لبنان
05 نيسان 2018, 13:44

ذكرى مرور 350 سنة على انتخاب المكرّم البطريرك إسطفان الدّويهي أسقفًا (1668 – 1704)

عقدت قبل ظهر اليوم ندوة صحفيّة في المركز الكاثوليكيّ للإعلام، بدعوة من اللّجنة الأسقفيّة لوسائل الإعلام، "بمناسبة ذكرى مرور 350 سنة على انتخاب المكرّم البطريرك إسطفان الدّويهي أسقفًا (1668 – 1704)"، تناولت البطريرك الدّويهي والكتاب المقدّس، تطلّعاته وإنجازاته، والبطريرك الدّويهي باقة من الألحان السّريانيّة.

 

شارك فيها مدير المركز الخوري عبده أبو كسم، أستاذ مادة الكتاب المقدّس في جامعة الرّوح القدس الكسليك الأب الدكتور أيّوب شهوان ر.ل.م، مدير الجامعة اللّبنانيّة سابقًا الدكتور جان جبّور، رئيس رابطة البطريرك الدّويهي الثّقافيّة الأستاذ بطرس وهبي الدّويهي، وحضور ميشال الدّويهي، المستشار الوزاري د. وديع جورج رفول، المهندس انطوان جول اسكندر، د. بديع أبو جوده، ولفيف من المهتمين والإعلاميّين.

أبو كسم

بداية رحّب الخوري عبده أبو كسم باسم رئيس اللّجنة الأسقفيّة لوسائل الإعلام المطران بولس مطر  بالحضور وقال:

"يشرّفني اليوم من المركز الكاثوليكيّ للإعلام أن نستضيف نخبة من رجال الفكر والعلم لنتحدّث عن المكرّم البطريرك اسطفان الدّويهي بمناسبة ذكرى مرور 350 سنة على انتخابه أسقفًا".

تابع "المعروف في كنيستنا المارونيّة أنّه كان من أعظم البطاركة علمًا، ثقافةً، تديّنًا ورعايةً، كان من الجبابرة، عاش في ظروف قاسية وصعبة، أبدًا لم يتعب من حمل صليبه. ونحن نحيي هذه الذّكرى وهناك دعوى لتقديسه في حاضرة الفاتيكان، نطلب من الله أن تظهر قداسته قريبًا".

أضاف "في هذه الأيّام نعيش في لبنان ومنطقة الشّرق الأوسط ظروف صعبة وفيها تحدّيّات على الوجود المسيحيّ، هذا الوجود من القديم هو وجود رساليّ وليس توسّع وانتشار وتحدّي للآخرين، فمهما كانت ظروفنا صعبة اليوم، إذا عدنا إلى حقبة الدّويهي وما تلاها، نرى أنّهم عاشوا في ظروف أصعب بكثير ممّا نعيش، ولم يفقدوا إيمانهم ورجاءهم وبقيت حبّة الحنطة التي انزرعت في لبنان وهذا الشّرق وأثمرت أضعاف أضعاف."

وقال "من هذا المنطلق نقول لا خوف على لبنان، ولا خوف على المسيحيّين في لبنان وفي الشّرق، لأنّنا أرض تنبت قدّيسين، عاش عليها المكرّم البطريركيّ الدّويهي، الأرض التي أعطت مار شربل، القدّيسة رفقا، القدّيس الحرديني، الأخ اسطفان والمكرّم مار يعقوب الكبّوشي، هي أرض ربيع دائم وتزهر بشكل دائم."

تابع "نحن هنا في هذا الشّرق علامة رجاء لكلّ الشّعوب، رسل سلام ومحبّة وتواصل مع الآخرين، نعرف المحافظة على وجودنا انطلاقًا من المحبّة المطلقة الذي هو سيّدنا  يسوع المسيح. وأتوجه بمناسبة عيد الفصح المجيد باطيب التّمنّيات إلى كلّ المسيحيّين الذين يتبعون التّقويم الغربيّ والتّقويم الشّرقيّ وأقول "المسيح قام حقًا قام".

