مصر
18 آذار 2021, 08:50

تواضروس الثّاني: عش في الصّلاة ومارس الصّوم لتنال قوّة أمام عدوّ الخير

تيلي لوميار/ نورسات
توقّف بابا الإسكندريّة وبطريرك الكرازة المرقسيّة تواضروس الثّاني، في عظة اجتماع الأربعاء الّذي عقده في المقرّ البابويّ- القاهرة، عند محتوى سفر حبقوق وأحداث التّجربة على الجبل، مستهلّاً بذلك عظاته خلال زمن الصّوم، رابطًا بين قراءات العهد القديم بخاصّة أسفار الأنبياء، بآحاد الصّوم المقدّس.

وفي هذا السّياق، بدأ البابا كلامه بمقدّمة مبسّطة قال فيها بحسب "المتحدّث بإسم الكنيسة القبطيّة الأرثوذكسيّة": "في تاريخ الأمّة اليهوديّة توجد مرحلة نسمّيها مرحلة "المملكة المتّحدة" وكانت الأسباط الإثنا عشر متّحدين معًا، وبدأت بشاول الملك ثمّ داود الملك ثمّ سليمان الملك وظلّ كلّ منهم 40 سنة في الملك، استمرّت المملكة المتّحدة 120 سنة، وبعد نهاية حكم سليمان وتملّك أولاده انقسمت المملكة قسمين، قسم شمالي يسمّى مملكة إسرائيل وقسم جنوبيّ يسمّى مملكة يهوذا، وانقسم الـ12 سبط إلى 10 في الشّمال مملكة إسرائيل و2 في الجنوب مملكة يهوذا، وكلّ تاريخ وبدأ تاريخ المملكتين يسير بتعاقب الملوك والأنبياء، مملكة إسرائيل كان كلّ ملوكها أشرار، ومملكة يهوذا بعض ملوكها كانوا صالحين وبعضهم أشرار، وفي الفترة الزّمنيّة الطّويلة بدأ ظهور عصر الأنبياء سواء الكبار مثل إشعياء وحزقيال وإرميا والأنبياء الصّغار ولهم 12 سفر ودعيوا صغارًا لأنّ حجم الأسفار صغيرة.

حبقوق: كان واحد من اللّاويّين وكان ينتمي لفريق التّسبيح في الهيكل ولذلك السّفر ممتلئ بالتّسابيح، معنى كلمة حبقوق (يحتضن) أشهر آية كتبها حبقوق في العهد القديم "أَمَّا الْبَارُّ فَبِالإِيمَانِ يَحْيَا" وأخذها القدّيس بولس واستعان بها في كتاباته مثل في رسالة رومية "لأَنْ فِيهِ مُعْلَنٌ بِرُّ اللهِ بِإِيمَانٍ، لإِيمَانٍ، كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: "أَمَّا الْبَارُّ فَبِالإِيمَانِ يَحْيَا"." وفي رسالة عبرانيّين اقتبس هذه الكلمات "أَمَّا الْبَارُّ فَبِالإِيمَانِ يَحْيَا، وَإِنِ ارْتَدَّ لاَ تُسَرَّ بِهِ نَفْسِي"." وفي غلاطية "وَلكِنْ أَنْ لَيْسَ أَحَدٌ يَتَبَرَّرُ بِالنَّامُوسِ عِنْدَ اللهِ فَظَاهِرٌ، لأَنَّ "الْبَارَّ بِالإِيمَانِ يَحْيَا"." وهذا يُظهر مدى الارتباط بين العهدين وأنّ العهد الجديد اقتبس آيات كثيرة من العهد القديم وهذا يُظهر أنّ أحداث العهد الجديد امتداد للعهد القديم، حبقوق كان يتنبّأء في آخر سنوات المملكة الجنوبيّة، وبدأ في السّفر يتكلّم من خلال حوارات قصيرة مع الله، وقدّم خمسة مراسيات عن شعب الله البعيد والّذي يعيش في الخطيئة، وفي نهاية الأصحاح الثّالث يقدّم صلاة قصيرة ولكنّها قويّة جدًّا ويتكلّم في هذه الصّلاة أنّه برغم وجود الضّيق سوف يحدث ابتهاج وفرح، ويحاول أن يجاوب عن سؤال هل الله سوف يترك الشّرّ يلتهم حياة الأبرار؟، وكان يعزف على الشّجويّة وهي آلة موسيقيّة ذات أوتار ونغمها حزين ويطلب من الله أن يأتي ويتقدّم وينصر الأبرار ويقول "جَلاَلُهُ غَطَّى السَّمَاوَاتِ، وَالأَرْضُ امْتَلأَتْ مِنْ تَسْبِيحِهِ. وَكَانَ لَمَعَانٌ كَالنُّورِ. لَهُ مِنْ يَدِهِ شُعَاعٌ، وَهُنَاكَ اسْتِتَارُ قُدْرَتِهِ. قُدَّامَهُ ذَهَبَ الْوَبَأُ، وَعِنْدَ رِجْلَيْهِ خَرَجَتِ الْحُمَّى." وهذا الآية نستعين بها كثيرًا في أحداث انتشار الوباء (فيروس كورونا) وكلّنا ثقة أنّ الوباء يمضي، وفي نهاية السّفر يقول فَإِنِّي أَبْتَهِجُ بِالرَّبِّ وَأَفْرَحُ بِإِلهِ خَلاَصِي". اَلرَّبُّ السَّيِّدُ قُوَّتِي، وَيَجْعَلُ قَدَمَيَّ كَالأَيَائِلِ، وَيُمَشِّينِي عَلَى مُرْتَفَعَاتِي" وهذه نظرة عامّة على سفر حبقوق وأحبّ أن تقرأه وتدرسه وتأخذ المعاني الرّوحيّة الّتي يمكن أن تستفيد بها في فترة الصّوم.

