درويش في قدّاس نهاية العامّ: أدعوكم لتتعلّموا كيف تكونوا بناة سلام
وألقى المطران درويش عظة قال فيها:" أيّها الأحبّاء، أعايدكم أوّلاً بالسّنة الجديدة، متمنّيًا أن تحمل لكم نِعَمَ الرّبّ وخيراته، وأن تكون لكم سنة خير وبركة. إنّ السّنة الجديدة هي بداية زمن جديد وهي مناسبة لكي نوجّه عواطفنا وأفكارنا وقراراتنا لتتوافق مع فكر يسوع المسيح لكي تكون دعوتنا المسيحيّة بلا عيب.
في بداية السّنة نتبادل الأماني ونتمنّى لبعضنا البعض السّلام والفرح والمحبّة والصّحّة الجيّدة وهناك مجموعة لا تنتهي من الأماني نتبادلها في هذا العيد... فالمحبّة تسكننا وكذلك الرّجاء والفرح والسّعادة وهي عطايا الله لنا في بداية هذه السّنة.
لا أحد يعرف ماذا تخبّئ له السّنة الجديدة، لكنّنا نعرف أنّنا إذا وضعنا رجاءنا بالرّبّ وسرنا معّا، يبارك كلّ خطوة نقوم بها. "فليباركم الرّبّ ويحفظكم. ليضئ الرّبّ بوجهه عليكم ويرحَمَكم. يرفعُ الرّبُّ وجهَهُ نحوكم ويمنحُكم السّلام" (العدد6/24-26).
دعونا نفكّر معًا بكلّ العوائق الّتي منعتنا من أن نكون قريبين من الله خلال السّنة الفائتة، فالّذي كان متهاونًا ولم يكن حارًّا ومتحمّسًا عليه أن يقرّر بأن يكون غيورًا على خلاصه وعلى كنيسته ويرضي الله في كلّ عمل يقوم به، والّذي كان بعيدًا عن أخيه وفي قلبه بعض الظّلمة، عليه أن يعد بأن يتصالح مع ذاته ومع النّاس وأن يلتمس نور المسيح. عندما نأخذ هذه القرارات نتجدّد من الدّاخل ومن الخارج، فالقديم فينا يموت وكلُّ شيء يصبح جديدًا. هذا هو معنى عيد رأس السّنة أن نتجدّد بالمسيح وأن نلتمس حضوره في حياتنا. إنّ جوهر التّغيير الّذي تحدّثنا عنه هو أن نقرّر بأن نتخلّى عن عاداتنا السّيئة وأن نعيش لله منذ هذه اللّحظة.
الكنيسة تعيّد اليوم لختان ربّنا ومخلّصنا يسوع المسيح بحسب الجسد، والمقصود من هذا أن نختن قلبنا عن كلّ الشّرور، أيّ أن نبتعد عن الشّرّ، فنتجدّد وننمو بنعمة الرّبّ. الختان في بداية السّنة الجديدة يعني أن نبدأ سنتنا بطريقة مسيحيّة ونقضي أيّام سنتنا الجديدة بطريقة مسيحيّة كاملة.
من هنا نشدّد على ضرورة عيش القيم المسيحيّة والتّبشير بها حتّى نكون بناة سلام في مجتمعنا. والكنيسة تخصّص اليوم الأوّل من كلّ سنة للسّلام في العالم كما نصلّي في الطّلبة السّلاميّة في بداية القدّاس الإلهيّ: من أجل السّلام العلويّ أيّ الآتي من العلاء.
هذا السّلام ظهر علينا من السّماء من طفل جعل سكناه في مغارة. ومنه فاض النّور الّذي قضى على الظّلمة. الله نور بهيٌ، نورٌ مقدس، يدعونا اليوم في بداية السّنة، أن نسلك في نوره لنكون في شركة معه، ومن كان نور الله فيه، يشعّ نورًا ويصير بدوره على مثال المعلّم الإلهيّ نورًا للعالم.
سمعنا إنجيل اليوم يردّد على مسامعنا: "أعدّوا طريق الرّبِّ واجعلوا سبُلَهُ قويمة"، فقد "حان الوقت واقترب ملكوت الله" (مرقس1/15). إنّ طفل المغارة أنار طريقنا وأعطى لحياتنا معنى جديدًا، به أظهر الله وجهه، وبظهوره طلب منّا أن نتعرّف عليه ونتبعه وهذا يتطلب منّا قرارًا حرًّا. ومن هذا المنظار نرى أنّ السّنة الجديدة يجب أن تكون منفتحة على عطايا الله وحضوره بيننا ومعنا.
أدعوكم لتتعلّموا اليوم كيف تكونوا بناة سلام، ونحن في كلّ مرّة نجتمع معًا نعرف أنّ "المسيح هو سلامنا" كما يقول بولس الرّسول (أفسس2/14) وهو الطّريق الّتي يوصل إلى هذا السّلام، فلنجدّد وعدنا بأن يعمل كلّ واحد لينشر سلام المسيح في بيته وفي كنيسته وفي مكان عمله.
هذه أمنيتي لكم أن "نسمع الرّبّ الإله حين يتكلمُ بالسّلام لشعبه والّذين يتّقونه" (مزمور 85/9) فالرّبّ هو طريق الجميع، الطّريق الّذي يؤدّي إلى السّماء، والعذراء مريم تدلّنا على هذه الطّريق وترافقنا وتحمينا لتكون سنتنا سنة خير وبركة."
