لبنان
19 آب 2021, 06:30

تواضروس الثّاني: الخدمة الحقيقيّة هي خدمة أفعال

تيلي لوميار/ نورسات
إختتم بابا الإسكندريّة وبطريرك الكرازة المرقسيّة تواضروس الثّاني مساءً في اجتماع الأربعاء، سلسلة تعاليمه حول "رسالة فرح"، توّجها بتوقّفه عند النّصّف الثّاني من الأصحاح الرّابع لرسالة فيلبّي 4: 10 - 23.

وفي هذا السّياق، قال البابا بحسب "المتحدّث بإسم الكنيسة القبطيّة الأرثوذكسيّة": "بولس الرّسول أحبّ أن يعطينا دروسًا عن الرّضا والاكتفائيّة والقناعة. "ثُمَّ إِنِّي فَرِحْتُ بِالرَّبِّ جِدًّا لأَنَّكُمُ الآنَ قَدْ أَزْهَرَ أَيْضًا مَرَّةً اعْتِنَاؤُكُمْ بِي الَّذِي كُنْتُمْ تَعْتَنُونَهُ، وَلكِنْ لَمْ تَكُنْ لَكُمْ فُرْصَةٌ".

الخادم أمين على النّفوس وعلى أيّ عطيّة يقدّمها الله له.

إذا كانت الكنيسة لمّا تقيم خدّامًا وآباء من أجل الخدمة في أماكن كثيرة، الأب الكاهن يؤتمن على النّفوس الّتي هي أغلى شيء.

أحيانًا النّاس تفكّر فكرًا ترابيًّا، يتكلمون على الأموال كلامًا غير حقيقيّ فيه شكل من الاعتداء والكذب، لكن عدوّ الخير ينطق على أفواههم.

بولس الرّسول لمّا كان معهم كانوا يقدّمون عطاياهم الّتي يخدم بها، ولما راح إلى السّجن أيضًا جمعوا عطاياهم وأرسلوها مع خادمهم وكان طريق طويل من فيلبّي إلى روما لكي تصل العطايا.

وهنا كأنّه زرع بذرة والبذرة نبتت لشجرة وبعدها نبتت لزهور وهذا دليل على اعتنائهم به وهو اعتناء المخدومين بخادمهم.

"لَيْسَ أَنِّي أَقُولُ مِنْ جِهَةِ احْتِيَاجٍ، فَإِنِّي قَدْ تَعَلَّمْتُ أَنْ أَكُونَ مُكْتَفِيًا بِمَا أَنَا فِيهِ".

أنا مكتف بما تعلّمته، تعلّمت أن أعيش بالقليل الموجود الّذي أرسله ربّنا لي وليس لديّ طلبات معيّنة.

ولما نشأت الحياة الرّهبانيّة في أحد مبادئها كان الفقر الاختياريّ أنّ الإنسان يتعلّم الاكتفاء.

وأحد القدّيسين كان يعيش في البرّيّة ولمّا كان النّاس يزورنوه كانوا يعطونه هديّة فيرفض أن يأخذها ويقول أنا مكتف بما عندي فالنّاس يمشون متضايقين، ويذهب ناس آخرين يطلبون منه حاجة فيقول لهم أنا لا أمتلك شيئًا فيمشون متضايقين، فوقف يصلّي بدموع لربّنا ويقول له النّاس الّذين يأتون ويقدّمون لي حاجة يمشون متضايقين لأنّي لا آخذ هذه الحاجة، والنّاس الّذين يأتون من أجل أن يطلبوا حاجة يمشون أيضًا متضايقين لأنّه ليس لديّ حاجة أعطيها لهم، هؤلاء يتضايقون وهؤلاء يتضايقون فماذا أعمل.

فبكلّ بساطة ونقاوة الّذي يقدّم لك حاجة وضعها في ركن والّذي يحتاج حاجة قُل له أن يأخذ ما يحتاجه من هنا والنّتيجة هي فرح الناس.

يوجد إنسان يعيش وكلّ فكره في الأرض والتّراب والامتلاك وحبّ القنية، وآخر متعلّم بالاكتفاء.

"أَعْرِفُ أَنْ أَتَّضِعَ وَأَعْرِفُ أَيْضًا أَنْ أَسْتَفْضِلَ. فِي كُلِّ شَيْءٍ وَفِي جَمِيعِ الأَشْيَاءِ قَدْ تَدَرَّبْتُ أَنْ أَشْبَعَ وَأَنْ أَجُوعَ، وَأَنْ أَسْتَفْضِلَ وَأَنْ أَنْقُصَ".

يعني في كلّ الأحوال أنا تدرّبت على ذلك أشبع وأجوع وأكون بنفس المشاعر والسّرّ هو وجود المسيح في قلب الإنسان هو الّذي يعطيه الشّبع في الحياة الرّوحيّة.

والتّدريبات في الحياة الرّوحيّة أحد الوسائط الرّوحيّة للإنسان كيف يمارسها ويكبر فيها.

