مصر
12 آب 2021, 10:20

تواضروس الثّاني: كيف نعثر على الفرح وكيف نعيشه؟

تيلي لوميار/ نورسات
واصل بابا الإسكندريّة وبطريرك الكرازة المرقسيّة تواضروس الثّاني سلسلة تعاليمه حول "رسالة فرح" من خلال رسالة فيلبّي، فتوقّف للأسبوع الثّامن على التّوالي عند الجزء الأوّل من الأصحاح الرّابع من رسالة بولس الرّسول، مقدّمًا السّبيل إلى الفرح وكيفيّة عيشه، فقال بحسب "المتحدّث بإسم الكنيسة القبطيّة الأرثوذكسيّة":

"كما تكلّمنا في الأسابيع الماضية، إنّ القديس بولس في سجن رومية ومن العجب أنّه يكتب عن الفرح، ويتحدّث عن الفرح وهو في السّجن!! وهو يبعث بهذه الرّسالة القصيرة الّتي يرسلها إلى أهل فيلبي، والمناسبة العامّة أنّ أهل فيلبّي القرية المحدودة قاموا بتجميع عطايا مادّيّة وأعطوها للخادم أَبَفْرُودِتُس ليقوم بتوصلها للقدّيس بولس في سجن رومية لأنّ القدّيس لا يعمل وله احتياجات، وبولس الرّسول لم يتكلّم عن هذه العطيّة إلّا في نهاية الرّسالة، ولكنّه تكلّم في معانٍ كثيرة جدًّا وكان من ضمن المعاني الّتي تكلّم عنها في بداية الرّسالة اثنين من الخدّام الأمناء الّذين خدموا معه هم تيموثاوس وأَبَفْرُودِتُس وتكلّم عن مشكلة الأختين المختلفتين في الخدمة في نهاية الرّسالة، أنّه قام بعرض النّموذج الإيجابيّ أوّلًا.  

وهو في السّجن يعبّر تعبيرًا إنسانيًّا ووجدانيًّا راقيًا وعميقًا على من هم أهل فيلبي بالنّسبة له ويقول عنهم: "إِذًا يَا إِخْوَتِي الأَحِبَّاءَ وَالْمُشْتَاقَ إِلَيْهِمْ، يَا سُرُورِي وَإِكْلِيلِي" ونتوقّف عند هذه الكلمات لأنّها كلمات فرح وإنّه يفرح كلّما تذكّرهم ويرفعهم فوق رأسه ويقول "يَا سُرُورِي وَإِكْلِيلِي" إنّكم الأكليل الّذي سوف أدخل به السّماء، وهنا يقدّم لنا بولس الرّسول صورة عن علاقة الخادم بخدمته وكيف أنّ خدمته هى أكليله الّذي سوف يوصله للسّماء.

الجزء الأوّل في الأصحاح الرّابع: يتحدّث عن أمور هامّة عن كيف نعثر على الفرح وكيف نعيشه؟

1- الثّبات في الرّبّ:

"أثْبُتُوا هكَذَا فِي الرَّبِّ أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ" أوّل مصدر من مصادر الفرح (فنّ الفرح) هو الثّبات في الرّبّ وفي الإيمان، القدّيس بولس الرّسول في رسالة كورنثوس الأولى يقول "اثْبُتُوا فِي الإِيمَانِ" (1 كو 16: 13). والثّبات يرتبط في ذهننا بالجبل، والقدّيسين كلّهم نماذج للثّبات في الرّبّ. ونلاحظ أنّه يقول لهم أنتم ثمار خدمتي، فلذلك من طبيعة الخدمة نعرف عمل الخادم في خدمته، إذا كان الخادم أمينًا فنرى مخدميه حياتهم أمينة في الرّبّ (سلوكهم– كلامهم– تصرّفاتهم...) من خلال ما نراه في المخدمين نحكم على الخادم، وإذا كان الخادم غير أمين في خدمته ويخدم ذاته ولا يخدم المسيح نرى العجب من مخدميه، وهذا ترمومتر مهمّ جدًّا في رؤية المخدمين وأنّهم يظهروا ما يصنعه الخادم الّذي قام بخدمتهم.