الدّويهي

ثم كانت كلمة الأستاذ بطرس وهبه الدّويهي فقال:

"بمناسبة  ذكرى 350 سنة على سيامة المكرّم البطريرك الدّويهي أسقفًا على أبرشيّة قبرص المارونيّة ( 1668 – 2018 ). تمّ إطلاق (C.D) عبارة عن باقة من الألحان السّريانيّة للبطريرك الدّويهي. تأليف الأب يوحنّا الخوند، تنسيق وألحان وإدارة الأب يوسف طنّوس، غناء منفرد غادة شبير مع زياد إيمار، بالاشتراك مع جوقة جامعة الرّوح القدس – الكسليك ، إعداد وإخراج بطرس وهبه الدّويهي." 

تابع "رسم لنا الأب يوحنّا الخوند الرّاهب اللّبنانيّ ثلاث لوحات شعريّة عن حياة البطريرك الدّويهي وأعماله وفضائله. وأبى إلّا أن يؤلّف على أوزان تقليديّة من الألحان السّريانيّة القديمة التي أفرد لها الدّويهي كتابًا خاصًا."

من مؤلّفاته البطريرك الدّويهي "رؤوس المطالع السّريانيّة"، لكي يتسنّى للجميع أن يغنّوها، تقديرًا وتخليدًا للرّجل العظيم الذي بنى تاريخ أمّتنا ، لتبقى ذكراه، دنيا ودين، مفخرة وقدوة لجميع الأجيال الطّالعة." 

تابع "ما قمت به من أعمال أو إنجازات طيلة الخمسين سنة ( 1968 – 2018) مع بعض الرّفاق في رابطة البطريرك الدّويهي الثّقافية، أدين به إلى أمرين: ثقافتي اللّبنانية المارونيّة، ودورها في تاريخ لبنان، وثانيًا ثقتكم الغالية والكاملة من جهة أخرى، الذي ساعدني على تنفيذ ما تمَّ إنجازه من مشاريع فهو مؤازرة وثقة جميع أعضاء المجالس أعضاء الرابطة ولجنة ملاحقة دعوى تطويبية التي تعاقبت فترة الخمسين سنة رحم الله الذين سبقونا إلى عالم الخلود، وأخذ بيد الباقين لمتابعة ملف دعوى تطويبه. ملفه مهمول في لبنان بكلّ صراحة. "

وقال "يا أصحاب السّيادة، أطلب مساعدتكم من قبل طالب الدّعوى ، منذ سنة 2008 لم يقدم بعد رتبة الطّوباويّ إلى مجمّع القدّيسين في روما، مع العلم هناك شفاءات أجراها الله بشفاعة المكرّم البطريرك الدّويهي، غير شفاء السّيّد بدوي فنيانوس، الذي أهمل ملفه. واليوم هناك شفاء السّيّدة نظيرة غزالة عاقلة، شفاء الأخ المونسنيور بجاني في أميركا، شفاء السّيّدة روزات كرم، وشفاء السّيّد أنطونيو غالب ...  مع العلم أنّ المال مؤمّن من قبل أحد أبناء زغرتا صهر العائلة الدويهية السيد إدمون قبشي." عشر سنوات ولم ينتهِ بعد من تقديم ملف رتبة الطّوباوي، مع العلم أنّه لا يستغرق عمله أكثر من ثلاثة أشهر.  ونقول التّأخير لتقديم ملف رتبة الطّوباوي للبطريرك الدّويهي ليس لمصلحتنا." 

جبور

ثم كانت مداخلة د. جان جبور تمحورت حول الدّويهي بطريـركًا تطلّعات وإنجازات جاء فيها:

"يقتصر كلامي على الفترة التي تولّى فيها الدّويهي السّدّة البطريركيّة من 20 أيار 1670 وكان حينها مطرانًا على قبرص وفي الأربعين من عمره، حتى وفاته في قنوبين في 3 أيار 1704." 

