لبنان
07 تموز 2025, 08:45

ذخائر تريزيا الطّفل يسوع باركت أرض الجنوب، والتّفاصيل؟

تيلي لوميار/ نورسات
حملت تريزيا الطّفل يسوع إلى الجنوب اللّبنانيّ الرّجاء والأمل والإيمان والسّلام، من خلال زيارة ذخائرها لعدد من مناطقه مباركة أرضه وشعبه، وسط نثر الورود والأرزّ والتّرنيم والعزف وقرع الأجراس وأجواء من الفرح والغبطة في كلّ محطّاتها.

وفي التّفاصيل، وصلت الذّخائر الجمعة إلى قضاء مرجعيون وسط أجواء من الخشوع والإيمان، حيث استُقبلت عند جسر الخردلي بحفاوة كبيرة، وسط نثر الورود والأرز، ورافقها موكب سيّارات من بلدات ديرميماس، برج الملوك، القليعة وجديدة مرجعيون. وحطّت الذّخائر أوًلًا عند مدخل بلدة ديرميماس، حيث استقبلها الأهالي وصلّوا من أجل السّلام في لبنان.
ثمّ تابع الموكب طريقه إلى برج الملوك وجديدة مرجعيون، لتصل إلى محطّتها الأخيرة في هذه الجولة في بلدة القليعة حيث استُقبلت الذّخائر في كابيلا القدّيسة تريزا ثمّ انطلقت بمسيرة من وسط البلدة إلى كنيسة مار جرجس، وهناك شاركت فرقة موسيقيّة تابعة للكتيبة الإسبانيّة العاملة ضمن قوّات اليونيفيل في مراسم الاستقبال، فعزفت ألحانًا خاصّة بالمناسبة، تُوّج هذا الحدث بقدّاس احتفاليّ ترأسه كاهن الرّعيّة الأب بيار الرّاعي، بمشاركة عدد من الكهنة، حيث رفعت الصّلوات من أجل لبنان، واستقرار الجنوب، وسلام العالم.

وبعد أن باتت ليلتها في القليعة، انطلقت الذّخائر في صباح اليوم التّالي متوجّهة إلى صور وتحديدًا إلى مقرّ القطاع الغربيّ ل"اليونيفيل" في بلدة شمع، وأعدّ لها حفل استقبال من قبل الجنرال نيكولا ميندوليسي وضبّاط جنود حفظة السّلام في الكتيبة الإيطاليّة والكتائب الدّوليّة المنضوية في قيادة القطاع الّذين استقبلوها بحرارة بمؤازرة من الجيش اللّبنانيّ.

ثمّ وضعت في صالة مخصّصة في القيادة وتبارك منها الضّبّاط والجنود الدّوليّين في اليونيفيل. 

بعدها أقيم قدّاس داخل كنيسة القيادة ترأّسه أحد آباء الكتيبة الإيطاليّة، لتنتقل بعده إلى بلدة قانا الجليل في قضاء صور، وقد استقبلت بنثر الأرزّ والورود والزّغاريد وعلى وقع موسيقى "كشّافة الرّسالة الإسلاميّة"، بحضور النّائبين علي خريس وأشرف بيضون، رئيس البلديّة المهندس علي جميل عطية وأعضاء المجلس البلديّ وحشد من الأهالي.

وألقى عطية كلمة بالمناسبة وقال بحسب "الوكالة الوطنيّة للإعلام": "يتزامن هذا الاستقبال لذخائر القدّيسة تريزيا مع  ذكرى عاشوراء، ذكرى الشّهادة والتّضحية والوفاء، ونحن أبناء قانا بلدة العيش المشترك، ‎وأبناء مدرسة الإمام الصّدر، نؤمن بأقواله بأنّ العيش المشترك ليس صيغة في الدّستور، بل هو فعل يوميّ نعيشه معًا في البلدات والقرى، في الأفراح والأحران، ونحن على خطى ودرب الرّئيس برّي الّذي يقول: لا معنى للبنان من دون العيش المشترك".

أضاف: "باسمي وباسم المجلس البلديّ وأهالي قانا، أشكر كلّ من شارك وساهم في إنجاح هذا الاستقبال، ولتكن هذه الزّيارة إلى قانا، بداية لبركات لا تنتهي وتثمر محبّة لأبناء بلدنا وللبناننا الحبيب."

ورحب النّائبان خريس وبيضون بــ"زيارة ذخائر القدّيسة تريزيا الّتي تطأ أرض لبنان والجنوب، لما لها من معان روحيّة سامية في نفوس الجنوبيّين، لاسيّما في قانا، بلدة العيش المشترك، الّذي أرساه الإمام المغيّب موسى الصّدر، وصاحب الأمانة الرّئيس نبيه برّي".