أريد أن أربط السّفر بأحداثه مع حدّ التّجربة في خمسة مراحل:

1. قبل التّجربة على الجبل

"ثُمَّ أُصْعِدَ يَسُوعُ إِلَى الْبَرِّيَّةِ مِنَ الرُّوحِ لِيُجَرَّبَ مِنْ إِبْلِيس" وفي سفر حبقوق "لأَنَّ الشِّرِّيرَ يُحِيطُ بِالصِّدِّيقِ" السّيّد المسيح تعرّض للتّجربة ليعلّمنا فنّ مواجهة عدوّ الخير ويعلّمنا الطّريقة كيف نواجة حروب عدوّ الخير المستمرّة؟ ولكن برغم أنّ الشّرّير يحيط بالصّدّيق لكن لا يقدر أن يغلبه "علّمنا أنّ الصّوم والصّلاة هما اللّذان يخرجان الشّياطين" من قسمة القدّاس في الصّوم الكبير وتتحدّث أنّ جنس الشّرّ لا يخرج إلّا بالصّلاة والصّوم، التّجارب موجودة ولا تنتهي ونهزمها بالنّاموس والوصايا والصّوم والصّلاة فيجب أن نزيد في فترات الصّوم من قراءة الكتاب المقدّس ومن الصّلاة، فينحصر الإنسان وينال جرعات قويّة ليقف أمام عدوّ الخير ويتعلّم كيف يهزم الشّيطان ولا يخاف.  

2. التّجربة الأولى:

"فَبَعْدَ مَا صَامَ أَرْبَعِينَ نَهَارًا وَأَرْبَعِينَ لَيْلَةً، جَاعَ أَخِيرًا. فَتَقَدَّمَ إِلَيْهِ الْمُجَرِّبُ وَقَالَ لَهُ: "إِنْ كُنْتَ ابْنَ اللهِ فَقُلْ أَنْ تَصِيرَ هذِهِ الْحِجَارَةُ خُبْزًا". فَأَجَابَ وَقَالَ: "مَكْتُوبٌ: لَيْسَ بِالْخُبْزِ وَحْدَهُ يَحْيَا الإِنْسَانُ، بَلْ بِكُلِّ كَلِمَةٍ تَخْرُجُ مِنْ فَمِ اللهِ" وهنا يسلّمنا وسيلة الغلبة لأنّ السّيّد المسيح انتصر لحسابنا ونأخذ من هذه النّصرة وننتصر على عدوّ الخير، (المسيح وضع لنا رصيد النّصرة وفي كلّ حرب من عدوّ الخير نأخذ منها للنتصر)، يقابلها في سفر حبقوق " فَمَعَ أَنَّهُ لاَ يُزْهِرُ التِّينُ، وَلاَ يَكُونُ حَمْلٌ فِي الْكُرُومِ. يَكْذِبُ عَمَلُ الزَّيْتُونَةِ، وَالْحُقُولُ لاَ تَصْنَعُ طَعَامًا. يَنْقَطِعُ الْغَنَمُ مِنَ الْحَظِيرَةِ، وَلاَ بَقَرَ فِي الْمَذَاوِدِ، فَإِنِّي أَبْتَهِجُ بِالرَّبِّ وَأَفْرَحُ بِإِلهِ خَلاَصِي" وبرغم من كلّ الحروب ورغم هذه الصّورة الصّعبة ولكنّي ابتهج بإله خلاصي، كفايتك هي من الله وأحد أسباب الصّوم أن نسبت أنّ حياتنا ليست من الطّعام ولكن كفايتي من عند الله، والّذي يصوم صومًا حقيقيًّا يشعر باستغنائه عن الطّعام ويبتهج بالرّبّ إلهه، في العمل الرّوحيّ شبع "طُوبَى لِلْجِيَاعِ وَالْعِطَاشِ إِلَى الْبِرِّ، لأَنَّهُمْ يُشْبَعُونَ".

