لبنان
29 أيلول 2017, 08:20

د. رامي عطا في مؤتمر "الإعلام المسيحيّ... نحو الاتّحاد": الإعلام المسيحيّ لتعزيز مبدأ المواطنة وثقافة الحوار

"الإعلام المسيحيّ لتعزيز مبدأ المواطنة وثقافة الحوار"، هو عنوان المداخلة الّتي ألقاها عضو لجنة الإعلام في بيت العائلة المصريّة الكاتب والباحث المصريّ د. رامي عطا، في الجلسة الثّانية من مؤتمر الإعلام المسيحيّ في سيّدة البير، وقد قال فيها:

 

"تمثِّل وسائلُ الإعلام أحد أبرز مؤسَّسات التّنشئة الاجتماعيَّة في عصرنا الحاليّ؛ ذلك أنّ لوسائل الإعلام، مقروءة ومسموعة ومرئيَّة وإلكترونيَّة، دورًا كبيرًا في تشكيل عقول الجمهور وتنمية وعيهم بقضايا المجتمع على مختلف المجالات والأصعدة: سياسيًّا واقتصاديًّا واجتماعيًّا، حيث يقوم الإعلامُ بعدَّة وظائف مهمَّة وحيويّة، منها متابعة ومراقبة البيئة، التّوعية والتّثقيف والنّقل الثّقافيّ للقِيَم والقواعد والسّلوكيَّات والأخلاقيَّات العامَّة والأعراف، التّأثير في الرّأي العام، الإعلان والتّسويق للسِّلَع والخدمات، التّسلية والتّرفيه، كما أنَّ وسائل الإعلام تُعتبر مصدرًا مهمًّا للتّاريخ والتّوثيق، ما يحفظ الذّاكرة الجماعيّة للوطن والمجتمع العالميّ، وهي تقوم أيضًا بدور فاعل في تكوين الرّأي العامّ وتبنّي المواقف والأفكار والاتّجاهات، ومن ثمّ المساهمة والمشاركة في عمليّة التّنمية الّتي تتطلّبها مختلف المجتمعات([i]).

على هذا النّحو، فإنّها تقوم بدورٍ رئيسٍ في ترسيخ مجمل منظومة القِيَم الحاكمة للمجتمع والسّائدة فيه، إيجابيَّة كانت أم سلبيَّة، وهو دور تقوم به وسائل الإعلام، إلى جانب غيرها من مؤسّسات المجتمع، في مقدّمتها مؤسّسة الأسرة باعتبارها البيئة الأولى الّتي تستقبل الطّفل وتغرس فيه الكثير من القِيَم والمبادئ والأفكار، والمؤسّسة الدّينيّة حيث الجامع والكنيسة، بما لعلماء الدّين ورجاله من دور واضح في التّأثير على عقول الجماهير من أتباع الدّين عبر الخطاب الدّينيّ في مختلف المناسبات، وهناك أيضًا المؤسَّسة التّعليميَّة بما تحويه من مناهج وأنشطة متعدِّدة منذ مرحلة الحضانة مرورًا بالمدارس وصولًا إلى المعاهد والكلّيّات، وكذلك المؤسَّسات الثّقافيَّة، الرّسميَّة منها والأهليَّة- المدنيَّة، بأنشطتها المتنوِّعة ما بين فعاليَّات ثقافيَّة تشمل النَّدوات والمؤتمرات وورش العمل ونَشْر الكتب والمؤلّفات وإصدار الصّحف، والمؤسَّسات الشّبابيَّة كالأندية والمراكز الرّياضيَّة، بالإضافة إلى دور منظّمات المجتمع المدنيّ من جمعيَّات ومؤسَّسات، وما تقوم به من أنشطةٍ تنمويَّةٍ واجتماعيَّةٍ وثقافيَّةٍ متنوِّعةٍ.

