الفاتيكان
08 نيسان 2021, 06:30

توركسون في اليوم العالميّ للصّحّة: لـ"بناء عالم أكثر عدالة وصحّة للجميع"

تيلي لوميار/ نورسات
أصدر عميد الدّائرة الفاتيكانيّة المعنيّة بالتّنمية البشريّة المتكاملة الكاردينال بيتر توركسون، رسالة خاصّة باليوم العالميّ للصّحّة تحت عنوان "بناء عالم أكثر عدالةً وصحّة للجميع"، كتب فيها نقلاً عن "فاتيكان نيوز":

"يُحتفل في السّابع من نيسان أبريل كلّ عام باليوم العالميّ للصّحّة، الّذي أنشأته جمعيّة الصّحّة الأولى في عام 1948، بهدف رفع مستوى الوعي حول قضيّة صحّيّة محدّدة وتسليط الضّوء على القضايا ذات الأهمّيّة القصوى والأولويّة في عالم الصّحّة. ويسلّط موضوع هذا العام الضّوء على الضّرورة الملحّة للعمل على القضاء على عدم المساواة في الوصول إلى الصّحّة، من أجل "بناء عالم أكثر عدالةً وصحّة للجميع".

إنَّ عام 2020 سيُذكر باعتباره عامًا فاصلاً بين ما قبله وبعده. لقد أثّر الوباء بشكل عميق على حياتنا ومجتمعنا؛ فقد أدّى إلى تفاقم المشاكل الاجتماعيّة القديمة، ولاسيّما عدم المساواة، مثل تلك المتعلّقة بالحصول على الأدوية والعلاجات. لقد كان تأثير الوباء أقوى على الجماعات الأكثر ضعفًا، والأكثر عرضةً للمرض، مع فرص أقلّ للحصول على خدمات صحّيّة جيّدة. نحن نعيش في أزمة، لكن كما يُذكِّر البابا فرنسيس، من الأزمة نحن لا نخرج أبدًا كما كنّا سابقًا، أمّا نخرج بشكل أفضل أو نخرج بشكل أسوأ. وإليكم الدّعوة لهذا اليوم العالميّ للصّحّة، "بناء عالم أكثر عدالةً وصحّة للجميع". لقد ذكَّرنا هذا العام الصّعب أيضًا بأهمّيّة التّضامن البشريّ والوعي بأنّه لا أحدَ يخلُص بمفرده. في هذا الصّدد، يدعونا البابا إلى إحياء قيم الأخوّة والعدالة والإنصاف والتّضامن والإدماج ووضعها في محور أعمالنا لكي لا نسمح للقوميّات المنغلقة أو قوانين السّوق بأن تمنعنا من العيش كعائلة بشريّة حقيقيّة.

لقد أدّى الوباء إلى تفاقم الفجوة الكبيرة بين البلدان الأكثر حظًّا مقارنة بالبلدان الأقلّ حظًّا، في الحصول على الرّعاية الصّحّيّة والعلاج، واقع مؤسف لا يزال قائمًا على الرّغم من إدانة الموقف في عدّة مناسبات من قبل مؤسّسات مختلفة؛ اختلافات وتفاوتات غير مقبولة تحرم قسمًا كبيرًا من السّكّان من الصّحّة في "ضواحي العالم". تجد البشريّة صعوبة في الاعتراف بأنّ "الحقّ الأساسيّ في حماية الصّحّة يتعلّق بقيمة العدالة، والّذي بموجبه لا توجد فروق بين الشّعوب والأمم، مع الأخذ بعين الاعتبار للأوضاع الموضوعيّة للحياة والتّنمية، في السّعي وراء الخير العامّ، الّذي هو في الوقت عينه خير للجميع ولكلّ فرد، ويجب على المجتمع المدنيّ بشكل خاصّ أن يأخذه على عاتقه. كما أنّه من المناسب أن يتمّ ضمان التّناغم بين الحقّ في الحماية الصّحّيّة والحقّ في العدالة من خلال التّوزيع العادل للمرافق الصّحّيّة والموارد الماليّة، وفقًا لمبادئ التّضامن والتّعاضد. على هذين المبدأين يمكننا بناء أنظمة صحّيّة أكثر إنصافًا وأكثر عدالة. ولكن للقيام بذلك، من الضّروريّ أوّلاً إعادة التّفكير في مفهوم الصّحّة، باعتبارها صحّة متكاملة.

من أجل عالم أكثر عدالة وصحّة، من الأهمّيّة بمكان اكتساب نظرة مختلفة حول الصّحّة البشريّة والعلاجات تأخذ بعين الاعتبار الأبعاد الجسديّة والنّفسيّة والفكريّة والاجتماعيّة والثّقافيّة والرّوحيّة للشّخص البشريّ. يسمح لنا الحصول على هذه النّظرة المتكاملة بأن نفهم أنّ ضمان الرّعاية الصّحّيّة اللّازمة لكلّ فرد هو عمل من أعمال العدالة، أيّ إعطاء الشّخص ما هو من حقّه. وبالتّالي يجب على الّذين يعتنون بالمرضى والمتألِّمين أن يتحلّوا هذه النّظرة الشّاملة وأن يستلهموا باستمرار من رؤية شاملة للرّعاية: العاملون الصّحّيّون والرّاعويّون بالإجماع من أجل الصّحّة المتكاملة لمرضاهم.