3. التّجربة الثّانية

في التّجربة الثّانية. "ثُمَّ أَخَذَهُ إِبْلِيسُ إِلَى الْمَدِينَةِ الْمُقَدَّسَةِ، وَأَوْقَفَهُ عَلَى جَنَاحِ الْهَيْكَلِ، وَقَالَ لَهُ: "إِنْ كُنْتَ ابْنَ اللهِ فَاطْرَحْ نَفْسَكَ إِلَى أَسْفَلُ، لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: أَنَّهُ يُوصِي مَلاَئِكَتَهُ بِكَ، فَعَلَى أيَادِيهِمْ يَحْمِلُونَكَ لِكَيْ لاَ تَصْدِمَ بِحَجَرٍ رِجْلَكَ". قَالَ لَهُ يَسُوعُ: "مَكْتُوبٌ أَيْضًا: لاَ تُجَرِّب الرَّبَّ إِلهَكَ" الله يعطينا العقل لأنّ من يقتل نفسه يكسر قانون من قوانين الحياة، في سفر حبقوق "لأَنَّ الرُّؤْيَا بَعْدُ إِلَى الْمِيعَادِ، وَفِي النِّهَايَةِ تَتَكَلَّمُ وَلاَ تَكْذِبُ. إِنْ تَوَانَتْ فَانْتَظِرْهَا لأَنَّهَا سَتَأْتِي إِتْيَانًا وَلاَ تَتَأَخَّرُ. "هُوَذَا مُنْتَفِخَةٌ غَيْرُ مُسْتَقِيمَةٍ نَفْسُهُ فِيهِ. وَالْبَارُّ بِإِيمَانِهِ يَحْيَا." الإنسان الشّرّير له النّفس المنتفخة ولا يرى غير نفسه ويشعر بالعظمة والكتاب يحذّرنا "قَبْلَ الْكَسْرِ الْكِبْرِيَاءُ، وَقَبْلَ السُّقُوطِ تَشَامُخُ الرُّوحِ" وهنا حرب الخداع،" أَنَّهُ يُوصِي مَلاَئِكَتَهُ بِكَ، ولكن في المزمور يحفظوك في طرقك المستقيمة وإذا قمت بفعل مزيّف لن تنقذك الملائكة، عدوّ الخير يحاول أن يزيّف كلمة الله ولذلك تعلّمنا كنيستنا أن نقرأ الكتاب المقدّس كثيرًا لنحفظ الوصيّة "فِي نَامُوسِهِ يَلْهَجُ نَهَارًا وَلَيْلًا" فلا يخدعك عدوّ الخير، الإيمان بكلمة الله الحيّة هي سبب النّصرة ويقول القدّيس يوحنّا ذهبيّ الفمّ "إنّ سبب كلّ الشّرور هو عدم معرفة الكتب المقدّسة، لذك يجب أن نحفظ كلمة الله ونؤمن بها وهذا هدف من أهداف الصّوم لننتصر، لا تستهين بكلمة الله، فكلمة الله مكتوبة من أجل خلاصنا وهي السّلاح الأوّل والأقوى الّذي نستخدمها أمام عدوّ الخير... إنتبه.