"أَسْتَطِيعُ كُلَّ شَيْءٍ فِي الْمَسِيحِ الَّذِي يُقَوِّينِي".

يريد أن يقول أنّ القوّة من شخص المسيح نفسه، كأنّ المسيح يدخل داخل الإنسان ويقوّيه ويحرّكه.

"أمّا أنا ما أنا بل نعمة الله العاملة فيا"، أمام الله لا يوجد مستحيل، هو فعلاً تعلّم وتدرّب لكن الّذي يعطيه القوّة هو المسيح رمز قوّته وفرحته، مع الله لا توجد علامات استفهام وغير المستطاع عند النّاس مستطاع عند الله وقصص ومعجزات كثيرة والتّاريخ يشرح لنا أمورًا كثيرة ليس ممكنًا أن تتمّ لكن الله تمّمها وكمّلها.

"غَيْرَ أَنَّكُمْ فَعَلْتُمْ حَسَنًا إِذِ اشْتَرَكْتُمْ فِي ضِيقَتِي". ما أجمل الرّعيّة الّتي تشارك راعيها في الضّيقات.

"وَأَنْتُمْ أَيْضًا تَعْلَمُونَ أَيُّهَا الْفِيلِبِّيُّونَ أَنَّهُ فِي بَدَاءَةِ الإِنْجِيلِ،لَمَّا خَرَجْتُ مِنْ مَكِدُونِيَّةَ، لَمْ تُشَارِكْنِي كَنِيسَةٌ وَاحِدَةٌ فِي حِسَابِ الْعَطَاءِ وَالأَخْذِ إِلاَّ أَنْتُمْ وَحْدَكُمْ".

يتذكّر حملهم القويّ الجيّد الّذي قاموا به قبل ذلك ولمّا اشتركوا معه في خدمة الإنجيل، الخدمة لا تنجح إلّا بالرّاعي والرّعيّة وما أجمل الرّاعي المتّحد مع رعيّته والرّعيّة الّتي صارت إكليلاً للرّاعي والإثنين يعملان مع بعضهما في محبّة وتوافق وسلام.

"فَإِنَّكُمْ فِي تَسَالُونِيكِي أَيْضًا أَرْسَلْتُمْ إِلَيَّ مَرَّةً وَمَرَّتَيْنِ لِحَاجَتِي".

صورة لامعة عن خدمة الرّاعي لرعيّته وشكل الارتباط الوثيق الموجود ما بين الإثنين.

"لَيْسَ أَنِّي أَطْلُبُ الْعَطِيَّةَ، بَلْ أَطْلُبُ الثَّمَرَ الْمُتَكَاثِرَ لِحِسَابِكُمْ".

مرّة يكلّمهم أنّه يوجد زهور نبتت وهنا يكلّمهم عن الثّمر الّذي نتج منه وكأنّ الشّجر الّذي زرعه أهل فيلبّي نتج منه زهور وثمار.

أنتم تعيشون في محبّة كبيرة وبالتّالي نتج منها ثمر ليس شرط أن يكون عطيّة مادّيّة المهمّ أن يكون ثمر في خدمتكم إحساس بالمسؤوليّة ومحبّة رابطة بين الرّاعي والرّعيّة.

اليوم دور الرّاعي وغدًا دور الرّعيّة والإثنين يعملان مع بعضهما.

بولس الرّسول رسم لنا صورة ورديّة عن خدمة الرّاعي في وسط رعيّته وعندما يبعد عنهم مثل ظروف السّجن هنا كيف تكون هذه العلاقة والإحساس؟  

الخدمة الحقيقيّة هي خدمة أفعال ليست مجرّد كلام.

الزّهرة عندما تنبت في أيّ نبات لم يسمع لها صوت وعندما تنبت في أيّ شجرة لم يسمع لها صوت لذا فإنّ ثمر البرّ يزرع في سلام.

رعيّة مثل أهل فيلبي كانت حياتهم أفعال وليست أقوالاً، فاِحذروا لا تكون الرّعية في مكان يتكلّمون كثيرًا والكلام الكثير يضيّع كلّ ثمر عندهم.

الزّهور والثّمر نبتت في هدوء وصمت، وعندما نضيء شمعة في الكنيسة تظلّ منوّرة وتسكب دموعها في صمت ولم يسمع لها صوت.

الهدوء والسّلام هما اللّذان يجعلان وجودًا للثّمر، أمّا الضّوضاء والصّخب والكلام الكثير يضيّع كلّ ثمر.

إنتبهوا في كلّ رعيّة، في بعض الأماكن يخدم الأب الكاهن سنين طويلة ولمّا نختار شخصًا يكون كاهنًا لكي يساعد معه فنجد الصّخب الّذي لا ينتهي.