ويمثّل مبدأ المواطنة ركنًا أساسيًا في بناء الدّولة المدنيّة الحديثة، وفي القلب من منظومة القيم الإيجابيّة، ما يتطلّب العمل على دعمها وتعزيزها وتنقية الثّقافة المتوارثة الّتي تحضّ على مظاهر الكراهيّة والتّعصّب والتّمييز، وقد باتت حاجة أساسيّة ومطلبًا ضروريًّا لا غنى عنه في بناء نهضة المجتمعات وتقدّمها، حيث إنّها تمثّل مجموعة الحقوق السّياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة والثّقافيّة الّتي تعترف بها دساتير وقوانين الدّولة لمواطنيها على قدم العدل والمساواة وتكافؤ الفرص بين جميع المواطنين الّذين يشكّلون معًا ما أصطُلح على تسميته بمكوّنات الجماعة الوطنيّة، بدون تفرقة أو تمييز بسبب الدّين أو العقيدة أو اللّون أو النّوع أو المستوى الاقتصاديّ- الاجتماعيّ أو الانتماء الفكريّ والأيديولوجيّ أو أيًا من أشكال التّمييز.

أمّا الحوار فهو عمليّة مشاركة وتعلّم، تهدف إلى الفهم المتبادل لمعتقدات ومشاعر واهتمامات واحتياجات المجموعة أو المجموعات المشتركة في الحوار، بأسلوب متفتّح وغير عدائيّ، وعادة ما يتمّ ذلك بمعاونة طرف محايد آخر يقوم بتيسير العمليّة، وغاية الحوار الأساسيّة هي تحسين التّفاهم وبناء الثّقة بين المشاركين، مع احترام وقبول الاختلاف بينهم.

ويشير الواقع إلى أنَّ هناك عددًا من وسائل الإعلام تقوم بدور واضح في تدعيم خطاب العنف ونشر ثقافة التّعصّب وترويج الفِتَن بين أعضاء الجماعة الوطنيَّة داخل الوطن الواحد، بينما هناك وفي المقابل وسائل إعلام أخرى تعمل على ترسيخ مبدأ المواطنة من حيث المساواة والمشاركة بين جميع المواطنين بدون تفرقة أو تمييز([ii])، وكذا تدعيم قِيَم الحوار والتّسامح وقبول الآخر والتّعدُّديَّة والتّنوُّع والتّعاون والتّماسك الاجتماعيّ والعيش المشترك، وغيرها من قِيَم الاستنارة والتّحديث، بين أبناء الوطن الواحد، وهي مجموعة قيم من شأنها تحقيق نهضة الوطن ورفعته، فإنّ الإعلام سلاح ذو حدّين.

في هذا الإطار تأتي هذه الورقة الّتي تتناول دور الإعلام المسيحيّ في تعزيز مبدأ المواطنة ونشر ثقافة الحوار، وبالأخصّ بين المختلفين دينيًّا".

وتابع عطا متحدّثًا عن الإعلام وصناعة التّوتّر، فقال: "سواء كانت وظيفة الإعلام هي نقل الحدث وتفسيره وتحليله للجمهور حسبما يذهب البعض، أو أنّ وظيفته صناعة الحدث في بعض الأحيان حسبما يرى البعض الآخر، فمن الواضح أمامنا أنّ بعض وسائل الإعلام تقوم أحيانًا، عن قصد أو عن دون قصد، بوعي أو بدون وعي، بتدعيم بعض الظّواهر المرفوضة وغير المقبولة، ومن ذلك مثلًا تغذية مظاهر التّوتُّر الدّينيّ بين المختلفين دينيًّا (مثال: المسيحيّين والمسلمين) أو بين المختلفين في العقيدة من أبناء الدّين الواحد، (مثال: الأرثوذكس والكاثوليك والبروتستانت في الدّيانة المسيحيّة، والسّنّة والشّيعة في الدّيانة الإسلاميّة)، بما يؤدّي إلى نشر مظاهر الفتنة والاحتقان ومشاعر الكراهيّة والحقد والغضب بين أبناء المجتمع الّذين يضمّهم وطن واحد ويجمعهم مصير مشترك، ومن ثمّ يتحوّل الاهتمام الواجب على وسائل الإعلام من التّنمية والبناء إلى الصّراع والنّزاع بين وسائل الإعلام بعضها بعضًا ما ينعكس بطبيعة الحال على اتّجاهات الجمهور ومواقفهم تجاه القضايا والأحداث المختلفة.

