بيئة
01 آذار 2022, 10:05

تقرير حول تغير المناخ يُعتبر "دليلا دامغًا على فشل القيادة العالمية في مجال المناخ"

الأمم المتّحدة
وجّه علماء الأمم المتحدة يوم الاثنين تحذيرًا صارخًا بشأن تأثير تغيّر المناخ على الناس والكوكب، وقالوا إن انهيار النظام البيئي، وانقراض الأنواع، وموجات الحر والفيضانات المميتة، هي من بين "المخاطر المناخية المتعددة التي لا يمكن تجنبّها" والتي سيواجهها العالم خلال العقدين المقبلين بسبب الاحتباس الحراري.

وقال هوسنج لي، رئيس الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC): "هذا التقرير تحذير ملّح بشأن عواقب عدم اتخاذ أي إجراء."

وقال إنه يُظهر أن تغيّر المناخ يمثل تهديدا خطيرا ومتزايدا لرفاهيتنا ولكوكب صحي.

وأضاف يقول: "ستشكل ممارساتنا اليوم كيفية تكيّف الناس واستجابة الطبيعة لمخاطر المناخ المتزايدة" مضيفا أن أنصاف الإجراءات لم تعد خيارا.

ووفقا للتقرير، يتسبب تغير المناخ بفعل البشر في اضطراب خطير وواسع النطاق في الطبيعة، ويؤثر على مليارات الأرواح في جميع أنحاء العالم، وعلى الرغم من الجهود المبذولة للحد من المخاطر، فإن الأشخاص والنظم البيئية الأقل قدرة على التكيّف هي الأكثر تضررا.

وهذا هو التقرير الثاني في سلسلة من ثلاثة تقارير يعدّها كبار علماء المناخ في الأمم المتحدة، ويأتي إطلاقه بعد ما يزيد قليلا عن 100 يوم على انعقاد قمة الأمم المتحدة للعمل المناخي في غلاسكو COP26، حيث جرى الاتفاق على تكثيف العمل للحد من ظاهرة الاحتباس الحراري إلى 1.5 درجة مئوية ودرء أسوأ آثار تغيّر المناخ.

ووصف الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، التقرير الأول الذي صدر في آب/أغسطس الماضي، بأنه "رمز أحمر للإنسانية" وقال: "إذا قمنا بتوحيد القوى الآن، يمكننا تجنب كارثة مناخية."

 

"تغيّر المناخ يوجه الضربات"

أما عن رأيه في التقرير الأخير، فهو صارخ بنفس القدر: إذ يأسف السيد غوتيريش لأن الأدلة التي قدمتها الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيّر المناخ لا تشبه أي شيء رآه على الإطلاق، واصفا إياه بـ "أطلس المعاناة الإنسانية شديدة واتهاما قاطعا بفشل القيادة في التصدي لأزمة المناخ."

وبفضل ما يعرضه التقرير من حقائق تلو الأخرى، فإنه يركز على التأثيرات والتكيف وقابلية التأثر، يكشف كيف أن الناس والكوكب يتعرّضون "للضرب" بسبب تغير المناخ.

وأضاف يقول: "نصف البشرية تقريبا قد أصبح يعيش في منطقة الخطر. وبلغ التدهور بالعديد من النظم الإيكولوجية حدا لا رجعة فيه. والتلوث الكربوني الفاحش  يدفع أشد فئات العالم ضعفا رويدا رويدا نحو الدمار."

 

تنازل عن القيادة

قال السيد غوتيريش إن أكبر الملوّثين في العالم مسؤولون عن إضرام النار في بيتنا الوحيد.

في وجه مثل هذا الدليل المرعب، من المهم تحقيق أهداف الحد من درجات الحرارة العالمية إلى 1.5 درجة مئوية، ويُظهر العلم أن ذلك يتطلب من العالم خفض الانبعاثات بنسبة 45 في المائة مع حلول عام 2030، وتحقيق صافي انبعاثات صفرية بحلول عام 2050.

إلا أن السيد غوتيريش أضاف يقول: "ولكن بحسب الالتزامات الحالية، فإن الانبعاثات العالمية ستزداد بنسبة 14 في المائة تقريبا على مدار العقد الحالي. وهذا يُنذر بكارثة، وسيقضي على أي فرصة للحفاظ على (هدف) البقاء ضمن حدود 1.5 درجة مئوية."

هذا يُنذر بكارثة، وسيدمر أي فرصة لإبقاء (هدف) الـ 1.5 درجة مئوية حيّا

وأوضح الأمين العام أن أحد أبرز الحقائق التي يظهرها التقرير هو أن الفحم وغيرها من الوقود الأحفوري يخنق الإنسانية، ودعا جميع حكومات مجموعة العشرين إلى الالتزام باتفاقاتها لوقف تمويل الفحم في الخارج، وأيضا وبشكل عاجل فعل الشيء المماثل داخل بلدانها وتفكيك أساطيل الفحم.

