّة. لأنّ "الرّجاء المسيحيّ، في الواقع، لا يخدع ولا يخيِّب، لأنّه قائم على اليقين بأنّ لا شيء ولا أحد يستطيع أن يفصلنا عن الحبّ الإلهيّ".

أشكر البحّارة المسيحيّين وجميع زملائهم من الأديان والثّقافات المختلفة: أنتم حجّاج رجاء في كلّ مرّة تعملون فيها بإتقان ومحبّة، وفي كلّ مرّة تحافظون فيها على روابطكم الحيّة مع عائلاتكم وجماعاتكم، وفي كلّ مرّة تواجهون فيها الظّلم الاجتماعيّ أو البيئيّ بتنظيم وشجاعة واستجابة بنّاءة. نرجو منكم أن تكونوا جسورًا، حتّى بين الأوطان المعادية، وأن تكونوا أنبياء سلام. إنَّ البحر يربط بين جميع الأراضي، ويدعوها إلى النّظر نحو الأفق اللّامتناهي، إلى الإحساس بأنّ الوحدة يمكنها دائمًا أن تنتصر على الصّراع. وأناشد الجماعات الكنسيّة، لاسيّما الأبرشيّات الواقعة على سواحل البحار أو الأنهار أو البحيرات، أن تُنمّي اهتمامها بالبحر، كبيئة مادّيّة وروحيّة تدعونا إلى الارتداد. لتُرشِدنا وتُنِر رجاءنا مريم، نجمة البحر."