في هذا الإطار، يرصد الباحثُ بعضَ الممارسات الصّحفيَّة والإعلاميَّة الّتي يتَّسم بها "إعلام التّوتُّر والفتنة" منها:

استخدام مفردات ومصطلحات تتنافى وخطاب المواطنة، وهي مسمَّيَات وأوصاف من شأنها العودة بمبدأ المواطنة إلى الوراء سنوات بعيدة منها مثلًا في الحالة/ الخبرة المصرية: الأقلّيَّة القبطيَّة- الطّائفة القبطيَّة- الأمَّة القبطيَّة- الشّعب القبطيّ... إلخ.
استخدام مجموعة من التّعبيرات الّتي من شأنها تكريس الطّائفية والفصل بين أبناء الوطن عبر التّصنيف على أساس الدّين بدون داع، ومن ذلك مثلًا: الباحث القبطيّ- الكاتب القبطيّ- رجل الأعمال القبطيّ- النّائب القبطيّ- المحافظ القبطيّ- الكتلة البرلمانيَّة للأقباط- الباحث المسلم- رجل مسلم- سيّدة مسلمة- رجل مسيحيّ- سيّدة مسيحيّة... إلخ([iii]).
شيوع ظاهرة "التّطييف" في معالجة بعض الأحداث، ويعني "تطييف الحدث" صبغه بصبغةٍ طائفيَّةٍ، على غير الواقع، حيث تقوم بعض وسائل الإعلام بإعطاء طابع طائفيّ لأحداث غير طائفيّة، بينما يكون لتلك الأحداث أبعاد أخرى اقتصاديّة أو اجتماعيّة من واقع ممارسات الحياة اليوميّة، مثل حالات البيع والشّراء، والارتباط العاطفيّ والعلاقات الغراميّة.. إلخ.
التّركيز على الرّؤى والآراء الّتي تحمل قدرًا من الإثارة، بما يساهم في خلق حالةٍ من التّوتُّر بين المواطنين، مثل جواز الصّداقة بين المسلم والمسيحيّ، وجواز العزاء في وفاة شخص مسيحيّ، وجواز تهنئة المسيحيّين بأعيادهم من عدمها.. إلخ.
اتّجاه بعض وسائل الإعلام إلى الهجوم على عقائد الآخر الدّينيَّة، ما أدَّى إلى انتشار ما يُسمَّى بظاهرة "السِّجال الدّينيّ" أو "السِّجال العقائديّ"، مسلمون ينتقدون الدّيانة المسيحيَّة ومسيحيّون ينتقدون الدّيانة الإسلاميَّة، بل انتقاد مذاهب داخل الدّين الواحد، عبر عددٍ من وسائل الإعلام، مُتجاهلين أحاديث المحبّة والمودّة وأعمال الرّحمة الّتي تجمع بين الأديان المختلفة.
الخروج عن حدود اللّياقة والابتعاد عن أدب الحوار، بما يؤدِّي إلى تحوّل النّقد وحرّيَّة الرَّأي والتّعبير إلى سبّ وإهانة وتجريح وقذف، وهو ما تشهده بعض القنوات الفضائيّة في برامجها وبالأخصّ البرامج الحواريّة "برامج التوك شو".
استضافة شخصيّات مثيرة للجدل، سواء من النّاشطين في المجال العام، أو ممّن يدَّعون أنّهم علماء ورجال دين، وقيامهم بإطلاق فتاوى مثيرة للتّوتّر والقلق بدون تخصّص أو علم أو دراسة، بل إن بعض هؤلاء يكتب بصورة دوريّة في بعض الصّحف ويقدّم برامج في بعض القنوات التّلفزيونيّة، وهم يفعلون ذلك بحثًا عن الشّهرة ورغبة في خلق حالة من إثارة الاهتمام بما يكتبون أو يقدّمون.
تشويه حقائق بعض الوقائع والأحداث في ظلّ غياب الشّفافيّة ونقص المعلومات عند وقوع حادث له أبعاد دينيّة".

وحول إعلام المُواطَنة والحوار والاستراتيجيّة الإعلاميّة المقترحة، أضاف: "سؤالٌ مهمّ يفرض نفسَه هنا، وبإلحاحٍ شديدٍ: هل من الممكن أن تُساهم وسائل الإعلام المسيحيّة، في مواجهة دعاوى الفتنة والتّعصُّب ومكافحة خطاب العنف والتّحريض، وفي المقابل نشر ثقافة التّسامح والتّعاون وقبول الآخر المختلف والعيش المشترك بين مكوِّنات الجماعة الوطنيّة، وبالإجمال تدعيم مبدأ المواطنة وثقافة الحوار؟!