نعرب عن تقديرنا وامتناننا لمقدّمي الرّعاية الّذين، على الرّغم من العديد من أوجه القصور في النّظم الصّحّيّة، لم يستسلموا وكافحوا من أجل صحّة مرضاهم؛ لقد كانوا أمناء لدعوتهم الّتي تجد مصدرها في الرّحمة. إنَّ الرّحمة هي أيضًا درب مميّزة لبناء العدالة، لأنّه، وإذ نضع أنفسنا في موقف الشّخص الآخر، لا تسمح لنا فقط بالاستجابة لتعبهم وصعوباتهم ومخاوفهم، وإنّما أيضًا لكي نكتشف داخل الهشاشة الّتي تُميّز كلّ كائن بشريّ قيمته الفريدة، وفي كلمة واحدة: كرامته. لأنّ الكرامة البشريّة هي أساس العدالة، في حين أنّ اكتشاف القيمة الّتي لا تقدّر بثمن لكلّ إنسان هو القوّة الّتي تدفعنا للتّغلّب على التّفاوتات بالحماس وبذل الذّات. في الخبرة الحاليّة للوباء، نكتشف أنّنا إخوة، جميعنا في القارب عينه، ومسؤولون عن بعضنا البعض، وأنّ رفاهيّتنا تعتمد أيضًا على السّلوك المسؤول للجميع. وبالتّالي تكتشف البشريّة مُجدّدًا الشّعور بالاعتماد المتبادل: بيت مشترك، من أجل عناية مشتركة بالخليقة والأشخاص الّذين يقيمون فيه. في الأخوّة الحقيقيّة، يمكننا التّغلُّب على الفردانيّة والأنانيّة من خلال إعادة التّأكيد على أنّ وحده البحث عن خير الجميع هو الّذي يمكنه أن يؤدّي إلى خيري الشّخصيّ. لقد علَّمنا الوباء، بشكل خاصّ، أنّ الصّحّة هي خير عامّ، لذلك من خلال حماية صحّتنا الشّخصيّة يمكننا حماية صحّة الآخر وصحّة الجماعة بأسرها.

إنَّ إحدى القضايا الّتي تستحقّ اهتمامًا خاصًّا هي الصّحّة العقليّة الّتي امتُحِنَت بشدّة في فترة الوباء هذه. في هذا الصّدد، أعدّت الدّائرة الفاتيكانيّة المعنيّة بالتّنمية البشريّة المتكاملة وثيقة، يمكن الاطّلاع عليها على موقعها الرّسميّ على الإنترنت، تحت عنوان: "مرافقة الأشخاص الّذين يعانون من ضائقة نفسيّة في إطار وباء فيروس الكورونا. أعضاء جسد واحد، موضوع حبّ واحد"، وتقدّم الوثيقة بعض العناصر للتّفكير في الأشخاص المقرّبين من الأشخاص المتأثّرين بالوباء ولجميع الّذين دُعوا لمرافقتهم داخل العائلات وداخل المرافق الصّحّيّة. وبالتّالي من الأهمّيّة بمكان أن نعتني بالّذين اعتنوا بنا. يتحمّل الحكّام والمسؤولون عن السّياسات الاقتصاديّة والصّحّيّة مسؤوليّة ضمان ظروف عمل أفضل للعاملين الصّحّيّين. وهذا الأمر يتطلّب استثمارات اقتصاديّة مدروسة وحكيمة وأخلاقيّة تهدف إلى مرافقة تنمية الإمكانات البشريّة؛ كذلك تتمُّ الإشارة أيضًا إلى تنشئة العاملين الصّحّيّين على الصّحّة المتكاملة كخير للأفراد والجماعة؛ وهذا الأمر يدعو إلى تعزيز الوقاية والعلاج والتّعليم من أجل التّربية على الصّحّة المتكاملة. كذلك يجب أيضًا إيلاء اهتمام أكبر بالمؤسّسات الصّحّيّة، ولاسيّما تلك الّتي تفتقر إلى الدّعم الماليّ من الدّولة، مثل تلك التّابعة للكنيسة والجماعات الدّينيّة، والّتي تُعتبر في بقاع مختلفة من الأرض، والّتي غالبًا ما تكون بعيدة، الوسيلة الوحيدة لضمان الصّحّة والحصول على الرّعاية الصّحّيّة.

إنّ التّفاوتات الصّحّيّة غير عادلة، ولكن يمكن الوقاية منها أيضًا من خلال استراتيجيّات تهدف إلى ضمان المساواة في الحصول على الرّعاية الصّحّيّة، لاسيّما للفئات الأكثر ضعفًا وتهميشًا. لا يمكن تحقيق قدر أكبر من المساواة في حماية الصّحّة في العالم إلّا من خلال التزام أخلاقيّ متجدّد من قبل البلدان ذات الموارد الأكبر تجاه البلدان الأكثر احتياجًا. وبالتّالي نأمل أن نتمكّن من ضمان التّغطية الصّحّيّة الشّاملة لجميع الأفراد وجميع الجماعات. إنّه هدف ملحّ يجب تحقيقه من أجل بناء عالم أكثر عدالةً وصحّة وعالم أفضل، وعالم سلام نحلم به ونعتقد أنّه لا يزال ممكنًا".