وعلاوة على ذلك، قال يجب محاسبة العاملين في القطاع الخاص الذين ما زالوا يمولون إنتاج الفحم، مشيرا إلى أن هذا التحذير يشمل أيضا شركات النفط والغاز العملاقة والجهات الضامنة لها.  

فبحسب الأمين العام "لا يمكنك أن تدعي مراعاة الاعتبارات البيئية وأنت في نفس الوقت تقوض بخططك ومشاريعك غاية الوصول بالانبعاثات إلى درجة الصفر بحلول عام 2050 وتتجاهل ما يجب أن يحصل في هذا العقد من تخفيضات رئيسية في نسبة الانبعاثات. فالناس لا تنطلي عليهم هذه الحيلة."  

وأضاف أنه بدلا من إبطاء إزالة الكربون عن الاقتصاد العالمي، حان الوقت لتسريع الانتقال إلى استخدام الطاقة والاعتماد على الطاقة المتجددة في المستقبل، مضيفا أن الوقود الأحفوري بأنواعه لا يرجى منه خير لا لكوكبنا ولا للإنسانية، ولا للاقتصادات".  

ودعا الدول المتطورة، وبنوك التنمية متعددة القطاعات، والممولين الخاصين، وغيرهم، إلى تشكيل تحالفات لمساعدة الاقتصادات الناشئة على وضع حد لاستخدام الفحم.

 

التكيّف ينقذ الأرواح

الأمر المهم الآخر الذي وجده التقرير يُعتبر نبأ  أفضل قليلا ويتعلق بالاستثمار في عمل التكيّف.

وقال السيد غوتيريش: "مع ازدياد تداعيات المناخ سوءا – وستزداد سوءا – فإن توسيع نطاق الاستثمارات سيكون مهما للبقاء على قيد الحياة. يجب متابعة جهود التكيّف مع تلك الآثار والتخفيف من وطأتها بنفس القوة ونفس الإلحاح.  ولعل هذا هو السبب الذي جعلني أضغط من أجل رصد 50 في المائة من إجمالي التمويل المناخي لجهود التكيف."

وأشار إلى التزامات غلاسكو بشأن التكيف، قائلا إن التمويل لم يكن كافيا لمواجهة التحديات التي تواجهها الشعوب على الجبهات الأمامية لأزمة المناخ، وقال إنه أيضا يدفع باتجاه إزالة العقبات التي تمنع الدول الجزرية الصغيرة والدول الأقل نموا من الحصول على التمويل الذي تمس الحاجة إليه لإنقاذ الأرواح وسبل العيش.

وأضاف يقول: فنحن بحاجة إلى وضع نظم جديدة لاستيفاء شروط الحصول على التمويل للتعامل مع هذا الواقع الجديد. غير أن المماطلة تعني الموت."  

وقال إنه يستلهم من كل من هم على الجبهات الأمامية على ساحة المعركة مع المناخ ويقاتلون من خلال إيجاد الحلول، وأضاف أنه يعرف أن الأشخاص في كل مكان يشعرون بالقلق والغضب في نفس الآن.

وقال: "أنا أشعر بذلك أيضا. الآن هو الوقت لترجمة الغضب إلى عمل. فكل جزيْء من درجة الحرارة له قيمته. وكل صوت يمكن أن يحدث فرقا. وكل ثانية مهمة."

 

العمل العاجل لمعالجة المخاطر

يشير التقرير إلى تجاوز موجات الحر والجفاف والفيضانات عتبات تحمّل النباتات والحيوانات، مما يؤدي إلى أعداد هائلة من الوفيات في الأنواع مثل الأشجار والشعاب المرجانية. هذا التطرف في المناخ يحدث بشكل متزامن، ويتسبب في تداعيات—يصعب إدارتها بشكل متزايد.

وقد عرّضت ملايين الناس للجوع الحاد وانعدام الأمن المائي، وخاصة في أفريقيا وآسيا ووسط وجنوب آسيا والجزر الصغيرة والقطب الشمالي.

ولتجنب تزايد الخسائر في الأرواح والتنوع البيولوجي والبنية التحتية، يلزم اتخاذ إجراءات طموحة ومعجلة للتكيّف مع تغيّر المناخ، في نفس الوقت الذي يتم فيه إجراء تخفيضات سريعة وعميقة في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري.

وخلص التقرير الجديد إلى أن التقدم المحرز في التكيّف غير منتظم حتى الآن، وهناك فجوات متزايدة بين الإجراءات المتخذة وما هو مطلوب للتعامل مع المخاطر المتزايدة. وهذه الفجوات هي الأكبر بين السكان ذوي الدخل المنخفض.