وقال "بالاختصار، إن من يدقّق في سيرة البطريرك الدّويهي يُدرك، كما يُجمع المؤرّخون، على أنّه لم يذق طعم الرّاحة ولم ينعم بأيّة فترة استقرار، بل أمضى الحيّز الأكبر من ولايته البطريركيّة يفرّ من مخبأ إلى آخر ويلملم آثار الحروب والمظالم والمتغيّرات السّياسيّة. لكنّ المفارقة أنّه في هذه الفترة بالذّات شهدت الطّائفة على يده أكبر ورشة تنظيميّة شبه مؤسّسيّة لا تزال مفاعيلها إلى يومنا الحاضر."

تابع "لم تمنع كلّ هذه الظروف السّيّئة البطريرك الدّويهي من المبادرة بكل ما أوتي من علم ومعرفة وعزم وطيد إلى إطلاق ورشة نهضويّة. فهو بدأ مذ تسلّمه البطريركيّة بتنظيم شؤون طائفته وتحديثها متأثّرًا بتنظيمات المجمع التّريدنتيني في أوروبا. لكنّه حافظ على توازن سليم بين الانفتاح على كنيسة روما، حيث حصّل ثقافته، وبين الإبقاء على خصوصيّات الكنيسة المارونيّة الأنطاكيّة السّريانيّة التي تعيش جنبًا إلى جنب مع سائر الكنائس الشّرقيّة، تحيط بها شعوب من غير المسيحيّين."

أضاف "كان هاجسه إعطاء الطائفة هُويّة مشرقية مطعّمة بتنظيم لاتيني غربي، أي الجمع بين الأصالة والحداثة. لذا كان شديد الحرص على أن يختار معاونيه من أساقفة وكهنة من بين أصحاب الكفاءة، فكان أن رسم أربعة عشر مطرانًا خلال بطريركيّته، جُلّهم من تلامذة المدرسة المارونيّة في روما. وقد واكب هذا العمل عمليّة تنقيح للكتب الطّقسيّة والعقيديّة فنقّاها من البدع والهرطقات بحيث لم يدع في مضامينها أو تعابيرها شيئًا يخالف العقيدة الكاثوليكيّة، خاصّة بعد أن كثُر كلام المغرضين لدى الكرسيّ الرّسوليّ بأنّ الموارنة وقعوا في الهرطقة."

أردف "ومن أجل تسريع عمليّة النّهضة راح الدّويهي يكثّف من إيفاد الطّلاب إلى روما ويتابع مسارهم العلميّ ويحضّهم في مراسلاته على الكّدّ والنّجاح لأنّ "الحصاد كثير والفعلة قليلون" كما يكتب لهم في إحدى رسائله. ولدى عودة هؤلاء الطّلاب كان يرسلهم إلى الرّعايا البعيدة والمعزولة من أجل التّعليم ونشر الإيمان الصّحيح، ولا يتوانى هو نفسه عن زيارة هذه الرّعايا وتفقّد أحوالها وحضّ سكّانها على التّمسّك بالإيمان وبالأرض. وهو من أجل نشر العلم والإيمان أسّس في دير مار شلّيطا مقبس في غوسطا-كسروان مركز بحوث وأوّل مكتبة جمع فيها المخطوطات."

تابع "إلى ذلك، أولى عناية خاصة بالوضع الرّهبانيّ الذي كان يشكو من التّشرذم والتّشتّت، فوضع للرّهبنة اللّبنانية قوانين صارمة تقوم على العفّة والطّاعة والفقر والتّواضع، وقد عقد الرّهبان أكثر من مجمع تحت إشرافه وأتمّوا تنظيم الرّهبنة. وفي عهده قام الحلبيّون أيضًا بتأسيس رهبنتهم، وكان لهم خير مشجّع. غير أنّه لم يقم بمنحهم  التّثبيت إلّا في عام 1703 بعد أن رأى حسن سلوك الرّهبان وإعطائهم المثل الصّالح وتشبّثهم بالمنهج الرّهبانيّ الصّحيح."

