دينيّة
01 كانون الثاني 2023, 08:00

خاصّ– الخوري حلّاق: مع يسوع أصبحت الختانة ختانة القلب

نورسات
"في مسيرتنا على الأرض نمرّ بلحظاتٍ محزنةٍ كفقدان شخصٍ نحبّه، أو خسارةٍ مادّيّةٍ... لحظات الألم لا تنتهي ولا نعلم متى تزورنا! إلّا أنّه يبقى في أعماق قلوبنا ألمٌ ليس بعابر سبيلٍ، وليس بضيفٍ مريحٍ، إنّه فقدان الهويّة والانتماء. ما أشدّ هذا الألم عندما أجد نَفْسي وحيدًا بالرّغم من كثرة النّاس من حولي، أو عندما أشعر بأنّني في غربةٍ عن نفسي. هل لجنديّ قيمة بدون وطنٍ يحامي عنه؟ هل هناك أمومة بدون بنين؟ هل هناك حبٌّ بدون شريك؟ هل يوجد ارتواءٌ بدون ماء؟ هل يكون إنسانٌ بدون هويّة واسم تبدأ معهما معرفته لذاته؟ إذًا، أنتَ، مَن تكون؟" بهذه الكلمات والتّساؤلات وضعنا الخوري المعاون في كنيسة مار عبدا ومار فوقا- بعبدا كريستيان الحلّاق أمام ذواتنا لنغوص إلى العمق في قراءة إنجيل القدّيس لوقا (2/ 1 – 20) على ضوء الكتاب المقدّس فنعي عمق محبّة الرّبّ لنا خلال حديثه لموقعنا.

وتابع: "إنجيل هذا العيد، ختانة الرّبّ يسوع، يأتي ليوضح لنا هذه الهويّة. كان اليهود، وبحسب الشّريعة، يختنون كلّ ذَكَرٍ في اليوم الثّامن بعد مولده، علامةً حسّيّةً يتذكّر اليهوديّ من خلالها العهدَ بينه وبين الله. ولكي نفهم  انتماء الإنسان لله خالقه وجابله، برغبةٍ من العليّ، يمكننا التّأمّل بكلام النّبيّ أشعيا: "دعوتك باسمك إنّك لي" (أش 43/ 1). وجوابًا على هذه الدّعوة الإلهيّة نقرأ في سفر أشعيا: "أنا للرّبّ" (أش 44/ 5). من هنا يستمدّ كلّ مؤمنٍ سلامَه وثقتَه وقوّتَه مِن هذا الانتماء الحميم بينه وبين خالقه، أيّ بين الله وصورته ومثاله. فالإنسان هو الّذي أصبح خليل الله مع ابراهيم وصديق الله مع موسى.

وعلى الصّعيد الروحيّ، أضحت الختانة علامة انتماءٍ لله، وعلى الصّعيد الجسديّ هي مِن أوّل أسباب شعور الطّفل بالألم. يتطلّب منّا هذا الانتماء تضحيةً بشيء ما، تركًا وتخلّيًا... وها هو المسيح في العهد الجديد يعلن انتماءنا لله كأبناءٍ محبوبين بفعل العماد المقدَّس، الّذي لا يخلو أيضًا من الألم، لا بل هو موت. العماد هو موتٌ عن كلّ ما ليس الله، تركُ كلّ تعلّقٍ من شأنه أن يلهيني عن غايتي وهدف حياتي، ألا وهو الاتّحاد بالله. لذلك مع يسوع، أصبحت الختانة ختانة القلب، وليست بعدئذٍ علامة حسّيّة جسديّة وإنّما روحيّة، تترجم من خلال نهج حياةٍ للمؤمن الّذي يهتف إلى الرّبّ: "أبّا أيّها الآب"، بقوّة الرّوح القدس الّذي أصبح مسكنًا له في العماد المقدّس.

وإتّضحت أكثر هويّتي كإنسان عندما أخذ إلهي ومخلّصي طبيعتي وقدّسها وأحبّها وجعلها خاصّته. فبيسوع الإبن أصبحتُ ابنًا لله، وسبب سرورٍ له: "لأنّه يبتهج بي فرحًا" (راجع صف 3/ 17)، ومسكِنًا له وللآب إن حفظتُ وصاياه. لذلك غربتي في هذا العالم تضحي سبب سرورٍ لا تعاسةٍ لأنّي في هذا العالم لكن لست من هذا العالم (راجع يو 17/ 14)... أصبحتُ جنديًّا باسلًا للمسيح أدافع عن موطني في السّماء لأنّه ما من مدينةٍ باقيةٍ تحتها (راجع عب 13/ 14)... أصبحتُ أمًّا وأبًا لمن أساهِم في ولادتهم الرّوحيّة عندما أشهد للمسيح أمامهم، أشهد لمصدر كلّ أبوّةٍ وأمومة."

وإختتم الخوري حلّاق تأمّله مصلّيًا: "أجدّد اليوم عهدي مع الله معلِنًا مدى شكري له على موهبة البنوّة الّتي وهبها لي بدون استحقاقٍ منّي، متذكّرًا دائمًا مَن أنا: أنا ابن محبوب للآب الّذي أعطاني الغلبة على كلّ شيءٍ وختمني بحبٍّ أبديٍّ قائلًا لي: "أنت ابني أنا اليوم ولدتك" (مز2/ 7)."