رسالة الميلاد للبطريرك مار آوا الثّالث
"... "ابنه الَّذِي وُلِدَ مِن نَسْلِ دَاوُدَ بِحَسَبِ الطَّبيعةِ البَشَرِيَّة، وجُعِلَ ابْنَ اللَّهِ فِي القُدْرَةِ، بِحَسَبِ روحِ القداسة، بقيامته من بين الأموات، ألا وهو يسوع المسيح ربّنا ..." (رومية 1: 3-4)
النّعمة والسّلام معكم جميعًا. تدعونا كنيسة الله المقدّسة مرّة أخرى بواسطة أساسها الطّقسيّ، للاحتفال بالعيد المجيد لميلاد ربّنا ومخلّصنا يسوع المسيح بالجسد. إذ تُعِدُّنا الكنيسة المقدّسة أوّلًا من خلال آحاد زمن البشارة" (سوبارا) الأربعة، الّتي تستذكر أعمال الله العجيبة في العهد القديم. هذه الآيات العجيبة تشير إلى جلال الله وسلطانه على كلّ الخليقة: البشارة بميلاد إسحق لإبراهيم وسارة، والخبر السّارّ لـ"حنّة" أمّ صموئيل النّبيّ، وأمّ شمشون، وأخيرًا بشارة جبرائيل لزكريّا وأليصابات الزّوجين العاقرين بميلاد القدّيس يوحنّا المعمدان. من خلال هذه الأساليب، أعلن الله البشارة بميلاد الأبرار والصّدّيقين في العهد القديم.
ولكن مع حلول العهد الجديد، حَدَثَ أمر فريد لم يُسمع به من قبل في التّاريخ البشريّ: الملاك جبرائيل يبشّر مريم العذراء القدّيسة والمباركة بأنّها ستحبل وتلد ابنًا... ابنَ العَلِيِّ يُدعى" (لوقا 1: 32)، والّذي "... يُخَلِّصُ شَعَبَه مِن خطاياهم" (متّی 1: 21). هكذا، فإنّ الحبل وميلاد الرّبّ يسوع المسيح من العذراء مريم هو عمل إلهيّ فريد ووحيد، يتجاوز تمامًا الطّبيعة والفهم البشريّين. ففي شخص الرّبّ يسوع المسيح، يلتقي اللّاهوت والنّاسوت ويتّحدان اتّحادًا لا ينفصل إلى الأبد. ومن خلال هذا الفعل غير المدرك للآب، جعل الخلاص ممكنًا للبشريّة جمعاء- لأولئك الّذين يؤمنون بالمسيح يسوع ربًّا وإلهًا ومخلّصًا.
يُعبّر رسول الأمم، الطّوباويّ مار بولس الرّسول، عن سرّ التّجسّد الإلهيّ لابن الله في رسالته إلى أهل رومية، مشيرًا إلى أنّ مجيء المسيح قد أعلن عنه الله منذ البداية من خلال الأنبياء القدّيسين الّذين تكلّموا مُسبقًا عن سرّ ميلاد المسيح بوحي من الرّوح القدس. لقد أعلن هؤلاء الأنبياء سلفًا أنّ ابن الله نفسه ولد بالجسد من نسل بيت داود، الّذي أشار إليه الملاك بـ"أب" الطّفل المولود من العذراء بالجسد. فقد وعد الله الملك داود قديمًا بأنّه سيثبت عرشه إلى الأبد ويُقيم الوارث الأبديّ لعرش داود. وبالفعل، كان المسيح من سلالة داود بحسب الجسد. علاوة على ذلك، يؤكّد القدّيس بولس أنّ هذا المسيح والابن عينه قد أُعلن أمام الشّعب والأمم أنّه ابن الله من خلال المعجزات الإلهيّة الّتي صنعها وبقوّة الرّوح القدس. لذلك، في الرّبّ الواحد يسوع المسيح، تتّحد طبيعتا اللّاهوت والنّاسوت بطريقة سرّيّة، ويُعلن عنه ويُسجد له في الشّخص الفريد لابن الله الّذي صار إنسانًا من أجل خلاصنا.
