رسالة البابا فرنسيس إلى المعهد الحبريّ الشّرقيّ في الذكرى المئويّة الأولى لتأسيسه
"لقد أراد سلفي المكّرّم، قبل نصف قرن من القرار المجمعيّ في الكنائس الشّرقيّة "Orientalium Ecclesiarum"، أن يلفت الاهتمام إلى غنى الكنائس الشّرقيّة الرّائع بتأسيسه هنا في روما في الخامس من تشرين الأول/ أكتوبر عام 1917 للمعهد الحبريّ الشّرقيّ. ولهذا التّأسيس عاد البابا بنديكتس السّادس عشر إلى الانفتاح على الشّرق والّذي بدأ مع المؤتمر القربانيّ في القدس عام 1893، آملاً هكذا بأن يخلق مركز دراسات يكون مقرًّا مناسبًا للدّراسات العليا حول المسائل الشّرقيّة وموجّهًا أيضًا لتنشئة الكهنة اللّاتين الّذين يريدون ممارسة خدمتهم الكهنوتيّة بين الشّرقيّين".
تابع الحبر الأعظم يقول: "عام 1928 ومن خلال الرّسالة العامّة "Rerum Orientalum" حول تعزيز الدّراسات الشّرقيّة دعا الأب الأقدس الأساقفة كي يرسلوا تلاميذًا إلى المعهد الشّرقيّ ليضمنوا هكذا في كلّ إكليريكيّة وجود أستاذ قادر على نقل بعض عناصر الدّراسات الشّرقيّة، وقد تبع هذه الرّسالة العامّة الإرادة الرّسوليّة "Quod maxime" الّتي تمَّ بواسطتها ضمّ المعهد الشّرقيّ إلى جامعة الغريغوريانا الحبريّة.
يقودنا النّظر إلى التّاريخ لنتساءل حول رسالة هذا المعهد في المستقبل. فإن وُجد لدى تأسيسه نوعًا من التّضارب بين الدّراسة والعمل الرّاعويّ علينا أن نعترف اليوم أنّ هذا التّناقض لم يعد موجودًا، وبالتّالي أدعو الأساتذة كي يضعوا البحث العلميّ في طليعة التزاماتهم على مثال أسلافهم الّذين تميّزوا بالإسهامات القيّمة في الأُفرودات المتعمِّقة والمنشورات الدّقيقة في المراجع اللّيتورجيّة والرّوحيّة والقانونيّة. من جهة أخرى، يضع الزّمن الّذي نعيش فيه، والتّحدّيات الّتي يحملها الحقد والحرب إلى جذور التّعايش السّلميّ في أرض الشّرق المعذّبة، المعهد الشّرقيّ مرّة أخرى كما لمائة سنة خلت في تقاطع طرق مؤات.
وإذ تحافظون على الاهتمام بالبحث التّقليديّ وتطبيقه، تابع البابا فرنسيس يقول، أدعوكم جميعًا كي تقدّموا لتلك الكنائس وللجماعة الكنسيّة بأسرها القدرة على الإصغاء للحياة والتّأمّل اللّاهوتيّ فتعضدها في مسيرتها وحياتها. يملك هذا المعهد، بفضل البحث والتّعليم والشّهادة، مهمّة مساعدة إخوتنا وأخواتنا كي يقوّوا ويرسِّخوا إيمانهم إزاء التّحدّيات المخيفة الّتي يواجهونها، وبالتّالي هو مدعوّ ليكون مكانًا لتعزيز تنشئة رجال ونساء وإكليريكيّين وكهنة وعلمانيّين قادرين على تقديم دليل للرَّجاء الّذي يحرِّكهم ويعضدهم وقادرين على الإسهام في خدمة المسيح للمصالحة."
وأضاف: "أحثُّ الأساتذة كي يحافظوا على الانفتاح على جميع الكنائس الشّرقيّة؛ أمّا فيما يتعلّق بالكنائس الشّرقيّة الموقَّرة، والّتي نسير معها نحو ملء الشّركة فيما تتابع مسيرتها بشكل مُستقلّ، على المعهد الشّرقيّ أن يحمل قدمًا رسالة مسكونيّة من خلال الاهتمام بالعلاقات الأخويّة والدّراسات المعمَّقة للمسائل الّتي لا تزال تفصلنا، في انتظار الوقت الّذي يريده الرّبّ والأسلوب الّذي يعرفه وحده لكي نكون جميعنا واحد. ومع سقوط الأنظمة التّوتاليتاريّة والدّيكتاتوريّات الأخرى الّتي وللأسف خلقت أوضاعًا عزّزت انتشار الإرهاب العالميّ، يختبر مسيحيّو الكنائس الشّرقيّة اضطهادات مُقلقة ولا يمكن لأحد أن يغلق عيونه عنها، وكجزء من الكنيسة "المُنطلقة" إنَّ المعهد الشّرقيّ مدعوّ ليضع نفسه في إصغاء مصلّي لتفهم ما يريده الرّبّ في هذا الوقت بالذّات".
وختم البابا فرنسيس رسالته بالقول: "إذ أتّحد معكم في رفع الشّكر إلى الله من أجل العمل الّذي تمَّ القيام به خلال هذه السّنوات المائة. أتمنّى أن يتابع المعهد الشّرقيّ بدفع متجدّد لرسالته من خلال درس ونشر تقاليد الكنائس الشّرقيّة بتنوّعها اللّيتورجيّ واللّاهوتيّ والفنّيّ والقانونيّ بصدق ومحبّة، بدقّة علميّة ومنظار راعويّ، مجيبًا على الدّوام بشكل أفضل على انتظارات عالم اليوم في سبيل خلق مستقبل مصالحة وسلام".