أضاف "واكب عمليّة التّصحيح العقائديّ والنّهضة الدّينيّة، نهضة عمرانيّة. وقد ورد في مخطوط سريانيّ محفوظ في الفاتيكان لائحة بالكنائس التي بناها وكرّسها البطريرك الدّويهي، وقد بلغ عددها اثنتان وثلاثين كنيسة، هذا عدا عن عشرات الكنائس والأديار التي أصلحها أو رمّمها."

وقال "إلى جانب الاهتمام بالأمور الدّينيّة، كان رجل إدارة. فهو تسلّم بطريركيّة تنوء تحت الدّيون لكثرة الضّرائب وجَوْر الحكّام وتقلّب الأحوال وانتشار الأوبئة والقحط، فعقد العزم منذ اليوم الأول على إصلاح الشّؤون المادّيّة." فكان أن تخلّص من الدّيون بسرعة قياسيّة، وما فاض من المال راح يشتري به عقارات للبطريركيّة دوّنها في السّجلّ المعروف بصكوك أرزاق الكرسيّ."

تابع "وما يزيد من ألق هذا البطريرك العظيم هو أنّه كان رجل انفتاح. فهو إلى جانب دفاعه عن الكثلكة وعمّا تمثّله في الشّرق، ساعد الطّوائف الشّرقية المسيحيّة، السّريان الكاثوليك والأرمن الكاثوليك، فكان يدافع عنهم في الاضّطهاد والملمّات ويقدّم لهم الحماية والرّعاية. كذلك كان على اتّصال بأساقفة الرّوم، حيث يذكر المؤرخون حضوره مجمعًا عُقد في طرابلس دُعي إليه أساقفة الرّوم، فحضره كثيرون منهم ووقّع البعض على التّقارير التي صدرت عنه. إلّا أّن اللّافت في هذا المجال هو العلاقات الطّيبة التي جمعته بالطّوائف غير المسيحيّة، سيّما بالدّروز، وقد صادق المعنيّين صداقة حميمة ولجأ إليهم في الصّعوبات، فأحبّوه وأحبّهم وأسهم هذا الجو من الثّقة في تمدّد الموارنة إلى القرى الشّوفيّة".

أضاف "إلّا أن انفتاحه الكبير كان باّتجاه الغرب، وبصورة خاصّة على الكرسيّ الرّسوليّ وفرنسا. ففي عهده انتفى أيّ تشويش في العلاقة بين روما والطّائفة المارونيّة. أما علاقته الوطيدة بفرنسا فتشهد عليها مراسلاته مع الملك لويس الرّابع عشر الذي طلب إلى موفده إلى السّلطان محمد الرّابع الماركيز دو نوانتيل (Charles-Marie-François Olier, marquis de Nointel) الصّعود إلى قنوبين وزيارة البطريرك."

وقال "إنّ هذا الرّجل العظيم كان على تواضع عظيم، يشهد على ذلك كيفيّة تعامله مع الفلّاحين والنّاس البسطاء، كما كان عادلًا ومنصفًا في أحكامه، لذا منحه الله مواهب خارقة فجرت على يديه آيات ذكرها معظم كاتبي سيرته، بحيث ينطبق عليه ما قاله السّيّد لتلاميذه : "لكنّكم ستنالون قوة متى حلّ الرّوح القدس عليكم".