من جانبها، قالت إلهام علي، وهي واحدة من معدّي التقرير فيما يتعلق بمنطقة البحر الأبيض المتوسط: "يُعتبر حوض البحر المتوسط من أكثر المناطق تأثرا بالعديد من مخاطر التغيّرات المناخية، وأكثر المناطق عرضة لتلك المخاطر هي المناطق المنخفضة، خاصة التي تعاني من عمليات الهبوط الأرضي حيث إنها أكثر تهديدا بالفيضانات - ارتفاع مستوى سطح البحر وكذلك تسرب المياه المالحة، والتي تؤثر جميعها، منفردة أو مجتمعة، على أنشطة الزراعة."

وقال هوسنج لي: "يقرّ هذا التقرير بالاعتماد المتبادل بين المناخ والتنوع البيولوجي والناس، ويدمج العلوم الطبيعية والاجتماعية والاقتصادية بشكل أقوى من التقييمات السابقة للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيّر المناخ."

 

حماية الطبيعة هي المفتاح لتأمين مستقبل قابل للعيش

بحسب التقرير، ثمّة خيارات للتكيّف مع المناخ المتغير. يقدم هذا التقرير رؤى جديدة حول إمكانات الطبيعة ليس فقط للحد من مخاطر المناخ، ولكن أيضا لتحسين حياة الناس.

وقال الرئيس المشارك للفريق العامل الثاني في IPCC، هانز أوتو بورتنر: "إن النظم الإيكولوجية الصحية أكثر مرونة في مواجهة تغيّر المناخ وتوفر خدمات حيوية للحياة مثل الغذاء والمياه النظيفة."

وأشار إلى أنه من خلال استعادة النظم البيئية المتدهورة، والحفاظ بشكل فعّال ومنصف على 30 إلى 50 في المائة من موائل الأرض والمياه العذبة والمحيطات، يمكن للمجتمع الاستفادة من قدرة الطبيعة على امتصاص الكربون وتخزينه، ويمكننا تسريع التقدم نحو التنمية المستدامة، ولكنّ التمويل الكافي والدعم السياسي ضروريان.

ويشير العلماء إلى أن تغيّر المناخ يتفاعل مع الاتجاهات العالمية مثل الاستخدام غير المستدام للموارد الطبيعية، والتوسع الحضري المتزايد، والتفاوتات الاجتماعية والخسائر والأضرار الناجمة عن الأحداث المتطرفة والجائحة، مما يعرّض التنمية في المستقبل للخطر.

من جانبها، قالت الرئيسة المشاركة للفريق العامل الثاني، ديبرا روبرتس: "يظهر تقييمنا بوضوح أن معالجة كل هذه التحديات المختلفة تشمل الجميع – الحكومات والقطاع الخاص والمجتمع المدني – يعملون معا لإعطاء الأولوية للحد من المخاطر، وكذلك الإنصاف والعدالة في اتخاذ القرار والاستثمار."

 

المدن: البؤر الساخنة لمخاطر المناخ؛ حاسمة في الحل

يقدّم التقرير تقييما تفصيليا لتأثيرات تغير المناخ والمخاطر والتكيّف في المدن والمناطق الحضرية، حيث يعيش أكثر من نصف سكان العالم.

وقالت روبرتس: "يؤدي التوسع الحضري المتزايد وتغيّر المناخ معا إلى خلق مخاطر معقدة، لاسيّما بالنسبة للمدن التي تعاني بالفعل من النمو الحضري سيء التخطيط، ومستويات عالية من الفقر والبطالة، ونقص في الخدمات الأساسية."

لكنّها أضافت أن المدن توفر أيضا فرصا للعمل المناخي – المباني الخضراء، الإمدادات الموثوقة من المياه النظيفة والطاقة المتجددة، وأنظمة النقل المستدامة التي تربط المناطق الحضرية والريفية يمكن أن تؤدي جميعها إلى مجتمع أكثر شمولا وعدلا.

 

إغلاق نافذة العمل بسرعة

بشكل عام، يؤكد التقرير، الذي يوفر معلومات إقليمية واسعة النطاق لتمكين التنمية القادرة على التكيف مع تغير المناخ، على الضرورة الملحة للعمل المناخي، مع التركيز على الإنصاف والعدالة.

ويؤدي التمويل الكافي ونقل التكنولوجيا والالتزام السياسي والشراكة إلى مزيد من التكيّف الفعال مع تغيّر المناخ وخفض الانبعاثات.

وقال هانز أوتو بورتنر: "الدليل العلمي لا لُبس فيه: تغيّر المناخ تهديد لرفاهية الإنسان وصحة الكوكب. وأي تأخير إضافي في العمل العالمي المنسق سيفوّت نافذة قصيرة وسريعة الإغلاق لضمان مستقبل ملائم للعيش."