دينيّة
24 كانون الثاني 2021, 08:00

خاصّ- ماذا يقول الخوري حلّاق عن الوكيل الأمين؟

غلوريا بو خليل
"لكلّ سفينة مرسى ومرساة؛ يترقّب ركّابها، بفارغ الصّبر، رمي المرساة في الماء معلنة الوصول إلى المرسى، وانتهاء الرّحلة. رحلة، نجد فيها عناصر مغامرة متنوّعّة: جمال المنظر الخّلّاب في عرض البحر، وصفاء السّماء، وعذوبة الرّياح. كلّ ذلك على الرّغم من مشقّة السّفر وما يحمله مِن مخاطر. وما أحلى خوض هذه المغامرة مع قبطان ماهر واثقين بأنّه لن يخذلنا أبدًا. هكذا نحن، في مسيرتنا الروحيّة، نوجّه أنظارنا إلى العلاء، حيث سنلقي مرساتنا في ماء الأبديّة، عند مرسى نفوسنا "يسوع المسيح". وفي سفرنا نحو الموطن السّماويّ، أنعم الله علينا بقادة لتلك الرّحلة، وأوكل إليهم هداية المؤمنين إلى السّراط المفضيّ إلى المرسى الأمين: إنّهم كهنتنا الّذين أسلمت إليهم مهمّة قيادة المؤمنين وسط جيل معوجّ، ليضيئوا فيه معًا كالنّيّرات. ونظرًا لدقّة هذه المهمّة وأهمّيّتها، خصّصت الكنيسة هذا الأحد للصّلاة من أجل الكهنة وعلى نيّة كلّ من يلتقي بهم." بهذه المقدّمة المفعمة بروح الأمانة والحكمة في إبحارنا نحو المجد السّماويّ استهلّ أمين سرّ أسقف بيروت للموارنة الخوري كريستيان حلّاق تأمّله الرّوحيّ بإنجيل القدّيس لوقا (12/ 42 – 48) لموقعنا في هذا الأحد الأوّل من أسابيع التّذكارات الثّلاث قبل زمن الصّوم المبارك.

وتابع الخوري حلّاق شارحًا "تَعرِضُ لنا كلمةُ الرّبّ يسوع، في إنجيل اليوم، صفتين متلازمتين يتمتَّع بهما هذا الوكيل:

-       الأمانة: ليست الأمانة وصيّة جديدة في الكتاب المقدّس. فقد أوصى الله موسى، عندما تجلّى له على الجبل، قائلاً: "أنا هو الرّبّ إلهك، لا يكون لك إله غيري". وما برح صدى هذه الوصيّة يتردّد إلى جميع الآباء والأنبياء الّذين تولّوا مهمّة تذكير الشّعب بأمانة الله الّذي أقام العهد معهم. والكاهن بدوره، بما أنَّه قائد شعب الله، مدعوّ ليراجع نمط حياته وأسلوب عيشه، انطلاقًا من العهد الّذي قطعه مع سيّده يسوع المسيح. وتتجلّى الأمانة بتوزيع كلمة الله، صافية نقيّة، على الشّعب الّذي ينتظرها ليختبر، عبرها ومعها، حبّ الله ورحمته، فيصبر على ما يعيشه اليوم من ألم وموت. فإنّ كانت كلمة الرّبّ حياة وسلامًا، لا خيار لنا، إذًا، إلّا أن نسلّمها إلى عالم اليوم، علامة حيّة لحضور الله معنا وفينا وبيننا. وبما أنّنا معمّدون بالرّوح القدس، وقد نلنا الكهنوت العامّ، وأصبحنا أنبياء العهد الجديد، نفهم جليًّا بأنّ البشارة لا تقتصر على الكهنة فحسب، إنّما علينا نحن أيضًا أن نبشّر بالقول والفعل: الوالدون في عائلاتهم، والمسؤولون في مهامهم... لأن "طوبى لذلك العبد الّذي، متى جاءَ سيّده، يجده فاعلًا هـكذا!" (لو 12: 43).

-       الحكمة: إنّ الحكيم هو من يعرف سيّده جيّدًا، ويجتهد أن تتناغم مشيئته مع مشيئة سيّده. والغاية من ذلك: أنْ يرضى السّيّد، وينعم عليه بالإقامة معه إلى الأبد. وفي الحقيقة، هذه هي رغبة السّيّد حين قال :"يا أبت، إنّ الّذين وهبتهم لي أريد أن يكونوا معي حيث أكون" (يو 17: 24). ولأنّ "الرّغبة في الحكمة تقود إلى الملكوت" (حك 6: 20)، على قائد النّفوس- أيّ الكاهن- أن يطلب الحكمة، إذ إنّ سلطانه وقدرته من الرّبّ؛ والغاية الوحيدة من كهنوته هي مجد الله وبنيان الكنيسة، أيّ شعب الله. فالحكمة تعطيه الكلام المتّزن في الوقت المناسب، وتساعده على فعل ما هو ضروريّ في كلّ موقف يواجهه."

 

وبصلاة قلبيّة على نيّة وكلاء وخدّام رعيّة الرّبّ اختتم الخوري حلّاق تأمّله الرّوحيّ متضرّعًا: "نرفع صلاتنا إليك يا ربّنا يسوع، معطي الحياة وحافظها، طالبين إليك أن تزرع حبّ الأمانة وعشق الحكمة، في قلوب كلّ من أوكلت إليهم نعمة قيادة شعبك. فهم، إذا تحلّوا بهاتين الصّفتين، يستطيعون أن يدبّروا رعيّتك، ويعلّموها سبل الحياة، ويقدّسوها بكلمتك وبخدمة أسرارك المقدّسة. هبهم، يا ربّ، مكافأة في ملكوتك، فيسمعوا صوتك العذب يناديهم قائلًا: "كنت أمينًا على القليل، سأقيمك على الكثير، أدخل فرح سيّدك" (متّى 25: 21)."