دينيّة
10 تشرين الأول 2016, 12:55

خاصّ- القدّيس شربل: 45 أعجوبة منذ 17 تمّوز/ يوليو إلى اليوم

ريتا كرم
نعرفه "سكران بالله" يميل إلى الصّمت أكثر منه إلى الكلام فخيره ما قلّ ودلّ، فلم يترك رجل الله "الصّامت" الكثير من الأقوال أو المؤلَّفات وإنّما صلواته المطوّلة كانت أبلغ من كلّ الكلمات المحفورة في الورق؛ هذا هو شربل رجل الصّمت والتّقشّفات والإماتات الّذي كان يحلو له الرّكوع أمام القربان المقدّس لفترات طويلة على مثال معلّمه القدّيس نعمة الله كسّاب الحرديني فيغرق بسرّ القربان ويكتشف روعة الله الحيّ فيه، إذ انتقلت إليه هذه العدوى حتّى قيل فيه أثناء ممارسته هذه العبادة: شربل "حَرْدَن".

 

هو صاحب الجسم الهزيل على عكس ما يُهيَّأ لنا في صوره: وزنه 45 كيلوغرامًا وطوله 168 سنتمترًا، يأكل مرّة واحدة في اليوم من فضلات الطّعام وبكمّيّات قليلة جدًّا. يلبس "مِسح" الماعز ويربطه حول بطنه بشريط شائك يغرز باللّحم فيشارك هذا المتواضع سيّد الكون في آلامه. هو الّذي اعتاد أن يركع على القصب محتملاً كلّ الآلام النّاتجة عن احتكاك جلده بالقصب القاسي والجارح لأنّه لم يرغب أن تلامس ركبتاه بلاط المحبسة النّاعم، فأضحتا مثل ركبتي الجَمَل مغلّفتين بلحم "ميت" كُشف عن حالتهما أثناء فتح قبره  بعد أن شعّ منه نور مقدّس.

هو حبيس عنّايا وطبيب السّماء الّذي يسكر الكلّ من محبّته ويُذهل بكرمه، محبّة وكرم أكّد عليهما المسؤول عن تدوين شفاءات القدّيس شربل في دير مار مارون-عنّايا الأب لويس مطر في حديث إلى موقعنا، كشف خلاله عن مجموعة قصص ارتبطت بحبيس عنّايا الّذي منذ 17 تمّوز/ يوليو ما توقّف عن اجتراح الآيات باسم الرّبّ، فصار مجموعها: 45 لغاية اليوم.

فشربل الّذي ولد عام 1828 كان الرّبّ يمهّد دربه إلى عنّايا، إذ في السّنة نفسها انطلق مشروع تشييد الدّير، وبعد سنوات عديدة أتى شربل وساهم في عمليّة البناء، فلمس الحجارة بيديه المباركتين ووضع الحجر فوق الآخر مع كلّ العمّال ليرتفع هذا الصّرح اليوم ويشهد على قصّة قدّيس مجبول "محبّة عالحِلّ".

ومن أجمل ما أخبرنا إيّاه الأب مطر عن شربل الّذي عاش على الأرض كأنّه في السّماء، هو حادثة الكرمة: ففي أحد الأيّام، كان على شربل حراسة "دوّارة" كبيرة تظلّلها عرائش العنب الّذي يُصنع منه نبيذ القدّاس والدّبس، من أجل إبعاد الذّئاب عنها. وعندما طلع النّهار، أتى أحد الرّهبان لتفقّده وإذا به يرى العناقيد مجرّدة من العنب، فسأل شربل عن السّبب، وإذا به يقول: "كانوا جوعانين تركتن ياكلوا حبتين".

وفي حادثة أخرى، يروي مطر عن شربل الّذي أمضى وقتًا كبيرًا في الطّبيعة يحرث الحقل حول المحبسة ويزرعه. وفي إحدى تلك المرّات، حصل أن دخل لصّ إلى كنيسة المحبسة وملأ كيسًا بكلّ الفضّيّات والأواني النّحاسيّة وهمّ خارجًا من بابها، وإذا بحيّتين كبيرتين تعترضان طريقه فراح يصرخ إلى أن التمّ عليه عمّال الكروم الّذين أبوا أن يتقدّموا خوفًا من الحيّتين، فنادوا شربل وإذا به يقول لكلّ من الحّيتين: "إذهبي يا مباركة!"، فغادرت الأخيرتان كلّ باتّجاه وحاول العمّال أن يهجموا على اللّص غير أنّ شربل منعهم وقال له: "إذا كنت بحاجة لهذه الأغراض خذها"، فعاد الأخير إلى الكنيسة وأرجع ما سرق وتاب منذ تلك اللّحظة.

جميل هو شربل برقّته وطيبته، قدّيس بكلّ ما للكلمة من معنى، ما عبد أشخاصًا، ولا جمع مالاً، ولا ضعُف أمام الشّهوات، لا بل سكر من كأس الإيمان وارتشفه رشفة رشفة إلى أن تربّع على عرش القداسة وسكن قلب كلّ من عرفه أو سمع عنه، فشفى النّفوس وطيّب الجروح وردّ الضّالين وأخذ بيد كلّ من لجأ إليه ليرتقي إلى القداسة. فيا شربل، إجعلنا على درب الرّبّ سائرين وبشعلة القداسة متمسّكين، آمين!