ثمّ انتقل الحضور إلى كنيسة مار يوسف في البلدةً حيث كان في استقبالهم كاهن الرّعيّة الأب عماد الحاج والأب طوني إلياس، وإمام البلدة الش    يخ عيد الخالق الصّايغ وحشود من أبناء البلدة. وشاركت في الاستقبال فرقة موسيقيّة تابعة للكتيبة الغانيّة العاملة في "اليونيفيل" الّتي عزفت موسيقى الاستقبال، بعدها وضعت الذّخائر في الكنيسة حيث ترأّس الأب الحاج قدّاسًا احتفاليًّا، وتبارك الحضور بالذّخائر قبل ان تتابع جولتها نحو كاتدرائيّة مار توما الرّسول للرّوم الملكيّين في صور.

وعصرًا استقبلت الذّخائر في ساحة ميناء الصّيّادين بحضور راعي أبرشيّة صور للرّوم الملكيّين الكاثوليك المتروبوليت جورج اسكندر. وبعد جولة في شوارع الحارة القديمة، وضعت الذّخائر في كاتدرائيّة القدّيس توما الرّسول حيث ترأّس اسكندر قدّاسًا احتفاليًّا، وألقى عقبه عظة قال فيها: "نلتقي اليوم في رحاب كاتدرائيّة القدّيس توما الرّسول في صور، في استقبال ذخائر القدّيسة تريزيا الطّفل يسوع، هذه القدّيسة الّتي اختبرت سرّ المحبّة في بساطة قلبها، فصارت زهرة صغيرة تنثر عبيرها في حقول العالم. هي بيننا اليوم، لتذكّرنا بأنّ الإيمان ليس زينة نتباهى بها، بل هو درب حياة، درب نزرعه في حقول قلوبنا لنحصد ثماره في بيوتنا، في مجتمعنا، وفي مدينتنا الجريحة صور. نرى يسوع في إنجيل اليوم متّى (١٢: ١–٨)، يسير في حقول الحنطة يوم السّبت، فيلتقط تلاميذه السّنابل ليأكلوا من جوعهم. فيثور الفرّيسيّون عليهم، متشبّثين بالنّاموس والطّقوس، فيما يفتح الرّبّ باب الرّحمة بقوله: "إنّي أريد رحمة لا ذبيحة. وهنا، تتجلّى أمامنا صورة القدّيسة تريزيا: طفلة لا تعرف تعقيدات الفرائض، لكنّها عرفت قلب الله. في بساطتها ووداعتها، أدركت أنّ الله لا يطلب طقوسًا خاوية، بل قلبًا يفيض بالمحبّة. وسمعنا أيضًا بولس في رسالته إلى أهل رومة (١١: ٢٥–٣٦) يقول: "يا لعمق غنى الله وحكمته!".

تريزيا عاشت في هذا العمق: كانت ترى في كلّ نسمة ريح رسالة حبّ من الله، وفي كلّ دمعة طريقًا إلى قلب الآب. علّمتنا أنّ الطّريق الأقصر إلى الله هو طريق البساطة، وأنّ المحبّة الّتي تمنح من القلب هي أعظم من كلّ ذبيحة تقدّم بلا رحمة. في عالم يركض خلف المظاهر ويثقلنا بعادات قد تقتل الرّوح، تأتي تريزيا لتعيدنا إلى سرّ الإيمان الطّفوليّ: سرّ التّخلّي عن الكبرياء، سرّ الثّقة بأنّ الله يعرف قلوبنا قبل ألسنتنا، وسرّ الرّحمة الّتي تنبع من عمق الألم. قالت تريزيا ذات يوم: "إنّ صغري هو فرحي وسرّ قداستي... إنّي طفلة في حضن الآب السّماويّ، لا أطلب إلّا الحبّ.

وهكذا، يا أحبّتي، لنتعلّم منها أنّ الرّحمة لا تفرض علينا فرضًا، بل تنبع من قلب يحبّ الله ويحبّ الإنسان. الله لا ينتظرنا مثاليّين، بل ينتظرنا رحماء. والقداسة ليست حكرًا على النّسّاك، بل هي دعوة لكلّ قلب يتّسع للعطاء والرّجاء.

أعرف أنّكم تعيشون في قلب المضايق: حروب لا ترحم، ضغط اقتصاديّ غير مسبوق، لا أعمال ولا مستقبل، وقلوبكم تتوق إلى الفرج. لكن تريزيا تقول لنا اليوم: "حين تكون الرّوح مجروحة، تصبح الصّلاة أقوى. حين يكون القلب مكسورًا، تصبح الرّحمة أعمق". فلنسمع صوتها يطوف بيننا ويقول: "حتّى لو كسر العالم من حولكم، لا تدعوا المحبّة تكسر في داخلكم". هي جاءت لتقول لنا: إنّ الله أقرب إلينا من صدى أنيننا، وإنّ ضعفنا هو أعظم مكان يزرع فيه الله زهرة الرّجاء.

تعالوا يا إخوتي نترجم هذه الزّيارة السّماويّة إلى أعمال صغيرة تغيّر حياتنا:

١.  ليكن لنا كلّ يوم دقيقة صمت نصغي فيها إلى صوت الله في قلوبنا، ونردذد مع تريزيا: "يا ربّ، اجعلني زهرة حبّك في العالم".

