أميركا
30 نيسان 2021, 09:30

رسالة من البابا فرنسيس إلى الشّعب الفنزويلّي في يوم تطويب خوسيه هيرنانديز!

تيلي لوميار/ نورسات
أعلن البابا فرنسيس في وثيقة بتاريخ 26 نيسان/ إبريل 2021 المؤمن العلمانيّ خادم الله خوسيه غريغوريو هيرنانديز سيسنيروس، والّذي سيُحتفل اليوم بتطويبه في كاراكاس، شفيعًا لدورات علوم السّلام الّتي أسّسها في جامعة اللّاتيران الحبريّة في 12 تشرين الثّاني/ نوفمبر 2018، هذا إلى جانب شفيع هذه الدّراسات الطّوباويّ جوفاني ديلا باتشي.

ولمناسبة الاحتفال بإعلان تطويب هيرنانديز اليوم، أرسل البابا فرنسيس رسالة مصوّرة إلى الشّعب الفنزويلّي قال فيها بحسب "فاتيكان نيوز": "أعلم مدى الحماس الّذي كنتم تنتظرون به لسنوات عديدة اللّحظة الّتي ستؤكّد فيها الكنيسة شيئًا أنتم تؤمنون به بشكل راسخ: أنّ طبيب الشّعب هو بجانب الله وأنّه مع العذراء مريم سيّدة كوروموتو يشفع بمواطنيه وبنا جميعًا.

أعترف أنّني لم أجد فنزويليًّا، هنا في الفاتيكان، سواء في السّاحة أو في مقابلة خاصّة، لم يقل أخيرًا في منتصف المحادثة: متى سيتمّ تطويب غريغوريو؟ إنّها رغبة قد حفظوها في أرواحهم وهي الآن تتحقّق. يقدّم الدّكتور خوسيه غريغوريو نفسه لنا نحن المسيحيّين ولجميع الأشخاص ذوي الإرادة الصّالحة كمثال لتلميذ المسيح المؤمن، الّذي جعل الإنجيل معيارًا لحياته، الّذي بحث عن دعوته، وحفظ الوصايا، وشارك كلّ يوم في الإفخارستيّا، وخصَّص وقتًا للصّلاة وآمن بالحياة الأبديّة، كنموذج للطّيبة والفضائل المدنيّة والدّينيّة، والانفتاح والحساسيّة إزاء الألم والفقر، والتّواضع في حياته وممارسته المهنيّة، وكذلك كرجل محبٍّ للحكمة والبحث والعلم في خدمة الصّحّة والتّعليم. إنّه مثال القداسة الّتي تلتزم بالدّفاع عن الحياة، وتحدّيات التّاريخ، ولاسيّما، كنموذج لخدمة القريب، مثل السّامريّ الصّالح، دون استبعاد أحد. إنّه رجل الخدمة الشّاملة.

كان أحد أكثر جوانب شخصيّته أهمّيّة وإثارة كونه شاهدًا على الإنجاز الشّخصيّ وخدمة المواطنين. خدمة تقوم على المثال الّذي تركه المسيح لنا خلال العشاء الأخير، عندما بدأ في غسل أقدام تلاميذه جميعًا لأنّه أحبّ الجميع، حتّى يهوذا، على الرّغم من علمه أنّه سيخونه. إنَّ يسوع لم ينتقم من أحد: لم ينتقم من أحد، بل أحبّ الجميع. وفي هذه اللّحظة، ترك يسوع لتّلاميذه وصيّة: إغسلوا أقدام بعضكم البعض. يبدو لي أنّه من المهمّ أن أعلّق على تعبير "بعضكم البعض"، لأنّ الرّبّ يحثّنا ليس فقط لكي نكون فاعلين في الخدمة، وإنّما أيضًا لكي نتحلّى بالتّواضع لكي نسمح للآخرين بأن يغسلوا أقدامنا. وأتساءل ما هو اليوم هذا غسيلنا لأقدام بعضنا البعض، بالنّسبة لنا جميعًا، ولكم على بشكل خاصّ، أنتم الّذين تحتفلون اليوم بتطويب الدّكتور خوسيه غريغوريو؟ على سبيل المثال، يعني قبول بعضنا البعض، وأن نرى الآخر كشخص مساوٍ لنا، شخص مثلي، دون ازدراء أحد. يعني أيضًا أن نخدم بعضنا البعض، وأن نكون على استعداد للخدمة، وإنّما أيضًا أن نسمح للآخرين بمساعدتنا، وخدمتنا: نساعد ونسمح للآخرين بأن يساعدوننا. مثال آخر هو أن نغفر لبعضنا البعض، لأنّه علينا أن نغفر ونسمح للآخرين بأن يغفروا لنا، وأن نشعر بأنّه قد غُفر لنا. في النّهاية، غسلنا لأقدام بعضنا البعض هو محبّة لبعضنا البعض.