وختم بالقول "بالفعل، اعتلى الدّويهي السّدّة البطريركيّة لمدّة أربعة وثلاثين عامًا كانت كافية لتطبع تاريخ الموارنة طيلة قرون. فكان راعيًا ومعلّمًا ومؤرّخًا ومصحّحًا للعقيدة ومنظّمًا للطّائفة وناشرًا للعلم والوعي في صفوف أبنائها، لذا فهو "المثال والمثل والشّفيع والقدّيس"، كما ورد في العنوان الثّانويّ لكتاب بطرس الدّويهي. من هنا ترانا نردّد مع البطريرك الكاردينال المعوشي، رحمه الله : "فليستلهم كلّ مارونيّ ولبنانيّ سيرة حياة البطريرك الدّويهيّ القدّيس ليظلّ لبنان منارة علم وفضيلة وتقوى".

شهوان

ثمّ كانت مداخلة الأب أيّوب شهوان عن البطريرك الدّويهيّ والكتاب المقدّس جاء فيها:

"لدى قراءتِنا مؤلّفاتِ البطريركِ العلاّمةِ إسطفانوسَ الدّويهيِّ نتبيّنُ أنّه يَستشهدُ بالكتابِ المقدّسِ بشكلٍ ملفتٍ للنّظر، وأنّ هناك تنوّعًا واختلافًا ملحوظَين في استشهاداتِه."

تابع "ثلاثةُ مصادرَ رئيسيّةٍ يمكنُنا الاستنادُ إليها لمعرفةِ كيفيّةِ اكتسابِ الدّويهيّ معرفتَه البيبليّة، هي التّاليّة: الأوّل اللّيتورجيّا السّريانيّة المارونيّة، الثّاني دروس الدّويهيّ في روما والمصدر الثّالث تأمّلاتُ الدّويهيّ. هذه هي بالإيجازِ المصادرُ الثّلاثةُ التي جَعَلتِ الدّويهيَّ يُلِمُّ بالكتابِ المقدّسِ إلمامًا كبيرًا ومثاليًّا، يجعلُ منه قدوةً للمؤمنِ والباحثِ البيبليِّ على حدٍّ سواء، إلى حدِّ أنّه بإمكانِنا اعتبارُه، هو شخصيًّا، بيبليًّا بامتياز."

أضاف "يبدو أنّ الدّويهيَّ كان يُعَرِّبُ شخصيًّا نصَّه البيبليَّ انطلاقًا من الفولغاتا (Vulgata) اللّاتينيّةِ ومن البشيطتا السّريانيّة؛ البرهانُ على ذلك هو ما يلي: ليستِ التّرجماتُ التي يوردُها هي التّرجماتُ العربيّةُ التي طُبعتْ بدءًا من سنة 1591، من جهّة، كما أنّ ترجمةَ الآيةِ عينِها ليستْ هي ذاتَها دائمًا في مؤلّفاته، من جهة ثانية. نشيرُ هنا إلى أنّ النصَّ العربيَّ البيبليَّ الأكثرَ شهرةً في أيّامِه كان الكتابَ المقدّسَ العربيَّ (La Biblia arabica)، الذي طُبِعَ في ثلاثةِ مجلّداتٍ سنة 1671، وهو ترجمةُ سركيس الرزّيّ (+ 1538). يستشهدُ الدّويهيُّ أحيانًا بالكتابِ المقدّسِ في السّريانيّة، أو يُضيفُ هذا إلى الاستشهادِ الذي يورد في العربيّة. من الطّبيعيِّ الاعتقادُ أنّ الدّويهيَّ كان يَستعمِلُ على الأغلبِ السّريانيّةَ، لغةَ ليتورجيّتِه المارونيّة."

أردف "يُدرِجُ الدّويهيُّ في مؤلّفاتِه آياتٍ بيبليّةً، إمّا بشكلٍ حرفيٍّ ودقيق، وإمّا عن ظهرِ قلب؛ هذا ما يُفَسِّرُ بعضَ الاختلاف وقلّةَ الدِّقَّةِ أحيانًا في استشهاداته. يلي الاستشهاد عنده، بشكلٍ ثابتٍ تقريبًا، تفسيرٌ له، لِكَوْنِ البطريرك يدركُ ضرورةَ تفسيرِ الكتاب، ولا عجبَ في ذلك، فهو عالمٌ وراعٍ في آنٍ معًا.على سبيلِ المثال: في كتابِه المنائر العشر، وفي المدخلِ إلى "المنارةِ الثانية"، يستشهدُ، وفي صفحةِ واحدة، ستَّ مرّاتٍ بالكتابِ المقدّس."

