دينيّة
28 شباط 2022, 08:00

خاصّ- "إثنين الرّماد ومسيرة الفصح" بقلم الخوري عزيز بومارون

نورسات
لأنّ الرّماد هو العلامة الظّاهرة للتّوبة والاعتراف واستمطار الرّحمة الإلهيّة ولأنّه ذُكر في العهدين القديم والجديد، كان لنا حديث روحيّ تثقيفيّ مع خادم رعيّة سيّدة الزّروع في المعاملتين- جونيه الخوري عزيز بومارون لفهم معنى إثنين الرّماد وأبعاده ورمزيّته إنطلاقًا من آيات العهدين التي تبرز أهمّيّة الرّماد في حياتنا.

"في بداية الصّوم، يوم "إثنين الرّماد"، نتقدّم لوضع علامة التّوبة (الرّماد) على جباهنا حيث يقول الكاهن وهو يضعه على شكل صليب: "أُذكر يا إنسان أنّك تراب وإلى التّراب تعود". بهذه الكلمات استهلّ الخوري بومارون حديثه لموقعنا.

وتابع: "بمسحة التّراب هذه، على شكل صليب، ندخل في مسيرة توبة صاعدة بنا رمزيًّا إلى "أورشليم" حيث سيتمّ الاحتفال بفصح الرّبّ، وسنشترك فعليًّا في فصح المسيح، إذ أنّ يسوع المنتصر على الخطيئة والموت هو "حمل الله الحامل خطيئة العالم"، وقد سبق وأعلن الله على لسان النّبيّ أشعيا: "روح الرّبّ عليّ مسحني وأرسلني لأبشّر الفقراء... وأعزّي جميع النّائحين وأمنحهم بدل الرّماد تاجًا" (أشعيا61/1-3). ونحن ندخل عهدًا جديدًا بصليب المسيح، عهد النّعمة حيث الرّبّ ألبسنا بدل الرّماد تاجَ محبّته "كالعريس الذي يتعصّب بالتّاج وكالعروس التي تتحلّى بزينتها... كذلك السّيّد الرّبّ يُنبت البرّ والتّسبحة أمام جميع الأمم" (أشعيا61: 10-11) رسم على جباهنا بدل الرّماد اسمه الحيّ"... يُشاهدون وجهه ويكون اسمه على جباههم" (رؤ4:22). وهكذا ترتسم مسيرة الصّوم أمامنا من البداية مسيرة فصحٍ، نقبل فيها برجاء مَن أحبّنا وبذل نفسه عنّا، فندخل في صحراء الحبّ لنواجه وجهًا لوجه كلّ وحوش "الأنا" ولنغلبها بطاعة المسيح فينا للآب."

وأكمل: "كان الرَمادُ شائعَ الاستعمال عند أغلب الدّيانات الوثنيّة القديمة. عندما كان شعبها يقع في محنة، كان يعزو ذلك إلى غضب الآلهة عليهم من جرّاء سوء سلوكهم، وكي يعبّروا عن ندمهم على سلوكهم العاطل كانوا يلبسون المسوح ويجلسون على الرّماد ويذرّون منه على رؤوسهم ويصومون."

وأضاف شارحًا: "الرَماد، ممّا يعنيه، هو ما يصير إليه الجسم من بعد أن يحترق. وهذا الاحتراق يعني للجسم المحروق أشدّ الاحتقار. والرّماد، نتيجة لما سبق، يعني الهلاك أيضًا. فالرّماد كثيرًا ما يقترن بالتّراب للدّلالة على إنسان "تافه" لا قيمة له أمام الله: "فأجاب ابراهيم الرّبّ، قد أقدمت على الكلام مع سيّدي وأنا تراب ورماد" (تك 18/27) أيّ أنا ابراهيم لست بشيءٍ ذي قيمة أمام الرّبّ.

الخلاصة في العهد القديم: الإنسان باستعماله الرّماد يُصيب هدفين:

  1-بالرّماد يعبّر أنّه خاطئ وضعيف ويعترف بذلك أمام ربّه فيتّقي غضبه ودينونته ويطلب رحمته ...

  2-يكون الرّماد وعدًا لإصلاح سيرته بطاعة ربّه وبالإصغاء إلى كلامه."

أمّا عن الرّماد عند المسيحيّين في العهد الجديد فقال: "حافظت كنيسة يسوع المسيح على هذا المظهر الشّامل للتّوبة عند جميع الشّعوب. ولعلّها تستند في ذلك إلى قول السّيّد المسيح: "... أهل نينوى تابوا بإنذار يونان، وهنا الآن أعظم من يونان"(متّى 41:12).  

في الأجيال الأولى للكنيسة كان التّائبون يحضرون أمام الأسقف ورأسهم مرشوش رمادًا دلالةً على توبتهم وعلى إرادة عمل الخير والفضيلة بحسب تعليم الإنجيل، ليُحلّهم من خطاياهم فيعودوا إلى شراكة المؤمنين. بعد ذلك صار الأسقف هو الذي يأمر الخطأة المشتهرين بالجلوس على الرّماد ولبس المسح ورشّ الرّماد على رؤوسهم دلالةً على حالتهم وعلى استعدادهم للتّوبة. وهذا الاحتفال بالتّوبة كان يتمّ ابتداءً من أوّل أحد من الصّوم. وفي عهد البابا القدّيس غريغوريوس الكبير (590-604) صارت رتبة التّوبة هذه تبدأ يوم الأربعاء من أوّل أسبوع من الصّوم في الكنيسة اللّاتينية. وما لبثت هذه الرّتبة، رتبة رشّ الرّماد على الرّؤوس، أن عُمِّمَت على كلّ المؤمنين على أنّه "ولا أحدٌ بارًّا أمام الرّبّ، كلّنا خطأة". فعلينا كلّنا أن نظهر بمظهر التّوبة. ومع الأيّام تحوّل الرّماد من الرّشّ على الرّأس إلى دهن الجبهة بالصّليب المقدّس - عند الشّرقيّين يوم إثنين الرّماد وعند اللّاتين يوم الأربعاء الأوّل من الصّوم – علامة استعدادنا للتّوبة عن خطايانا وللوعد بعمل إرادة السّيّد المسيح بحسب إنجيله."

وإختتم الخوري بومارون مؤكّدًا: "اليوم، ما زالت الكنيسة، عندما تضع الرّماد على جبهة المؤمن، تذكّره: "بأنّه تراب وإلى التّراب يعود" (تكوين 3/19) مهما كان رفيع المقام وقادرًا وغنيًّا وعالمًا، وبأنّ عليه أن يتوب: "توبوا وآمنوا بالإنجيل" (مرقس 1/15)، وبأنّ عليه أن يتشبّه بأبيه السّماويّ: "كونوا كاملين كما أنّ أباكم السّماويّ كامل" (متّى48:5)."