٢.  إجعلوا من بيوتكم كنائس صغيرة: علّموا أبناءكم أنّ الله رفيقهم، وأنّ البساطة طريقهم إلى قلبه.

٣.  إفتحوا قلوبكم لمن حولكم: بزيارة مريض، بكلمة طيّبة، بابتسامة صادقة، لأنّ هذه هي الذّبائح الّتي يريدها الله.

٤. في كلّ ضيق تتذكّرون فيه أوجاعكم، تذكّروا أنّ تريزيا كانت تعطي أحزانها للمسيح ليحوّلها فرحًا.

دعونا في ختام صلاتنا يا أحبّة نشكر الله على هذه الذّخائر المباركة، الّتي تساعدنا وتشجّعنا أن نقتدي بتريزيا ونحيا حياتها: صغيرة أمام العالم، عظيمة في عيني الرّبّ. دعونا نصلّي معًا صلاة قصيرة مستوحاة من كلماتها: "يا ربّ، خذ ضعفي واجعله قوّة فيك. خذ خوفي واجعله رجاء بك. خذ فقري واجعله غنى بروحك. واجعلنا مع القدّيسة تريزيا، زهورًا صغيرة في حديقة ملكوتك، تضيء العالم بابتسامة، وتزرع الرّجاء في كلّ قلب جريح. ولتكن بركة الرّبّ معكم، ترافقكم في كلّ خطوة تخطونها، وفي كلّ ابتسامة ترسمونها على وجوه الآخرين، آمين وفي الختام تبارك منها الحضور".

أمّا السّبت فاستقبلت بلدة مغدوشة، ذخائر القدّيسة تريزيا الطّفل يسوع في زيارة مميّزة إلى مزار سيّدة المنطرة، وسط حضور حاشد للمطارنة والكهنة والرّهبان والرّاهبات والمؤمنين، إلى جانب الحركات الرّسوليّة، والأخويّات، والجمعيّات الرّوحيّة، والقوى الأمنيّة، وفعاليّات البلدة والمنطقة، وقد احتفل الجميع بالقدّاس الإلهيّ الّذي ترأّسه راعي الأبرشيّة المخلّصيّة للرّوم الملكيّين الكاثوليك في كندا المطران ميلاد الجاويش، إلى جانب راعي أبرشيّة صيدا ودير القمر للرّوم الملكيّين الكاثوليك المطران إيلي بشارة الحدّاد، بمشاركة لفيف من الكهنة، وخدمة جوقة شبيبة المخلّص والشّبيبة الطّالبة المسيحيّة.

وللمناسبة، ألقى المطران الجاويش عظة قائلًا: "أتيت من بلد بعيد، لأحمل معي شوقًا كبيرًا إلى هذه الأرض المقدّسة، وأشارككم نعمة استقبال ذخائر قدّيسة الورد والفرح، القدّيسة تريزيا. اليوم، مغدوشة ترقص فرحًا، لأنّ ابنة فرنسا جاءت تزور أمّها في جنوب لبنان، حيث العذراء مريم تنتظرها.

تريزيا، الّتي لم تتمكّن من الحجّ في حياتها، تحجّ اليوم إلينا بذخائرها. وكأنّها طفلة تنثر الورد أمام أمّها العذراء، مرتّلة: 'افتح فمي فيمتلئ روحًا".

إنّ هذا اللّقاء يمنحنا نعمتين جوهريّتين: نعمة الفرح، ونعمة الامتلاء من الرّوح القدس، تمامًا كما حدث مع أليصابات عند زيارة مريم لها، حيث ارتكض الجنين في بطنها فرحًا .

لبنان مثقل بالهموم، بقلوب حزينة ومهمومة. لكن مريم، أمّ الفرح، تمنحنا في هذا اللّقاء فرحًا سماويًّا، وفرصة لأن نعود مملوئين من الرّوح القدس، الّذي ظلّلها يوم البشارة." 

وأشار إلى معجزة شفاء القدّيسة تريزيا في طفولتها قائلًا: "عندما لم تجد تريز الصّغيرة من يشفيها على الأرض، التفتت إلى السّماء، وابتسمت لها العذراء مريم، فشُفيت ببسمة واحدة. أحيانًا، لا نحتاج إلى وعظ طويل، بل إلى ابتسامة واحدة من مريم، تمحو كلّ وجع وقلق وخوف.

نطلب اليوم من العذراء، ومع القدّيسة تريزيا، أن تبتسم للبنان، وتمنحه شفاءً وسلامًا حقيقيًّا، لعائلاتنا وقلوبنا وجنوبنا الجريح."

وتبع القدّاس بسلسلة من اللّقاءات الرّوحيّة والصّلوات مع الحركات الرّسوليّة والأخويّات والجمعيّات في البلدة والمنطقة.