"وَلكِنِّي قَدِ اسْتَوْفَيْتُ كُلَّ شَيْءٍ وَاسْتَفْضَلْتُ. قَدِ امْتَلأْتُ إِذْ قَبِلْتُ مِنْ أَبَفْرُودِتُسَ الأَشْيَاءَ الَّتِي مِنْ عِنْدِكُمْ، نَسِيمَ رَائِحَةٍ طَيِّبَةٍ، ذَبِيحَةً مَقْبُولَةً مَرْضِيَّةً عِنْدَ اللهِ".

الّذي أنتم أرسلتوه أنا قابلته بمحبّة ويقول على العطيّة الّتي قدّموها "نَسِيمَ رَائِحَةٍ طَيِّبَةٍ" كأنّكم قدّمتم ذبيحة مقبولة عند الله، ثمرة محبّة وفضيلة تعيشونها لأنّ لها نسيم رائحة طيّبة، وأنّ التّقدمة بها صاروا شركاء في الخدمة وذبيحة مقبولة ومرضيّة عند الله، فهو قدّم لهم التّشجيع والمدح على المحبّة الّتي خلف العطيّة.

"فَيَمْلأُ إِلهِي كُلَّ احْتِيَاجِكُمْ بِحَسَبِ غِنَاهُ فِي الْمَجْدِ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ".

إلهي يسدّد كلّ احتياجي عندما أصلّي لكم إنّه يملأ كلّ احتياجاتكم بحسب غناه في المجد ويبارك حياتكم.

الدّروس الرّوحيّة في الرّسالة:

إنّه ربّنا يعتني بالإنسان عناية فائقة في كلّ الأحوال.

إنّ قوّة الله لا تفشل أبدًا وتبنى على المحبّة الّتي لا تسقط أبدًا وتصنع من الإنسان كلّ شيء يعجز الإنسان عن تصوّره أو يفكّر فيه.

عندما نزرع شجرة تبدأ تمدّ جذورها في الأرض باحثة عن المياه والأملاح المطلوبة من أجل نموّها، والبذور تلك مخفيّة ساق وأوراق والزّهور والثّمار وأهمّ جزء نحن لم نره وهو الجزء الخفيّ في حياة الإنسان إيمانه، فطالما إيمانك قويّ لا نراه لكنّنا نراه في الشّجرة وثمارها هنا قوّة الله يكون باستمرار ناجحًا وناميًا ومثمرًا ومزهرًا، والجذور تلك هي الإيمان القويّ ومنه نستمدّ كلّ شيء الطّاقة والمياه وكلّ عناصر الغذاء.

"لأنّ الشّجرة المغروسة الّتي تعطي ثمرها في حينه وورقها لا ينتثر أبدًا" طول السّنة خضراء.

وعود ربّنا دائمًا لنا صادقة في الاعتناء بنا، الإنجيل كلّه رسائل ووعود لنا فثق أنّها صادقة ولا تتغيّر.

"كلّ الأشياء تعمل معًا للخير للّذين يحبّون الله" كلّ الأشياء الحلوة والمرّة، القريبة والبعيدة الله يأخذ كلّ ذلك ويحوّله لخيرك.

بولس الرّسول يقدّمها وهو في السّجن ويخبر أنّنا كأهل الرّعيّة.

الأنبا إبرام أسقف الفيّوم له عبارة "لا حوزنا ولا عوزنا" لا حوزنا يعني الإنسان يحوز الشّيء، ولا عوزنا يعني الإنسان مكتف، عاش الإنسان هكذا ولا خزّن حاجة ولا أتى في يوم وقال ناقصه حاجات لأنّ الله قائم بسدّ كلّ احتياجاته.

وفي نهاية الرّسالة يبعث السّلام من السّجن لكلّ الّذين كانوا يزوروه إن كان تيموثاوس أو لوقا الطّبيب أو أبفرودتس.

السّجن موجود في روما وهي مسكن قيصر الإمبراطور، والجنود حرّاس السّجن لهم ورديّات وكلّ مجموعة تقابل بولس يعلّمهم حاجة عن المسيح وبعدها يكملون حراستهم في بيت قيصر ويبدّلون الورديّات، والنّتيجة إنّ الّذين كانوا جنودًا في بيت قيصر يتعرّفون على السّجين بولس الرّسول والمسيح.

وبذلك بيت قيصر أصبح فيه المؤمنين بإسم المسيح، لذلك وضعه الله لأجل خدمة أخرى وهي خدمة النّاس الموجودة في بيت قيصر.

وكأنّه وهو سجين فاقد حرّيّته نراه يقوم بكرازة في بيت قيصر "كلّ الأشياء تعمل معًا للخير للّذين يحبّون الله".

رسالة بولس الرّسول كثيفة من المعاني الرّوحيّة وشرحت لنا موضوعات لاهوتيّة وعقائديّة ورعويّة وتقدّم لنا صورة جميلة بين الرّاعي والرّعيّة.

يعطينا المسيح دائمًا أن نعيش في هذا الفرح الثّمين في حياتنا وفي كلّ يوم.

لإلهنا كلّ مجد وكرامة من الآن وإلى الآبد آمين".