2- فكر الاتّفاق:

هناك أختان مختلفتان في الخدمة هم أَفُودِيَةَ وسِنْتِيخِي فقال لهما بولس الرّسول "وَأَطْلُبُ أَنْ تَفْتَكِرَا فِكْرًا وَاحِدًا فِي الرَّبِّ" وأن يكون عملكما واحدًا ويكون هناك اتّفاقًا، وهذا هو المصدر الثّاني للفرح وهو فكر الاتّفاق، وكما يقول في سفر المزامير: أخوة ساكنين معًا بفكر واحد مثل أوتار القيثارة كلّ نغمة تكون مختلفة ولكن مع بعض يكون هناك تناغم.

المصدر الثّاني للفرح في المجتمع يكون مصدره التّوافق بين النّاس، لأنّ أخطر خطيئة أمام الله هي خطيئة الانقسام، بولس الرّسول يقول "هل انقسم المسيح؟! هناك من يقولون أنا لبولس وأنا لأبولس"وهذا الشّكل غير مقبول، فيقول لهم لتعيشوا في الفرح وتتمتّعوا... أفْتَكِرَا فِكْرًا وَاحِدًا فِي الرَّبِّ، ويطلب من تلميذه "أَسْأَلُكَ أَنْتَ أَيْضًا، يَا شَرِيكِي الْمُخْلِصَ، سَاعِدْ هَاتَيْنِ اللَّتَيْنِ جَاهَدَتَا مَعِي فِي الإِنْجِيلِ" حتّى لا يضيع منهما إحساس الفرح، ويكمل ويقول "أفْرَحُوا فِي الرَّبِّ كُلَّ حِينٍ، وَأَقُولُ أَيْضًا: افْرَحُوا" وهى الآية المركزيّة، فيجب أن يكون الفرح مستمرّ، ولاحظ أنّ بولس الرّسول يتحدّث عن الفرح وهو بداخل السّجن، ولاحظ أنّ القلق هو لصّ الفرح، الإنسان المهموم لا يجد الفرح، الفرح فقط في الرّبّ. وكثيرًا ما حدّثنا الكتاب المقدّس عن (كلّ حين) (صلّوا، افرحوا، اشكروا كلّ حين) والثّلاثة مرتبطين لأنّك عندما تصلّي كلّ حين تفرح وتشكر كلّ حين، وهذا ما تفعله الكنيسة في كلّ صلاة تبدأ بالشّكر ثمّ ألحان الفرح فنأخذ شحنة من الفرح، "افْرَحُوا فِي الرَّبِّ كُلَّ حِينٍ، وَأَقُولُ أَيْضًا: "افْرَحُوا" لذلك نسمّي هذه الرّسالة (رسالة الفرح) ويضعه بولس الرّسول أمامنا كمبدأ للفرح.

فنّ الفرح= اثبت في المسيح + عيش بفكر واحد + افرح باستمرار – ابتعد عن الانقساميّة الّتي تضيّع منك الفرح.

سرّ الفرح الحقيقيّ: يجب أن تعيش في هذه الخطوات لتصل لسرّ الفرح.

ع 1 أن لا يكون الإنسان مرتبك بشيء: "لِيَكُنْ حِلْمُكُمْ مَعْرُوفًا عِنْدَ جَمِيعِ النَّاسِ. اَلرَّبُّ قَرِيبٌ. لاَ تَهْتَمُّوا بِشَيْءٍ" هناك إنسان مشتّت ويعطي فرصة لعدوّ الخير، وهناك إنسان ثابت، أوّل خطوة لسرّ الفرح أن يكون لديك الطّبع الهادئ وتبتعد عن التّوتر والغضب، ونلاحظ أنّ السّماء تمتاز بالحياة الهادئة، جاهد من أجل الطّبع الهادئ لأنّ الرّبّ قريب، واجه الله بهدوئك وحلمك، كن دائمًا ناظرًا للسّماء، وضع كلّ هذا تحت عنوان "التّفكير الصّحيح" الابن الضّالّ فكّر غلط ولكنّه عاد، الابن الكبير فكّر غلط ولكن لا نعلم عاد أم لا، استعن بالمرشدين والكتاب المقدّس والصّلاة لتأخذ القرار بطريقة سليمة، لا تأخذ قرارًا في وقت غضب وبدون دراسة ومشورة وبعد صلوات كثيرة.

