لبنان
15 تموز 2018, 05:00

تنصيب موسى مطرانًا على أبرشيّة جبيل والبترون

لمناسبة تنصيب المتروبوليت سلوان موسى على أبرشيّة جبيل والبترون وما يليهما، ترأّس بطريرك أنطاكيا وسائر المشرق للرّوم الأرثوذكس يوحنّا العاشر يازجي القدّاس الإلهيّ، في كنيسة مار جاورجيوس في الجديدة، بحضور المطران السّابق للأبرشيّة جورج خضر، وبمشاركة موسى والمطارنة أعضاء المجمع الأنطاكيّ المقدّس، وألقى عظةً، قال فيها، بحسب الوكالة الوطنيّة:

"اجتمعنا أحبّتي في هذه الكنيسة المقدّسة اليوم واشتركنا في هذه المائدة الرّوحيّة في هذا القدّاس الإلهيّ، بمناسبة استلام الأخ الحبيب المطران سلوان لهذه الأبرشيّة المحروسة بنعمة الرّبّ خلفًا للمطران جورج، وحديثي اليوم إليكم في هذا القدّاس انطلاقًا من الإنجيل الذي سمعناه، سمعنا الرّبّ يسوع يقول لتلاميذه الأطهار ويوصيهم "من لا يأخذ صليبه ويتبعني فلا يستحقّني، ومن وجد نفسه يهلكها ومن أهلك نفسه من أجلي يجدها". هذا المقطع هو من إنجيل متّى وكأنّ نعمة الرّبّ شاءت أن يتلى هذا المقطع، وبالتّحديد في هذا اليوم، في هذا القدّاس الإلهيّ الأوّل الذي نقيمه سويّة مع سيّدنا سلوان والإخوة المطارنة والآباء الكهنة والشمامسة وإيّاكم جميعًا، "من لا يحمل صليبه ويتبعني فلا يستحقّني".

 

إنّ الرّبّ في هذا المقطع من الإنجيل يشدّد على أنّ من يريد أن يحيا بموجب حياة السّيّد بحسب وصيّة السّيّد عليه أن يحبّ السّيّد وأن يحبّه حتّى المنتهى، ولذلك يقول من لا يحمل صليبه ويتبعني فهو لا يستحقّني ويشرح ماذا يقصد بهذا القول عندما يتابع قائلاً: من وجد نفسه يهلكها. الكلام غريب بعض الشّيء وسنحاول شرحه". نعم عندما نقول "من لا يحمل صليبه ويتبعني" هل المقصود أن نحمل بأيدينا صليبًا ومجرّد ذلك؟ هل أن نحمل الصّليب هو كما نضع الصّلبان على صدورنا وأعناقنا ونزين بها كنائسنا؟ هذا معنى من معاني أنّنا نعتزّ بالصّليب لأنّه أصبح علامة خلاص ورمز الخلاص، ولذلك نقوم برسم إشارة الصّليب على صدورنا ونحمل الصّليب ونضعه في كنائسنا وفي بيوتنا، ولكن هل معنى الصّليب حمل الصّليب هو ينحصر في هذا المجال وحسب؟ أيضًا عندما نتكلّم أنّ لكل واحد منّا صليبًا في هذه الحياة وعليه أن يحمل صليبه، نقصد أوجاع العالم وأتعاب هذه الحياة والمشاكل والمصاعب التي نمرّ بها وهذا صحيح، وعلى كلّ واحد أيضًا على مستوى حياته الشّخصيّة، العائلة، في المجتمع الذي هو موجود فيه، في العالم الذي يعيش فيه، أن يحمل صليبه، أن يقبل بظروف حياته، ويسعى ويجهد من خلالها أن يقدّم شكرًا وتسبيحًا لله.

الآن، معنى أن نحمل الصّليب هو أعمق من ذلك أيُّها الأحبّة، الصّليب هو نعمة مطهّرة، نعمة الله التي تطهّر، هي نعمة الله التي تنير العقل والذّهن، هي التي تقدّس حياة الإنسان. ولذلك من يحمل الصّليب بالمعنى الحقيقيّ لهذه الكلمة، ومن يعيش بحسب سرّ الصّليب، هو الذي يتقبّل النّعمة التي أعطانا إيّاها يسوع لمّا رفع على الصّليب، من هناك، وهي هذه النّعمة الإلهيّة، نعمة الخلاص. لذلك نتكلّم، تكلّم آباؤنا القدّيسون عن ثلاث مراحل من الحياة الرّوحيّة: المرحلة الأولى هي التّطهير، التي يسعى فيها الإنسان أن يتطهّر بنعمة الله، من سيّئاته، من ضعفاته، من خطاياه، من سقطاته، بكلام آخر أن يخلع الإنسان العتيق القديم، إنسان الظّلمة وأن يتزيّن بالإنسان الجديد على شاكلة سيّده، أن يتزيّن بالفضيلة، بالصّلاح، وأن يلتصق بكلّ خير. هذا معنى المعموديّة. تذكّروا معي، نحن بالمعموديّة نغطّس الشّخص الذي نعمّده، ننزله في الماء ونرفعه من الماء على اسم الآب والإبن والرّوح القدس. ويشرح ذلك الرّسول بولس، ويقول إنّ المعمودية هي على شبه موت المسيح، وهي عمليّة التّغطيس في الماء على شبه موت المسيح، وهي قيامة في المسيح عندما ينشل هذا المعمّد من المياه. ويقول له: "أترفض الشّيطان وكلّ أعماله وكلّ أباطيله؟ وهو متّجه إلى الغرب الذي يرمز إلى الظّلمة، ويجيب المعمّد ويقول "نعم أرفض الشّيطان"، ثم بعد قليل نتّجه إلى الشّرق الذي يرمز إلى النّور والحقيقة التي هي المسيح يسوع، فيسأله: "أتوافق المسيح؟" فيجيب: "نعم أوافق المسيح".