أيّها الأحبّاء في المسيح: لتوجّه انتباهنا طوال العام الجديد القادم نحو تعزيز وتنمية الدّعوات الكهنوتيّة بين شبابنا. فمن الواضح أنّه مع انتشار الكنيسة المقدّسة في ما لا يقلّ عن خمسين دولة في العالم، تواجه رسالة الكنيسة وعملها تحدّيات متزايدة بسبب الحاجة إلى خدّام مرسومين للتّقدّم وخدمة المؤمنين أينما وجدوا وبالطّبع، يحتاج الشّابّ إلى أن يُحبّ الله وكنيسته المقدّسة محبّة جمة، لكي يُلهم ويسمع صوت الله في حياته، ليخدم الكنيسة في مختلف الدّرجات الكهنوتيّة الّتي يدعى إليها. كما يتطلّب الأمر الكثير من التّضحية والتّفاني من المرشّحين للكهنوت ولكن عندما تدرك أنّها دعوة مقدّسة جدًّا- دعوة حقيقيّة من الرّبّ نفسه يمكن للمرء أن يصغي بسهولة أكبر لصوت الله الّذي يجذبه الخدمة الرّعيّة المقدّسة الّتي اشتراها المسيح بدمه. لذلك، أطلب من جميع إخوتنا الأخبار الأجلّاء، وأبنائنا الرّوحيّين الكهنة، وعلى وجه الخصوص الوالدين في كلّ أبرشيّة ورعيّة من رعيّات كنيستنا حول العالم، أن يلهموا الشّباب في رعيّتهم لكي لا يخافوا، ويتقدّموا لخدمة الله وشعبه المقدّس. يجب أن يكون لدينا برامج على كافّة المستويات الرّعويّة والأبرشيّة، لرعاية هذه الدّعوات وتدريب المرشّحين لخدمة الكنيسة من النّاحيتين الرّوحيّة والتّعليميّة. وإلى جانب التّنشئة الرّوحيّة، يجب تعليم الطّامحين للرّتب الكهنوتيّة الإيمان الصّحيح والقويم لكنيسة المشرق الآشوريّة. وبدورهم يجب أن يكونوا أمناء لما تعلّموه وأن يُعلّموه لمن وضعوا تحت إرشادهم الرّوحيّ، لاسيّما الأطفال وشبيبة الكنيسة.
ختامًا، يسرّنا أن تشجّع شبيبة الكنيسة في جميع أنحاء العالم للمشاركة في المؤتمر الدّوليّ الثّاني للشّبيبة، والّذي سيعقد في دهوك، من 19 إلى 26 حزيران من العام الجديد. لقد وضعت الخطط بالفعل، ونحثّ شبابنا على المشاركة. هذا الحدث المميّز يقام كلّ ثلاث سنوات في الوطن الأمّ. ومن خلال هذا التّجمّع الدّوليّ لشبيبة الكنيسة في موطننا القديم وأرض أجدادنا، تودّ الكنيسة أن تغرس في شبابنا، وخاصّة المقيمين في بلاد الاغتراب ضرورة الارتباط الدّائم بجذورهم من حيث إيمانهم المسيحيّ كأبناء الكنيسة المشرق الآشوريّة، وهويّتهم القوميّة العريقة كآشوريّين تشجّعكم على المشاركة أيّها الشّباب الأحبّاء، ونتطلّع لرؤيتكم هنا في وطننا.
في الختام، تبارك العيد المقدّس لميلاد ربّنا يسوع المسيح إلى جميع أبناء كنيستنا الأحبّاء وإلى أمّتنا الآشوريّة بأكملها، متضرّعين إلى الله أن يغدق عليكم جميعًا فيض بركاته، ونصلّي من أجل جميع النّازحين في مختلف أنحاء العالم ولاجئي شعبنا المشتّتين بين دول الشّرق الأوسط. كما نصلّي أن يحلّ سلام الرّبّ بين جميع الدّول المتحاربة والمتصارعة فيما بينها. نقدّم تهانينا الصّادقة بميلاد الرّبّ لجميع إخوتنا وأخواتنا المسيحيّين في كافّة أرجاء المعمورة، مُصلّين أن يكون العام الجديد 2026 مصدر أمل متجدّد للبشريّة جمعاء. لتكن نعمة ربّنا يسوع المسيح معنا جميعًا إلى الأبد. آمين".