ع 2 "بَلْ فِي كُلِّ شَيْءٍ بِالصَّلاَةِ وَالدُّعَاءِ مَعَ الشُّكْرِ، لِتُعْلَمْ طِلْبَاتُكُمْ لَدَى اللهِ." من أجمل التّداريب الرّوحيّة لنمتلك روح الفرح (كلّ موقف تقابله حوله إلى صلاة "وَتَلَذَّذْ بِالرَّبِّ فَيُعْطِيَكَ سُؤْلَ قَلْبِكَ." (مز 37 : 4). حوّل كلّ شيء إلى صلاة وهذا هو الاتّجاه السّليم للإنسان، الإنسان خليقة يد الله لا يملك إلّا أن يتّصل بمن خلقه بالصّلاة ومن هنا جاءت وصيّة الصّلاة الدّائمة، ولدينا في الكنيسة صلوات من كلمة واحدة: كيرياليسون، ولدينا صلوات جملة واحدة: يا ربّ يسوع المسيح ارحمني أنا الخاطئ ونسمّيها الصّلاة السّهميّة (صلاة يسوع) ويقولها الإنسان في أيّ وقت، ونصلّي صلوات الأجبية والمزامير أو الألحان والمدايح أو القدّاسات والمناسبات، "بَلْ فِي كُلِّ شَيْءٍ بِالصَّلاَةِ وَالدُّعَاءِ مَعَ الشُّكْرِ، لِتُعْلَمْ طِلْبَاتُكُمْ لَدَى اللهِ." بولس الرّسول يضع يدنا على سرّ الفرح وهو الصّلاة الدّائمة والتّواصل الدّائم والمستمرّ مع الله.

ع 3 "وَسَلاَمُ اللهِ الَّذِي يَفُوقُ كُلَّ عَقْل، يَحْفَظُ قُلُوبَكُمْ وَأَفْكَارَكُمْ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ" من أجمل آيات الرّسالة، وتظهر لنا كيف يجذب الإنسان سلام الله إلى قلبه؟ من خلال الصّلاة والدّعاء والشّكر تجذب السّلام "وَسَلاَمُ اللهِ الَّذِي يَفُوقُ كُلَّ عَقْل" لا أحد يعطيك هذا السّلام الكامل إلّا ملك السّلام، ولذلك في صلواتنا نقول "يا ملك السّلام أعطنا سلامك قرّر لنا سلامك وأغفر لنا خطايانا" مواقف الصّلاة هي الّتي تجذب لك هذا السّلام ونقول له ثبّت لنا سلامك ويكون مستمرًّا ولأنّ الخطيئة تضيّع السّلام نقول له واغفر لنا خطايانا وهذا ربط في اللّحن وأنت تصلّي تقدّم توبة من أجل نقاء القلب، لاحظ أنّ هذه الآية "وَسَلاَمُ اللهِ الَّذِي يَفُوقُ كُلَّ عَقْل" أنا لا أستطيع أن أشرح السّلام ولكن نحياه ونشعر به ويكون كجوهرة ثمينة في قلوبنا، وقيمة السّلام أنّه "يَحْفَظُ قُلُوبَكُمْ وَأَفْكَارَكُمْ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ" أتعاب الإنسان تجعله يفقد السّلام "طُوبَى لِصَانِعِي السَّلاَمِ، لأَنَّهُمْ أَبْنَاءَ اللهِ يُدْعَوْنَ." (مت 5: 9). كلّما صنعت سلامًا صرت ابنًا لله، وإذا كنت ترسل رسائل اجعل هذه الآية في البداية والختام، ولذلك عندما نقابل القدّيسين نجدهم هادئين ولديهم سلام الله، وكما في قصّة دانيال "أَمَّا دَانِيآلُ فَجَعَلَ فِي قَلْبِهِ أَنَّهُ لاَ يَتَنَجَّسُ بِأَطَايِبِ الْمَلِكِ وَلاَ بِخَمْرِ مَشْرُوبِهِ، " (دا 1) وتكون النّتيجة أنّه صار قويًّا، وعندما كان يصلّي ووشوا به عند الملك لم يتأثّر وكان يصلّي وهو في الجبّ، مهمّ جدًّا أن تختبر هذا السّلام والسّلام مرتبط بالفرح.