وقال: "وهل تؤمن به أنّه سيد ملك وإله؟ فيجيبه بنعم ويقول دستور الإيمان. هذا هو سرّ الصّليب: أن تتقبّل هذه النّعمة التي أعطانا إيّاها الرّبّ بسرّ الصّليب، وهكذا يتحوّل الإنسان ويتبدّل من إنسان مأسور بخطاياه، برذائله، بشهواته، بأفكاره الباطلة إلى إنسان جديد على صورة خالقه، يتحلّى بالفضيلة والرّصانة والأخلاق، وكل أمر حميد".

لذلك يتابع الرّبّ قائلاً: "من وجد نفسه يهلكها، هنا بهذا المعنى، أيّ من يحيا لنفسه بحسب منطق أهل هذا الدّهر، فليس هذا هو المعنى الحقيقيّ للحياة، ومن أهلك نفسه، ماذا يطلب منا الرّبّ يسوع؟ أن نموت؟ أن نقتل أنفسنا؟ أبدًا. من أهلك نفسه من أجلي، فعبارة "من أجلي" هي الأهمّ، بأيّ معنى تهلك نفسك من أجل المسيح؟ بمعنى أن تموت عن أركان هذا العالم. أن تموت عن الإنسان الباطل، عن الخطيئة، عن الظّلم، وأن تسعى لأن تكون في الخير والصّلاح، فأنا بالتّالي تميت أعضاءك بحسب الجسد وتحيا سرّ الصّليب وتعيش بحسب تلك النّعمة التي أعطيت لك في يوم معموديتك، ألا وهي أن تتقبّل المسيح يسوع ملكًا وسيّدًا في حياتك وجالسًا في قلبك. هذا ما يدعونا إليه الرّبّ يسوع من خلال تلاميذه في هذا المقطع الإنجيليّ؛ يذكّرنا الرّبّ أنّ الحياة المسيحيّة ليست أن يكون المسيحيّ إنسانًا آدميًّا، لا يتشاجر مع جيرانه، وعلاقته جيّدة بالجميع والى ما هنالك؛ الآدميّة لا تعبّر عن المسيحيّة بالكامل. الإنسان المسيحيّ هو آدمي، نعم. ولكن المسيحيّة هي أن تحيا هذا السّرّ العظيم، سرّ الصّليب، أن تتقبّل هذه النّعمة الإلهيّة؛ فتتغيّر وتتحوّل وتتبدّل وتصبر شيئًا فشيئًا على شاكلة سيّدك. علّمنا الرّبّ يسوع في الإنجيل أن نقول، وقد صلّينا هذه الصّلاة قبل قليل، "يا أبانا الذي في السّماوات". علّمنا الرّبّ أن نناديه "أبانا"، والإبن على شاكلة أبيه، فهذا هو سعينا، وهذه هي مسيرة حياتنا، أن نتبدّل، أن نتجمّل، أن نتحلّى بالصّورة الإلهيّة ونجعلها ناصعة فينا، في قلوبنا، في أذهاننا، في تصرّفاتنا، في أقوالنا كما يقول الرّسول بولس في موضع آخر: "إن أكلتم، إن شربتم، ومهما فعلتم، فافعلوه بالمسيح يسوع". جميل أن نشعر أنّ صلاتنا، صومنا، ركوعنا، سجودنا هو للسّيّد، ولكن أيضًا لباسنا، وطعامنا، وكلّ ما نقوم به، نحن مدعوّون أن نجعله أيضًا للسّيّد وهكذا يكون كلّ شيء هو للرّبّ كما يقول الرّبّ يسوع: "أنتم في هذا العالم ولستم من هذا العالم"، بمعنى أنكم لا تعيشون بمنطق أهل هذا الدّهر والخطيئة والمعصية، بمعنى أنّكم أنتم تعيشون بحسب ما تنزل عليكم من فوق، وهو نعمة الرّبّ التي حلّت علينا.

هذا الكلام نقوله يا أحبّة في هذا اليوم المبارك، في هذا القدّاس الإلهيّ، مع سيّدنا سلوان، في هذه المسؤوليّة الجديدة الملقاة على كاهله منذ البارحة، أن يرعى أبناء هذه الرّعيّة المحروسة بنعمة الرّبّ، صلاتنا إلى الرّبّ أن يقوّيه، أن يكون معه، أن يحفظه، أن يعطيه النّعمة والبركة دومًا ليكون كما ذكرت البارحة، نحن عند تنصيب أيّ مطران جديد، يأخذ طرس بطريركيّ، ومن جملة ما يقول هذا الطرس، أن تكون، أيّ الأسقف الجديد، مثالاً وبمثالك أن تجذب الكلّج إلى السّيّد ليكون هو لهم الكلّ في الكلّ، فصلاتنا كلّنا ليكون الرّبّ معه في رعايته لأبنائنا المحبوبين."