4. التّجربة الثّالثة

"ثُمَّ أَخَذَهُ أَيْضًا إِبْلِيسُ إِلَى جَبَل عَال جِدًّا، وَأَرَاهُ جَمِيعَ مَمَالِكِ الْعَالَمِ وَمَجْدَهَا، وَقَالَ لَهُ: "أُعْطِيكَ هذِهِ جَمِيعَهَا إِنْ خَرَرْتَ وَسَجَدْتَ لِي. حِينَئِذٍ قَالَ لَهُ يَسُوعُ: "اذْهَبْ يَا شَيْطَانُ! لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: لِلرَّبِّ إِلهِكَ تَسْجُدُ وَإِيَّاهُ وَحْدَهُ تَعْبُدُ" يحاول أن يوقعه في خطئية الإغراء وحبّ الاقتناء، ولكن الوصيّة واضحة، في حبقوق يقول "الرَّجُلَ مُتَكَبِّرٌ وَلاَ يَهْدَأُ. الَّذِي قَدْ وَسَّعَ نَفْسَهُ كَالْهَاوِيَةِ، وَهُوَ كَالْمَوْتِ فَلاَ يَشْبَعُ، بَلْ يَجْمَعُ إِلَى نَفْسِهِ كُلَّ الأُمَمِ، وَيَضُمُّ إِلَى نَفْسِهِ جَمِيعَ الشُّعُوبِ... أَمَّا الرَّبُّ فَفِي هَيْكَلِ قُدْسِهِ. فَاسْكُتِي قُدَّامَهُ يَا كُلَّ الأَرْضِ" لا يوجد إغراء على الأرض يجعلك تترك السّيّد المسيح وتعبد إلهًا آخر، وفي هذه التّجربة يظهر كبرياء الشّيطان وأنّه يملك كلّ شيء وبهذا يغري الإنسان... إحترس من أيّ إغراء يقدّمه لك الشّيطان لأنّ المقابل أن تترك إلهك... إحترس من خطيئة الطّمع، ولكن كلّ الأرض لا تساوي شيئًا أمام وجود المسيح في قلبك وأمانتك وعبادتك وسجودك للمسيح الحيّ.

5. بعد التّجربة

في الإنجيل "ثُمَّ تَرَكَهُ إِبْلِيسُ، وَإِذَا مَلاَئِكَةٌ قَدْ جَاءَتْ فَصَارَتْ تَخْدِمُهُ" في حبقوق "خَرَجْتَ لِخَلاَصِ شَعْبِكَ، لِخَلاَصِ مَسِيحِكَ. سَحَقْتَ رَأْسَ بَيْتِ الشِّرِّيرِ مُعَرِّيًا الأَسَاسَ حَتَّى الْعُنُقِ" السّيّد المسيح سحق عدوّ الخير بالكامل وفضح الشّيطان وكشف أفكاره الخبيثة وسحق هذه الرّأس "وَأَضَعُ عَدَاوَةً بَيْنَكِ وَبَيْنَ الْمَرْأَةِ، وَبَيْنَ نَسْلِكِ وَنَسْلِهَا. هُوَ يَسْحَقُ رَأْسَكِ، وَأَنْتِ تَسْحَقِّينَ عَقِبَهُ."

سفر حبقوق من الأسفار الجميلة وهو بداية جيّدة لنا، وأريد أن نأخذ تدريب هذا الأسبوع أن نقرأ السّفر ونتأمّل في الآيات ونضع أمامنا آية "الْبَارُّ فَبِالإِيمَانِ يَحْيَا" وصلوات قسمة الصّوم الكبير، إعرف الوصيّة وعش في الصّلاة ومارس الصّوم لتنال قوّة أمام عدوّ الخير وتغلب في الحرب، وعدوّ الخير يحاربنا من خلال فكر اليأس أو الشّكّ ولكن إعرف أنّ الوصيّة ترشدك وتثبّتك وتعرّفك على الطّريق، ويكون طريقك مستقيمًا وكلّما تقترب من الإنجيل تستطيع أن تكشف أفكار عدوّ الخير لأنّ أفكاره هي فخاخ منصوبة أمامك لكي ما تسقطك، يعطينا مسيحنا الصّالح أن تكون حياتنا صالحة ونقيّة ونهزم عدوّ الخير. لإلهنا كلّ مجد وكرامة من الآن وإلى الأبد آمين."