الإجابة: بكلّ تأكيد، نعم؛ فالإعلام المسيحيّ يقدّم رسالة مسيحيّة ويعبّر عن رؤية كنسيّة موجّهة لجماعة المؤمنين وللعالم كلّه، حيث يحمل قيمًا إيجابيّة عاملًا على ترسيخها وتدعيمها في المجتمع.

ومن ثمّ فإنّه يمكن للإعلام المسيحيّ أن يقوم بدورٍ مهمٍّ، مؤثِّرٍ وفعَّالٍ، في مواجهة المشكلات ذات الخلفيَّة الدّينيَّة/ الطّائفيَّة، الّتي تسبِّب عادةً توتُّرًا مصحوبًا بالكثير من القلق على مستقبل هذا الوطن وبالأخصّ في موضوع العلاقة بين أبناء الوطن الواحد، بالإضافة إلى دعم وتشجيع منظومة القيم الحياتيّة الإيجابيّة.

ولعلّ المتابع لثقافة المُواطَنة في كتابات عددٍ من المفكِّرين والمثقَّفين يكتشف كيف أنّ الإعلام حاضرٌ طوال الوقت في ذهن كلِّ من يفكِّر في دعم ثقافةِ المواطَنة ومبادئها، حيث اهتمّ عددٌ من الكُتَّاب والمفكِّرين والباحثين بدعوة الصُّحف، وغيرها من وسائل الإعلام، إلى مواجهة التّعصُّب الدّينيّ، والعمل على تشجيع الوحدة ودعم الاتّحاد.

وتتطلَّب عمليَّةُ دعم المُواطَنَة وغيرها من قِيَم الحوار والتّسامح وقبول الآخر والوحدة الوطنيَّة والعيش المشترك والتّعاون البنَّاء، ومن جانبٍ آخر، نبذ العنف ورفض التّعصُّب، استراتيجيَّةً مجتمعيَّةً تشمل كافّة مؤسَّسات التّنشئة الاجتماعيَّة: الدّينيَّة والتّربويَّة والتّعليميَّة والثّقافيَّة والشّبابيَّة والتّشريعيَّة والإعلاميَّة، حتّى تعمل المؤسَّسات الإعلاميَّة في إطارٍ من التّعاون مع غيرها من مؤسَّسات المجتمع.

ويطرح الباحث هنا استراتيجيَّةً إعلاميَّةً أوّليَّةً، عبر مجموعة من المحاور التّالية([iv]):

أولًا: إرشادات وضوابط قِيَمِيَّة:

·       التزام الجماعة الصّحفيّة والإعلاميَّة بالمسؤوليَّة الاجتماعيَّة، من حيث احترام قِيَم المجتمع الإيجابيّة، والإيمان بأنّ المسؤوليَّة هي الوجه الآخر للحرِّيَّة، وأنّه لا حرِّيَّة بدون مسؤوليَّةٍ مجتمعيَّةٍ واعيةٍ؛ فالإعلاميّ حرٌّ ومسؤولٌ في ذات الوقت.

·       الوعي بمبدأ المواطنة عبر قراءة الكتابات والمُؤلَّفات المعنيَّة بالتّأصيل النّظريّ لقيمة المواطنة، لاسيّما وأنّ المكتبة العربيَّة غنيَّةٌ بكتاباتٍ ومُؤلَّفاتٍ متميِّزةٍ تتعلَّق بالمواطنة، حتّى يكون الصّحفيّون/ الإعلاميّون على إدراكٍ واعٍ بمبدأ المواطنة، ما ينعكس على كتاباتهم ومعالجاتهم للأحداث المختلفة.

·       إعلاء مبدأ المُواطَنَة، بما يحمله هذا المبدأ من معانٍ عميقةٍ تقوم على تأكيد المشارَكة والمساواة بين جميع المواطنين في الحقوق والواجبات بدون تفرقةٍ أو تمييز، ومن ثمّ تكون قيمةُ المواطَنة أرضيَّةً صلبةً وخلفيَّةً قويَّةً لا غنى عنها في المعالجة الصّحفيَّة/ الإعلاميَّة للأحداث المختلفة، بما يُساهم في محو أمِّيَّة المواطنة (من حيث معناها ومبادئها وممارساتها... إلخ) لدى مواطني الدّولة.