وقال "يتمتّع الكتاب المقدّس لدى الدّويهيّ بمكانةٍ مميّزة، إنْ في حياته الخاصّة، وإن في مؤلّفاته، كما يتأكّد ذلك لدى قراءة هذه المؤلَّفات؛ فإذا شاء، مثلًا، أن يفسّرَ السّرَّ المسيحيّ، أعطى خلاصةً يصوغُها بلغةٍ بيبليّة، مع كمّيّةٍ هامّةٍ من الاستشهادات. بنظرِه، على اللّاهوتِ أن يبيّنَ ويُبرزَ التّوافقَ بين تعليمِ كنيستِه وبين المعطياتِ البيبليّة."

تابع "من الواضحِ أنّ الكتابَ المقدّسَ يعجُّ بالرّمزيّةِ وبالرّموز. يعودُ الدويهيُّ إلى هذه الأخيرِة ليفسّرَ الحقائقَ الكنسيّةَ الرّمزيّة؛ لذا نصادفُ لديه، في الكثيرِ من النّصوص، العديدَ مِنَ الاستشهاداتِ البيبليّةِ التي تَتَضَمَّنُ رموزًا. هذه المنهجيّةُ التي اتّبعَها، طبّقَها أيضًا على تفسيرِ الطّقوسِ والأدواتِ الطّقسيّة."

وعن التّفسيرُ الكتابيُّ لدى الدّويهيّ قال "إذا كان صحيحًا أنّ الدّويهيّ يستشهدُ كثيرًا بالأسفارِ المقدّسة، فينبغي القولُ أيضًا إنّه يعلّقُ عليها ويفسُّرها. ومن الملفتِ للنّظرِ أنّه، وفي خطّ التّفسير الأنطاكيّ، يسعى في إثرِ المعنى الحرفيِّ للنّصِّ البيبليّ، لينتقلَ منه إلى المعنى الرّوحيّ، الذي يتضمّنُه المعنى الحرفيّ."

تابع "يجب عدمُ إهمالِ حقيقةٍ هامّة، ألا وهي أنّ اللّيتورجيّا المارونيّة، المليئةَ بالاستشهاداتِ البيبليّةِ وبالرّموزِ المتنوّعة، قد ساهمتْ كثيرًا في تكوينِ مسيرةِ الدّويهيِّ البيبليّةِ التّفسيريّةِ وتدعيمِها."

أضاف "من حيث المنهجيّةُ، يبلغُ الدّويهيُّ المعنى الكاملَ لنصٍّ بيبليّ، بوَضْعِ هذا الأخيرَ أوّلًا في إطارِه الأدبيِّ المباشَر، موضِحًا في الغالبِ المناسبةَ التي قِيلَتْ فيها هذه الآية أو تلك. ويسعى إلى أن يكونَ تفسيرُه، كما يؤكّدُ هو شخصيًّا، متطابقًا مع الوحيِ المسيحيّ، ولا يتعارضُ مع السّرِّ المسيحيّ. ما كان يهمُّ الدّويهيّ هو أن يعطيَ قُرَّاءَه إمكانيّةَ البلوغِ إلى الكتاب المقدّس ومكنوّناتِه العظيمة، لذا خلّفَ لنا لاهوتًا وتعليمًا روحيًّا متجذّرَين جدًّا في الكتاب المقدّس. "

قال "إنطلاقًا ممّا تقدّم، يكفي أن نلقي نظرة على كتاباتِ الدّويهيّ لنتبيّنَ أنّه يَستشهدُ غالبًا بالكتابِ المقدّس، وأنّ هذا الأخيرَ هو عنصرٌ أساسيٌّ في مؤلّفاتِه: في منارة الأقداس، تَرِد في المقطع السّادس من الفصل الثّالث من "منارة السّبعة"، معضلةُ استعمالِ الأنافوراتِ في ترجمةٍ عربيّة، حيث يُبدي الدّويهيّ ملاحظاتٍ هامّةً جدًّا يمكنُها أن تُعطيَنا فكرةً أيضًا عن موقفِه من ترجمةِ الكتابِ المقدّسِ العربيّة."

