ثقافة ومجتمع
04 شباط 2016, 08:34

رحلت "الذّكرى" وحلّت "السَّكرة"، فهل تعود؟

ريتا كرم
بين العيد والعادة، مشهد يتكرّر سنويّاً في كلّ بيت مسيحيّ ليلة الخميس السّابقة للصّوم الكبير: المائدة جُهّزت، كلّ أنواع المأكولات حُضّرت للمناسبة من بياض ولحوم ودسم، الكلّ متحلّق حولها وها إنّ كأس الخمر يأتي ليترافق مع القائمة المعدّة ويكمّلها. وبين اللّقمة والأخرى، رشفة من هذا الكأس ونخب يرفعه المجتمعون: "كاس هالجَمعة!"، "عقبال كل سنة!"... "يرحم موتاكم!" ولكن لماذا النّخب الأخير؟

فبين التّقليد الشّعبيّ وأصل هذا اللّقاء، اختلطت المفاهيم وتحوّلت "الذّكرى" إلى "سَكرة" في خميس عُهد لذكرى الموتى الّذين غابوا بالجسد بعد أن سكروا بالله. وفي التّفاصيل، "الذّكارى" عبارة تستخدمها الطّائفة السّريانيّة، إشارة إلى أسبوع الموتى الّذي تحتفل به الكنيسة قبل بدء زمن الصّوم فيهيّئ هذا "الخميس" لمسيرة الرّوح بحيث تقوم العادات الّتي فرضها البشر أنفسهم، من دون أن تضعها الكنيسة ضمن رزنامة أعيادها أو ينصّ عليها الكتاب المقدّس، برفع الزّفر ورفع موتاهم إلى الله طالبين لهم الرّحمة متذكّرين إيّاهم في هذا اللّقاء الّذي بات يفتقد وجودهم الجسديّ سنة تلو الأخرى.

ولكن كثيرون حوّلوا هذه العادة من معناها الرّوحيّ الرّمزيّ إلى مناسبة مادّيّة بحتة، فتكثر الإعلانات لسهرات في تلك اللّيلة تحلّل السّكر وأضراره، وتمتلأ المطاعم بروّادها وسط عروض مغرية لمشروب مفتوح حتّى ساعات الصّباح الأولى، وتفرغ المناسبة من جوهرها ويترنّح السّاهرون "سكارى" بسبب رشفة خمر زائدة.

وأمام هذين المشهدين، ليس عيب أن نشرب رشفة من هذا الكأس على نيّة من غابوا، وأن نستطيب اللّقاء ونستطيب طعامه ومشروبه بجوّ فرح ومحبّة يرسّخ الرّوابط العائليّة ويشدّ أواصرها. ولكن العيب في أن تغيب "الذّكرى" لتحلّ "السَّكرة"، ونتناسى خمرة المسيح الّتي شربها تمهيداً لموته وقيامته، وألّا نرتشف من كأسه المليء حبّاً وعطاء، فعندئذ حتّى "الفَكرة" لا تفيد.