·       تشجيع القِيَم الإنسانيَّة الرّاقية، والعمل على تدعيمها وترسيخها في نفوس وأذهان المواطنين، ما يُساهم في تنمية المجتمع والنّهوض بأبنائه ومنها قِيَم: المحبّة، العيش المشترك، التّعاون والعمل الجماعيّ، التّعايش السّلميّ، التّفاعل البنّاء، قبول الآخر والاختلاف الإيجابيّ، التّسامح، التّعدُّديَّة والتّنوّع... إلخ، إضافةً إلى قِيَم الاندماج والتّكامل الوطنيّ والأخوَّة والإخاء، وهو ما يتّفق مع حقوق المواطنة وحقوق الإنسان أيضًا، حيث نصّت المادّة الأولى من الإعلان العالميّ لحقوق الإنسان الصّادر سنة 1948م على أنّه "يولد جميع النّاس أحرارًا متساوين في الكرامة والحقوق، وقد وهبوا عقلًا وضميرًا وعليهم أن يعامل بعضهم بعضًا بروح الإخاء". 

·       التّأكيد على أنّ التّعدُّديَّة والتّنوُّع هما من سمات الحياة البشريّة وخصائص المجتمع الإنسانيّ، وأنّهما (أيّ التّعدُّديَّة والتَّنوّع) يعملان على إثراء الفكر البشريّ وجعله فكرًا غنيًّا ومتميّزًا ينضح بكلِّ ما هو جديدٍ ومفيدٍ، ما يساعد على التّفكير بشكل إيجابيّ وإبداعيّ عند طرح المشكلات والبحث عن حلول، واكتشاف مزايا الاختلاف، وكيفيّة إدارة الأزمة وتحويلها إلى فرصة تسير في اتّجاه دعم التّسامح ونشر ثقافة السّلام واللّاعنف بين المواطنين.  

·       الاستفادة من الخبرة التّاريخيّة المشتركة، ومن ذلك التّعرّف على دور مكوّنات الجماعة الوطنيّة ومشاركتهم بعضهم لبعض في صُنع الحضارة وإنتاجها، ما يتطلّب الاهتمام بتقديم تاريخهم ونضالهم المشترك في شتّى جوانب الحياة ومجالاتها السّياسيَّة والاقتصاديَّة والاجتماعيَّة.

·       احترام الأديان وعدم الإساءة إليها أو تناولها بالتّجريح، ما يتطلَّب تفادي ذلك النوع من النّقد الّذي يحمل تجريحًا وإساءةً لدينٍ من الأديان، فإنّ كلَّ إنسان إنَّما يؤمن بدينه إيمانًا مطلقًا ويرفض المساس به أو تناوله بالنقد.   

·       تجنُّب موضوعات السِّجال الدّينيّ/ العقائديّ، ليس بين الأغيار دينيًّا فحسب، ولكن أيضًا بين المذاهب المختلفة داخل الدّين الواحد، حيث يؤدِّي هذا النّوعُ من المساجلات إلى نفور كلِّ طرفٍ من الطّرف الآخر، وسيادة التّعصُّب وروح الكراهيّة ورفض الآخر بين جمهور الصّحافة وغيرها من وسائل الإعلام.

ثانيًا: إرشادات وضوابط مِهَنِيَّة:

·       تأصيل مفردات المواطنة في الخطاب الصّحفيّ/ الإعلاميّ، من حيث تأكيد معاني المشاركة الإيجابيَّة والتّواجد الفعّال والمساواة الكاملة بين المواطنين في الحقوق والواجبات، ما يعني التّمييز بين إعلام يدفع في اتّجاه المواطنة، وبين إعلام آخر يدفع في اتّجاه الطّائفيَّة والتّفكيك.