الخلاصة: أنّ القدّيس بولس الرّسول يقدّم لنا فنّ الفرح لنمتلكه، بالثّبات في الرّبّ والبعد عن الانقسام وعدم الارتباك بشيء وتحويل كلّ شيء إلى صلاة وأن يكون شكرك دائمًا، هو قدّم لنا الفرح الحقيقيّ الّذي يعيش به الإنسان في حياته اليوميّة، ويختم بولس الرّسول " أَخِيرًا أَيُّهَا الإِخْوَةُ كُلُّ مَا هُوَ حَقٌ، كُلُّ مَا هُوَ جَلِيلٌ، كُلُّ مَا هُوَ عَادِلٌ، كُلُّ مَا هُوَ طَاهِرٌ، كُلُّ مَا هُوَ مُسِرٌّ، كُلُّ مَا صِيتُهُ حَسَنٌ، إِنْ كَانَتْ فَضِيلَةٌ وَإِنْ كَانَ مَدْحٌ، فَفِي هذِهِ افْتَكِرُوا. وَمَا تَعَلَّمْتُمُوهُ، وَتَسَلَّمْتُمُوهُ، وَسَمِعْتُمُوهُ، وَرَأَيْتُمُوهُ فِيَّ، فَهذَا افْعَلُوا،" يقدّم لنا أهمّ أعمده للسّلوك المسيحيّ (أعمدة الفكر للسّلوك المسيحيّ) مثل مزمور 19: "نَامُوسُ الرَّبِّ كَامِلٌ يَرُدُّ النَّفْسَ. شَهَادَاتُ الرَّبِّ صَادِقَةٌ تُصَيِّرُ الْجَاهِلَ حَكِيمًا. وَصَايَا الرَّبِّ مُسْتَقِيمَةٌ تُفَرِّحُ الْقَلْبَ. أَمْرُ الرَّبِّ طَاهِرٌ يُنِيرُ الْعَيْنَيْنِ. خَوْفُ الرَّبِّ نَقِيٌّ ثَابِتٌ إِلَى الأَبَدِ. أَحْكَامُ الرَّبِّ حَقٌّ عَادِلَةٌ كُلُّهَا. أَشْهَى مِنَ الذَّهَبِ وَالإِبْرِيزِ الْكَثِيرِ، وَأَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ وَقَطْرِ الشِّهَادِ." ونرى أعمدة الفكر الّتي يقولها لنا بولس الرّسول:

1. كُلُّ مَا هُوَ حَقٌ: تمسّك بالحقّ في يومك.

2. كُلُّ مَا هُوَ جَلِيل: اجعل سلوكك فيه وقار وحضورك يكون حضور إنسان فاضل في كلّ شيء.

3. كُلُّ مَا هُوَ عَادِلٌ: ابتعد عن الظّلم واسلك باستقامة.

4. كُلُّ مَا هُوَ طَاهِرٌ: تكون إنسانًا نقيًّا في فكرك وعينك وقلبك وقولك وعملك.

5. كُلُّ مَا هُوَ مُسِرٌّ: تصنع كلّ شيء يفرح قلب الله والنّاس وتكون إنسانًا مبهجًا.

6. كُلُّ مَا صِيتُهُ حَسَنٌ، إِنْ كَانَتْ فَضِيلَةٌ وَإِنْ كَانَ مَدْحٌ: السّيرة الطّيّبة العطرة وتجتهد أن تكتسب الفضيلة، وتشجّع الآخرين. ونحن ننتظر نتائج الثّانوية العامّة تعلم أن تمدح وتشجّع مهما كان المجموع. في حياتنا هناك مساحات من المدح والتّشجيع الّذي يُخرج الطّاقة من الإنسان.

الختام: "وَمَا تَعَلَّمْتُمُوهُ، وَتَسَلَّمْتُمُوهُ، وَسَمِعْتُمُوهُ، وَرَأَيْتُمُوهُ فِيَّ، فَهذَا افْعَلُوا، وَإِلهُ السَّلاَمِ يَكُونُ مَعَكُمْ".

بولس الرّسول يعلّم أهل فيلبي ويقول لهم "وَمَا تَعَلَّمْتُمُوهُ، وَتَسَلَّمْتُمُوهُ، وَسَمِعْتُمُوهُ، وَرَأَيْتُمُوهُ فِيَّ، فَهذَا افْعَلُوا" وهذا هو ما نسمّيه "التّقليد المقدّس" الّذي نعيشه وهو ما تسلّمناه من جيل إلى جيل، لا توجد آية في الإنجيل تعلّمنا رشم الصّليب ولكن تعلّمناه من خلال التّقليد، التّقليد مقدّس بكلّ ما فيه وكلّ ما استلمناه من الآباء من جيل إلى جيل، بولس الرّسول في هذا الجزء يقدّم لنا الفرح والتّقليد هو للفرح، الخلاصة "اِفْرَحُوا فِي الرَّبِّ كُلَّ حِينٍ، وَأَقُولُ أَيْضًا: افْرَحُوا" يعطينا مسيحنا أن يكون الفرح في حياتنا على الدّوام لإلهنا كلّ مجد وكرامة من الآن وإلى الأبد آمين."