دينيّة
16 نيسان 2023, 09:00

خاصّ- الخوري أبراهام: الرّبّ يسوع يشجّع توما ويشجّعنا: "لا تكن غير مؤمن بل كن مؤمنًا!

نورسات
"كلّ عملٍ أتمّه الله منذ العهد القديم وصولًا لكلّ الذي نعلنه في "النّؤمن"، هو مهمّ في عمليّته الخلاصيّة. إنّما يمكننا اعتبار عيد القيامة أهمّ حدث إلهيّ، ليس فقط لعظمته، بل أيضًا لأنّ هدف الله الأساسيّ هو تخليصنا من الخطيئة والموت، والعيش بقيامة الحياة الأبديّة في جنّة الثّالوث الأقدس، التي كنّا قد خسرناها بمعصية أهلنا آدم وحواء. وتأمّلنا في عيد الفصح برسالة القدّيس بولس الأولى إلى أهل كورونتوس، التي ذكّرتنا أَنَّهُ: "كَمَا في آدَمَ يَمُوتُ الجمِيع، كَذَلِكَ في المَسِيحِ سيَحْيَا الجَمِيع." بهذه المقدّمة استهلّ مُنسّق لجنة الإعلام في نيابة صربا الخوري إيلي أبراهام تأمّله حول الأسبوع الثّاني من زمن القيامة في الأحد الجديد الذي يتحدّث عن ظهور يسوع للتّلاميذ وتوما للقدّيس يوحنّا (20/ 26-31).

 

وتابع: "مع أنّ الكثير من الدّيانات، خاصّةً السّماويّة، تؤمن بالقيامة، إلّا أنّ ديانتنا المسيحيّة هي الوحيدة التي تعلن أنّ إلهنا "تألّم ومات وقبر... وقام في اليوم الثّالث."

لذلك لا بدّ من الرّجوع والتّذكير بالأيّام الفصحيّة الثّلاثّة التي تكمّل بعضها البعض، ويمكننا أن نعتبرها واحدة إذ فيها قمّة عمل الله الخلاصيّ: خميس الأسرار حيث رسم الرّبّ يسوع، الكاهن الأوّل والأخير، الكهنة خدّام هذه الأسرار، بخاصّةً سرّ قربان جسده الذي انكسر يوم الجمعة، ودمه الذي اندفق من جنبه المطعون بالحربة على الصّليب، مرورًا بسبت النّور والغفران، وصولًا لعيد الأعياد الذي احتفل به الرّبّ، أيّ فصح العبور من أرض العبوديّة إلى أرض الميعاد الفائضة ببركات الله.

بهذا الحدث العظيم نبدأ زمن القيامة المجيدة، ونفرح فيه كلّ يوم، حتّى نهار الجمعة، ومدّته خمسون يومًا، وبعده كلّ أحد هو تذكار لقيامة الرّبّ، خاصّةً في الذّبيحة الإلهيّة التي قال فيها يسوع لتلاميذه في إنجيل خميس الأسرار: "شَهْوَةً ٱشْتَهَيْتُ أَنْ آكُلَ هذَا الفِصْحَ مَعَكُم قَبْلَ آلامي! فَإِنِّي أَقُولُ لَكُم: لَنْ آكُلَهُ بَعْدَ اليَومِ إلى أَنْ يَتِمَّ في مَلَكُوتِ الله"(لوقا 22). في القدّاس أيضًا نذكر موت الرّبّ ونعترف بقيامته.

تأمّلنا بإنجيل عيد القيامة الأحد الماضي كيف أنّ النّساء، مع طلوع نور الشّمس، ورغم الخطر الكبير، أتين إلى القبر في زمن الصّوم والحزن والموت، لإكرام وتطييب جسد الرّبّ، إنّما رجعن بزمن القيامة حيث أنّ العناية الإلهيّة، من حيث لا يدرين، دبّرت الحجر على باب القبر وكان "كبيرًا جدًا."

أمّا اليوم، فهو الثّامن، يوم جديد، أسبوع جديد، حياة جديدة مع يسوع الحيّ، نتابع التّأمل في انجيل الأحد الثّاني من هذا الزّمن المبارك، وفيه حدّد الإنجيليّ مار يوحنّا: "كان التّلاميذ في البيت (أيّ الكنيسة) مرّة أخرى".

إنّما لا بدّ من التّذكير بإنجيل أمس حيث ظهر الرّبّ لتلاميذه، وتوما لم يكن معهم فقال لرفاقه: "مَا لَمْ أَرَ أَثَرَ المَسامِيرِ في يَدَيْه، وأَضَعْ إِصْبَعِي في مَوْضِعِ المَسَامِير، وأَضَعْ يَدِي في جَنْبِهِ، لَنْ أُؤْمِن!"