·       التّأكّد من صحّة ودقَّة المعلومات الّتي يتمُّ الحصول عليها، قبل بثّها أو نشرها، حتّى لا يُساهم الصّحفيّون/ الإعلاميّون في صناعة الشّائعات وترديدها، بما يمكن أن تُحدِثه تلك المعلومات المغلوطة من بلبلةٍ في الرّأي العامّ، وبالتّالي تَراجُع مصداقيَّةُ وسائل الإعلام عند الجمهور.

·       التّعامل الحَذِر مع ما يُنشر من أخبار ومعلومات عبر شبكات التّواصل الاجتماعيّ (تويتر- فيسبوك- واتس آب- انستغرام وغيرها من مستجدّات)، والتّأكّد من سلامتها ومصداقيَّتها قبل نشرها أو إعادة استخدامها. 

·       البعد عن العناوين المثيرة، وتجنّب/ تفادي التّضخيم/ التّهويل، وغيرها من المعالجات الصّحفيّة الّتي تستهدف الإثارة وزيادة التّوزيع وجذب القرّاء والمتابعين إغفالًا لمبدأ المواطنة.

·       الفصل بشكل واضح وصريح بين الرّأي من جهة والمواد الخَبَريَّة من جهة أخرى، وهو الأمر الّذي يُعدُّ من المُسلَّمات الرّئيسة في مهنة الصّحافة والإعلام، حتّى لا يختلط الأمر على جمهور القرّاء/ المشاهدين/ المستمعين.

·       الفصل بين الأحداث الخلافيَّة الّتي تقع بسبب اختلاف الدّين من جهة، وتلك الأحداث والصّراعات الّتي تقع بسبب خلافات الحياة اليوميَّة العاديَّة من جهةٍ أخرى، ومن ذلك مثلًا أنّ الخلاف حول مسائل البيع والشّراء وغيرها من المعاملات الماليَّة والتّجاريَّة هو من خلافات الحياة اليوميّة وطبيعتها، أمّا الخلاف حول بناء كنيسة فهو خلاف له طبيعة دينيَّة يحتاج إلى معالجةٍ خاصَّة.

·       البعد عن الإثارة، والالتزام بالصّدق والموضوعيَّة في تناول الموضوعات ذات الطّبيعة الجداليَّة، والخلافيَّة، ومنها مثلًا في الحالة المصريّة موضوعات: أقباط المهجر، خلافة البابا والبطريرك القادم، العلاقة بين الأقباط والدّولة، الكنيسة والسّياسة.

·       ضبط المصطلحات المُستَخدَمة في معالجة موضوعات العلاقة بين المختلفين دينيًّا، بما يضمن ترسيخ ثقافة المواطنة ويعكس التّعدُّديَّة الإيجابيَّة والتّنوّع الخلَّاق.

·       استعانة الصّحفيّين والإعلاميّين بالمراكز الإعلاميَّة الخاصّة بالكنائس (الأرثوذكسيَّة والإنجيليَّة والكاثوليكيَّة)، وكذا المراكز الإعلاميَّة الخاصّة بالأزهر الشّريف ووزارة الأوقاف، في مجال توفير المعلومات المتعلّقة بالأحداث ذات الخلفيَّة الدّينيَّة.

·       إبراز الجهود الخاصّة والمبادرات المعنيَّة بالحوار بين أتباع الأديان والثّقافات المختلفة على المستوى المحلّيّ والإقليميّ والدّوليّ.

·       الحرص على استضافة علماء ورجال الدّين، وغيرهم من المثقّفين والمفكّرين، ممّن يتّسمون بالسّماحة وتقديم التّعاليم المستنيرة الّتي شأنها نشر قيم إيجابيّة بين المواطنين.

ثالثًا: آليَّات تنفيذ خاصَّة بالكيانات الإعلاميَّة:

·       إعداد دورات تدريبيَّة للصّحفيّين والإعلاميّين على المعالجة الصّحفيَّة/ الإعلاميَّة لأحداث التّوتُّر الدّينيّ، والتّدريب على كيفيّة التّعاطي مع تلك الأزمات بما يدفع في اتّجاه دعم المواطنة ولا يغذّي من مظاهر الانقسام.

·       إنشاء مرصد إعلاميّ لمتابعة ما يُنشَر في الصّحف وفي باقي وسائل الإعلام من معالجاتٍ خاصّة للعلاقات الإسلاميَّة- المسيحيَّة، مع إصدار تقارير دوريَّة عن هذا الشّأن.