تابع "كان الدّويهيّ يعرفُ جيّدًا أنّ ترجماتٍ عربيّةً للكتاب المقدّس كانت موجودة، وكان يُقِرُّ بضرورتِها، لِكَونِ "اللّغةِ العربيّةِ كانت قدِ انتشرتْ وأصبحتْ شائعةً في هذه البلاد وفي غيرِها"، و"أنّ الآباءَ الأقدميَن قد حرّروا الأناجيل، وكتبوا الرّسائل... في كلّ بلد، وفقَ لغّةِ البلد". و"أنّه، بالرّغم من ذلك، كانتِ السّريانيّةُ هي المفضَّلةَ لديه بسببِ طابعِها المقدّس، وارتباطِها الحميمِ مع التّقليد، ولأنّ "لغّةَ هذا الكرسيِّ البطريركيِّ الطقسيّةَ هي السّريانيّة". وأنّه، إضافةً إلى ذلك، هناك مسألةٌ عمليّةٌ تجعلُ السّريانيّةَ مفضَّلةً، هي التّالية: "التّرجمةُ السّريانيّةُ للكتب المقدّسة هي واحدةٌ لدى كلِّ سكّان المشرق"، في حين أنّه، "على العكس من ذلك، الكتبُ العربيّةُ غيرُ موحَّدَة". من الواضح إذًا أنّ هناك ترجمةً سريانيّةً للكتاب المقدّس مقبولةً عالميًّا، وبالتّالي، بطريقةٍ ما، "رسميّة"، في حين يبدو أنّ الدّويهيّ لا يعترفُ بهذا الطّابع للتّرجمات العربيّة التي كانت متداولة."

أضاف "يستعملُ الدّويهيُّ الكتابَ المقدّسَ بكثرة، خاصّةً في المؤلّفاتِ التي يَطْرَحُ فيها أفكارَه الشّخصيّةَ، لأنّه، كما يمكنُنا أنْ نُبِيِّنَ ذلك جيّدًا، عندما يُصِرُّ على أنْ يَعمَلَ تأريخًا للأحداثِ مجرَّدًا، ليس له فرصٌ لإدخالِ استشهاداتٍ بيبليّة؛ هذا هو حالُ كتابِ تاريخِ الأزمنة، وكتابِ سلسلةِ بطاركةِ الطّائفةِ المارونيّة. على عكس ذلك، نجدُ استشهاداتٍ بيبليّةً في كتابِ الشّرعِ المختصر، وهو مؤلَّفٌ تاريخيٌّ ودفاعيٌّ في آنٍ معًا، خاصّةً في جزئِه الأوّل، علاوةً على كتابِه اللّيتورجيّ، منارة الأقداس، الذي يتضمّنُ استشهاداتٍ كتابيّةً كثيرة. "

وختم الأب شهوان "لم يَتْرُكِ الدّويهيُّ شروحاتٍ منسَّقةً أو متتابعةً للكتابِ المقدّس، ولم يَقُمْ بمجهوداتٍ استثنائيّةٍ لكي يَضَعَ كتابًا من هذا النّوعِ بين أيدي المؤمنين. مع هذا، تَضجُّ مؤلّفاتُه بحضورٍ قويٍّ للكتابِ المقدّس، بعهدَيْهِ القديم والجديد، الذي يَعودُ إليه بشكلٍ دائمٍ بمهارةٍ لافتةٍ وروحٍ علميّةٍ بَـيِّـنَة."