فجَاءَ يَسُوع ثانيةً والأَبْوَابُ مُغْلَقَة، إذ لا شيء مستحيل لديه، وَوَقَفَ في الوَسَطِ، في القلب، لأنّه محور الكنيسة. هل نفتح له قلبنا ليكون محور حياتنا؟

هو يعطي تلاميذه السّلام، فهل نستطيع نحن الذين نعلن "أنّه حقًا قام" أن نعيش بالسّلام ونحمله للآخرين التّائقين له وللرّجاء والفرح؟

وسمعنا القراءة الأولى اليوم من آشعيا 52: "مَا أجَمَلَ عَلَى الجِبالِ وَقْعَ قَدَمَيِ الْمُبشِّر الَّذِي يُذِيعُ سلاَمًا وَيَنشُر بَشائِرَ الخَير، القائِل لصهيون قَدْ مَلَكَ إلهُك! لأنَّ الرَّبَّ قَدْ عَزَّى شَعْبَهُ وَٱفْتَدَى أوُرَشلِيمَ."

الرّبّ يسوع يشجّع توما ويُشجّعنا: "لا تَكُنْ غَيْرَ مُؤْمِنٍ بَلْ كُنْ مُؤْمِنًا! هَاتِ إِصْبَعَكَ إلى هُنَا، وٱنْظُرْ يَدَيَّ. وهَاتِ يَدَكَ، وضَعْهَا في جَنْبِي"، ومنه تدفّق الماء والدّم، رمز الأسرار أيضًا.

لسنا أفضل من توما الذي وضع إصبعه على الجرح. كما أنّ البحث عن الفهم ليس خطأ، وسوف نرى في تاريخ الكنيسة عظماء في الفلسفة واللّاهوت المفتّشين عن الحقيقة مثل مار توما الأكوينيّ ومار أغوسطينوس القائل: "أؤمن لكي أفهم وأفهم لكي أؤمن"، إنّما الخطأ في التّفتيش عن الفهم هو الإنطلاق من نقطة: لا أؤمن إن لم أفهم. فالقدّيسون إنطلقوا من الإيمان وفتّشوا عن الفهم لكي ينيروا إيمانهم وإيمان الآخرين، وحين وصلوا إلى نهاية طريق العقل، استسلموا بين يديّ الله بعين الإيمان، بدون حاجة إلى ضمانات.

كذلك مار افرام السّريانيّ كتب: "هو للعلويّين حقيقةٌ صافيةٌ وللسّفليّين بحثٌ وتَيَهَانٌ."

كلّنا توما، الذي لم يكن موجودًا حين ظهر الرّبّ على الرّسل العشرة منذ 2023 سنة، إنّما من خلال توما أيضًا يُعطي الرّبّ الطّوبى لكلّ الذين "لَمْ يَرَوا وآمَنُوا"، على رجاء أن نصرخ مثله ليسوع "ربّي وإلهي!"

نحتفل اليوم أيضًا بعيد الرّحمة الإلهيّة الذي أسّسه قداسة البابا مار يوحنّا بولس الثّاني، وانتقل إلى السّماء في مثل هذا اليوم، وأعلنت الكنيسة قداسته مع البابا يوحنّا الثّالث والعشرين في مثل هذا اليوم سنة 2014.

تعود جذور هذا العيد إلى ظهور السّيّد المسيح في 22 شباط 1931 للرّاهبة القدّيسة فوستينا للقربان الأقدس، من جمعيّة راهبات سيّدة الرّحمة في بولونيا. كانت نظرة يسوع ذاتها الّتي كان يرمق بها الحاضرين يوم علّق على الصّليب. رأته متّشحًا بلباس أبيض، ويده اليمنى مرفوعة تبارك، ويده اليسرى تلامس رداءه على صدره من جهة القلب، ومن الفسحة يسطع شعاعان، الأوّل أحمر والثّاني أبيض. وقال لها: "أرسمي لوحة بما ترين وضعي عليها الكتابة التّالية: "يا يسوع، أنا أثق بك."

 

وإختتم الخوري أبراهام بصلاةٍ متأمّلًا: "نصلّي أن نسلّم أنفسنا للعناية والرّحمة الإلهيّة شاكرين إلهنا يسوع الذي أحبّنا أعظم حبّ، بذل الذّات، كما ذكّرنا مار بولس برسالته اليوم إلى أهل كورنتوس: "مَاتَ عَنِ الجَمِيع، لِكَي لا يَحْيَا ٱلأَحْيَاءُ مِنْ بَعْدُ لأَنْفُسِهِم، بَلْ لِلَّذي مَاتَ عَنْهُم وقَامَ مِن أَجْلِهِم"، شاكرين أيضًا أبيه الذي أرسله وأقامه، وروحه القدّوس، الرّبّ المحيي. للثّالوث الأقدس كلّ المجد من الآن إلى أبد الآبدين. أمين."