·       إعداد ميثاق شرف صحفيّ/ إعلاميّ نوعيّ، هو بمثابة مُدوَّنة سلوك، خاصّ بقضيّة الوحدة الوطنيَّة ودعم ثقافة المواطنة ومعالجة الأزمات الطّائفيَّة ومواجهتها، تدور بنوده حول الموضوعيَّة والمهنيَّة والمسؤوليَّة الاجتماعيَّة للصّحافة والإعلام([v]).   

·       تدعيم ما يمكن تسميته بـ"إعلام المواطنة والحوار"، "Citizenship and Dialogue Media"، والّتي تعني نمطًا صحفيًّا يقوم على تقديم معالجة صحفيَّة/ إعلاميَّة للموضوعات والقضايا المختلفة الّتي يعيشها المجتمع، سواء كانت سياسيَّةً أو اقتصاديَّةً أو اجتماعيَّةً، تنطلق بالأساس من مدخل/ منظور المواطنة، وهي بذلك صحافة تُعلي من شأن المواطنة وتستخدم مفرداتها في خطابها من حيث المساواة والمشاركة في الحقوق والواجبات واقتسام الموارد بين المواطنين، وهي كذلك صحافة ترفض استخدام مفردات الطّائفيَّة والتّفكيك والتّجزيء والتّصنيف بأشكاله المتنوّعة وتبتعد عن الافتراضات المسبقة والصّور الذّهنيَّة السّلبيَّة لكلِّ طرف عن الآخر. ومن جهةٍ أخرى، فإنّها تؤكّد معاني الاندماج والتّكامل الوطنيّ والتّعايش السّلميّ المُشتَرَك بين المواطنين بعضهم بعضًا بغضِّ النّظر عن اختلاف الدّين أو النّوع أو اللّون، ومن ثم إدارة التّنوّع بحكمةٍ ومهارةٍ تستوعب الجميع بدون تفرقةٍ أو تمييزٍ".

هذا وختم عطا قائلاً: "قد يضيف البعض، من المتخصّصين والباحثين المهتمّين بدور الإعلام في دعم مبدأ المواطنة وثقافة الحوار، للأفكار السّابقة الكثير من الرّؤى والتّوصيات الّتي تعمل على الرُّقيِّ بالخطاب الصّحفيّ/ الإعلاميّ، وجعل الرّسالة الصّحفيَّة/ الإعلاميَّة رسالةً حضاريَّةً متمدِّنةً مرتبطةً بقِيَمِ المواطنة وقبول الآخر والعيش المشترك والاندماج والتّكامل الوطنيّ والتّعاون بين أبناء الوطن الواحد... ومن ثمّ النُّهوض بالمجتمع في وقتٍ نبحث فيه عن النّموّ الثَّقافيّ والرُّقيّ الحضاريّ، إضافةً إلى التّماسك القوميّ بين أبناء الوطن الواحد الّذين يشكِّلون معًا "الجماعة الوطنيَّة".      

إنها دعوةٌ للجماعة الصّحفيَّة والإعلاميَّة من أجل الالتزام بالدّور التّنويريّ للإعلام، وأن يعلو بينهم صوتُ العقلاء والحكماء من أبناء هذا الوطن، والإيمان بالصّحافة والإعلام كرسالةٍ إنسانيَّةٍ ساميةٍ تعمل على النّهوض بالمجتمع، والبناء لا الهدم.

فإلى كلِّ من يكتب، وإلى كلِّ من يتحدّث ويصرِّح ويقول، رحمةً بهذا الوطن من الفتنة، رحمةً بالمواطنين من الأفكار الهدَّامة ومن تلك الآراء الّتي من شأنها خلق الأزمات وصُنع الفتن. فمن أجل سعادة هذا الوطن الّذي نعيش على أرضه وننتمي إليه، تعالوا معًا إلى كلمة سواء، تعالوا نُعلي معًا كلَّ قيمةٍ إنسانيَّةٍ راقيةٍ وساميةٍ، تعالوا نبني وطننا بنّاءً حديثًا ونجعل من كلِّ مواطن فيه مواطنًا صالحًا يعمل من أجل الخير العام ويشارك في تحقيق الصّالح العامّ".