لبنان
16 كانون الأول 2025, 10:30

خيرالله في عيد الحرديني: لنعمل معًا لتحقيق ملكوت الله في لبنان وطن الرّسالة

تيلي لوميار/ نورسات
فيدير مار قبريانوس ويوستينا- كفيفان ارتفعت الصّلوات يوم الأحد في قدّاس عيد القدّيس نعمة الله الحرديني، ترأّسه راعي أبرشيّة طرابلس المارونيّة المطران منير خيرالله.

وبعد الإنجيل المقدّس، كانت لخيرالله عظة بعنوان: "تركوا شباكهم وتبعوه" (متّى 4/20)، وقال: 

"نحتفل معًا اليوم، كعادتنا كلّ سنة، بعيد القدّيس نعمة الله الحرديني الّذي لبّى دعوة الرّبّ يسوع إلى القداسة، فترك كلّ شيء في الدّنيا وتبعه.

نستلهم تأمّلنا في عيد القدّيس نعمة الله من كلمة الله الموجّهة إلينا في إنجيل اليوم حول الدّعوة لاتّباع يسوع.

دعا الرّبّ يسوع رسله الأوّلين، بطرس وأندراوس أخاه ويعقوب ابن زبدى ويوحنّا أخاه، من حيث هم في حياتهم اليوميّة، وكانوا صيّادي سمك. فتركوا السّفينة وتبعوه للحال. فجعل منهم صيّادي بشر لملكوت الله.

جاء يسوع المسيح ابن الله ليعلن ملكوت الله ويحقّقه بموته على الصّليب وقيامته لخلاص جميع البشر، ملكوت المحبّة والعدالة والسّلام؛ وأوكل إلى الرّسل والتّلاميذ أن يتابعوا رسالته الخلاصيّة عبر الكنيسة الّتي أسّسها على صخرة إيمان بطرس وإخوته، ليكونوا رسل محبّة وعدالة وسلام ويدعوا النّاس إلى التّوبة وإلى تجديد ذواتهم ليليقوا بالنّعمة الّتي نالوها من الله الآب بالابن يسوع المسيح وبمحبّة الرّوح القدس.

ودعا يسوع كذلك غيرهم الكثيرين عبر التّاريخ ليتقدّسوا على خطى الرّسل ويقدّسوا العالم الّذي يعيشون فيه.

وكان من بينهم نعمة الله وشربل ورفقا الّذين لبّوا الدّعوة، فتركوا كلّ شيء وتبعوا المسيح، وتقدّسوا في الرّهبانيّة اللّبنانيّة المارونيّة وقدّسوا العالم الّذي عاشوا فيه ووطنهم لبنان وشعبهم الّذي كان يعاني من الحروب والثّورات والانتفاضات والاضطهادات، وبخاصّة بين سنتي 1840 و1860.

يوسف كسّاب ابن حردين، دعاه الرّبّ يسوع من عائلة مارونيّة مؤمنة. فلبّى الدّعوة وترك كلّ شيء ودخل الرّهبانيّة اللّبنانيّة المارونيّة سنة 1828 بعمر الثّامنة عشرة، متبدئًا في دير مار أنطونيوس قزحيّا في وادي قنّوبين. وبعد سنتي الابتداء أبرز نذوره الرّهبانيّة واتخذ اسم نعمة الله ليتذكّر دائمًا أنّ الله منحه نعمة خاصّة ليسير على طريق القداسة. ثمّ أرسل للدّروس اللّاهوتيّة إلى دير مار قبريانوس ويوستينا في كفيفان حيث رُسم كاهنًا في 25 كانوّن الأوّل 1833.

وكرّس حياته الرّهبانيّة هنا في هذا الدّير في خدمة إخوته الرّهبان معلّمًا للاّهوت، ومن بينهم القدّيس شربل النّاسك، ثمّ مدبِّرًا عامًّا في الرّهبانيّة لثلاث مرّات حتّى وفاته سنة 1858.

إمتاز في حياته الرّهبانيّة بالوفاء لنذوره الرّهبانيّة- الطّاعة والفقر والعفّة- وبالخدمة ومناجاة الله بالصّلاة وبقضاء السّاعات الطّوال ساجدًا أمام القربان، وبالتزامه بالحياة الدّيريّة المشتركة الّتي تدعو إلى امّحاء الذّات في سبيل خير الجماعة. وكان عنده تكريم خاصّ للعذراء مريم.

نعيّد اليوم القدّيس نعمة الله بينما نعيش في لبنان عواقب خمسين سنة من الحروب والأزمات المتتالية، اقتصاديّة وماليّة واجتماعيّة وسياسيّة، ونتساءل ماذا يعلّمنا القدّيس نعمة الله؟ 

وقد طرح علينا السّؤال نفسه قداسة البابا لاون الرّابع عشر، الّذي زارنا في لبنان رسولَ رجاء وسلام، قائلًا: "ماذا يعلّمنا القدّيس شربل اليوم؟ وما هو إرث هذا الإنسان الّذي لم يكتب شيئًا وعاش مختفيًا عن الأنظار، صامتًا وعيناه مغمّضتان عن هذه الدّنيا لترى الله بصورة أفضل، لكن سمعته انتشرت في كلّ العالم؟ ألخّص إرثه قائلًا: الرّوح القدس صاغه وكوّنه لكي يعلّم الصّلاة لمن كانت حياته من دون الله، ويعلّم الصّمت لمن يعيش في الضّوضاء، ويعلّم التّواضع لمن يسعى إلى الظّهور، ويعلّم الفقر لمن يبحث عن الغنى". (كلمته في دير مار مارون عنّايا، 1/12/2025).

نستعمل المنطق نفسه لنلخّص إرث القدّيس نعمة الله قائلين: يكفي أنّه كان معلّمًا للقدّيس شربل وإخوته الرّهبان، يرشدهم إلى الاختلاء بالله في الصّلاة وعيش حضوره في السّجود للقربان، والتّطلّع إلى السّماء في الالتزام بالنّذور الرّهبانيّة وبالخروج من الأنا إلى النحن في الحياة الدّيريّة المشتركة.

نطلب من الله أن يمنحنا نعمة أن نلبّي دعوة الرّبّ يسوع وأن نغمض عيوننا عن هذه الدّنيا لنفتحها على نور الله فنكتشف إرادته في حياتنا من خلال علامات الزّمن الّذي هو زمن الرّجاء.

وفيما نحن على أبواب اختتام السّنة اليوبيليّة للرّجاء الّذي لا يخيّب بيسوع المسيح، نتوجّه إلى المؤمنين، وبخاصّة إلى شبابنا من بينهم، لنقول لهم مع البابا لاون الرّابع عشر: "أيّها الشّباب الّذين تعيشون في عالم مليء بالمغريات، خصّصوا كلّ يوم وقتًا لإغلاق أعينكم عن العالم والنّظر إلى الله وحده. التزموا التّأمّل مثل القدّيسين شربل ورفقا ونعمة الله: بالصّلاة وقراءة الكتاب المقدّس، والمشاركة في القدّاس الإلهيّ وفي أوقات السّجود للقربان". (كلمته في لقاء الشّبيبة في بكركي، 1/12/2025).

ولنعملْ معًا، في كنيسة تريد أن تشهد للمسيح بالمحبّة والمغفرة والمصالحة، لتحقيق ملكوت الله في لبنان وطن الرّسالة. ولنسلّم ذواتنا إلى الله بشفاعة العذراء مريم، سيّدة لبنان، وجميع قدّيسينا، فيجعل منّا صانعي سلام ونستحقّ منّة الطّوبى السّماويّة. آمين."