نعتقد أحيانًا أنّه لا أحد يحتاج إلى مساعدة، وأنّنا مستقلّين، ولا نحتاج إلى أيّ شيء، ولا حتّى للمغفرة. جميعنا بحاجة للمساعدة، جميعنا. وجميعنا بحاجة للمغفرة. لقد قال يسوع شيئًا جميلاً جدًّا: "مَن كانَ مِنكُم بلا خَطيئة، فلْيَكُنْ أَوَّلَ مَن يَرمي الحَجَر!"، من ليس بداخله شيء عليه أن يتوب ويتَّهم الآخرين. أحيانًا نصبح عائلة من متّهمين لبعضهم البعض أو شعب من أشخاص يتّهمون بعضهم البعض. ليس هذا هو الطّريق الّذي علّمنا إيّاه الطّوباويّ الّذي نحتفل به اليوم، والّذي هو طريق الخدمة، والإصغاء لبعضنا البعض، والمغفرة لبعضنا البعض والسّماح للآخرين بأن يغفروا لنا. إنَّ تطويب الدّكتور خوسيه غريغوريو يتمُّ في مرحلة معيّنة، وصعبة عليكم. ومثل إخوتي الأساقفة، أعرف جيّدًا الوضع الّذي تعيشونه، وأدرك أنّ معاناتكم وآلامكم قد تفاقمت بسبب جائحة فيروس الكورونا الرّهيب الّذي يؤثّر علينا جميعًا. يأتي إلى ذهني بشكل خاصّ اليوم العديد من القتلى، والعديد من المصابين بفيروس كورونا الّذين دفعوا الثّمن بأرواحهم، للقيام بمهامهم في ظروف محفوفة بالمخاطر. هذا الوباء عينه، الّذي يصيب اليوم عيد الإيمان الكبير هذا، وحصره، من أجل تجنّب العدوى لأسباب تتعلّق بالسّلامة والصّحّة، يضعنا جميعًا في البيت، ولا يسمح لنا بالخروج إلى الشّارع لكي نحتفل، ونصرخ، لا، لأنّ الوباء خطير. كذلك يأتي إلى ذهني جميع الّذين غادروا البلاد بحثًا عن ظروف معيشيّة أفضل، وكذلك أولئك الّذين حُرِموا من حرّيّتهم والّذين يفتقرون لما هو ضروريّ. أنتم جميعًا مواطني الطّوباويّ، جميعكم، ولكم جميعًا الحقوق عينها؛ وأنا أرافقكم جميعًا بمحبّة.

وكما أعرف جيّدًا الألم والمعاناة، أعرف أيضًا إيمان الشّعب الفنزويليّ وآماله العظيمة. إنّ تطويب الدّكتور هيرنانديز هو نعمة خاصّة من الله لفنزويلا، ويدعونا إلى الارتداد نحو تضامن أكبر مع بعضنا البعض، لكي نُقدّم جميعًا جوابًا للخير العامّ ضروريًّا جدًّا من أجل إحياء البلاد، ولكي تولد من جديد بعد الوباء بروح المصالحة. إنَّ روح المصالحة هو نعمة ينبغي علينا أن نطلبها، لأنّ هناك على الدّوام مشاكل في العائلات، في المدن، في المجتمع، هناك أشخاص يُنظر إليهم بشكل جانبيّ أو بشكل سيّئ، وهناك على الدّوام حاجة للمصالحة، وليد ممدودة! واليد الممدودة هي استثمار اجتماعيّ جيّد. لذلك، وفي خضمّ جميع الصّعوبات، أطلب منكم جميعًا أنتم الّذين تُحبّون الدّكتور خوسيه غريغوريو جدًّا، أن تتبعوا المثال الرّائع للخدمة المتفانية للآخرين. وأعتقد بصدق أنّ لحظة الوحدة الوطنيّة هذه، حول شخصيّة طبيب الشّعب، تشكّل وقفة مُميّزة لفنزويلا وتتطلَّب منكم أن تمضوا أبعد من ذلك، وأن تقوموا بخطوات ملموسة لصالح الوحدة، بدون أن تسمحوا للإحباط بأن يسيطر عليكم.

على مثال الدّكتور خوسيه غريغوريو، كونوا قادرين على التّعرّف على بعضكم البعض كأنداد، وكأخوة، وأبناء للوطن عينه. أظهروا استعدادكم للخدمة وتحلّوا بالتّواضع الكافي لكي تسمحوا للآخرين بأن يخدموكم، واستعدادكم للمساعدة ولكي تسمحوا للآخرين بأن يساعدونكم، واستعدادكم للمغفرة ولكي تسمحوا للآخرين بأن يغفروا لكم. أُصلّي إلى الله من أجل المصالحة والسّلام بين الفنزويليّين، وأودّ أن آتي لزيارتكم. ولتعرف المؤسّسات العامّة كيف تقدّم على الدّوام الأمن والثّقة للجميع، وأن يجد أهل هذه الأرض الجميلة دائمًا فرصًا للتّنمية البشريّة والتّعايش. أُصلّي إلى الله أيّها الإخوة والأخوات، أن يلهم الطّوباويّ هيرنانديز، بشكل خاصّ، جميع المدراء: النّقابات والأكاديميّين والسّياسيّين ورجال الأعمال ورجال الدّين على الالتزام بشكل جدّيّ للحصول على وحدة عاملة. يقول مثل قديم "إمّا أن نخلص جميعًا أو لا يخلص أحد". وبالتّالي فإنَّ المسيرة مشتركة للجميع. لنبحث عن مسيرة للوحدة الوطنية، وهذا من أجل خير فنزويلا. وحدة عاملة يعمل فيها الجميع بجدّيّة وصدق، انطلاقًا من الاحترام والاعتراف المتبادل ببعضنا البعض، ويضعون فيها الخير العامّ قبل أيّ مصلحة أخرى، ويعملون من أجل الوحدة والسّلام والازدهار، لكي يعيش المواطنون حياة طبيعيّة ومُنتجة في استقرار ديمقراطيّ وأمن وعدالة ورجاء.

أصلّي لكي نستعيد، جميعًا، الفنزويلا حيث يعلم الجميع أن لديهم مكانًا، وحيث يمكن للجميع أن يجدوا مستقبلاً. وأطلب من الرّبّ ألّا يمنعكم أيّ تدخّل خارجيّ من السّير في طريق الوحدة الوطنيّة هذا. كم أودّ أن أتمكّن من زيارتكم، وأطلب منكم ألّا تنسوا أن تُصلّوا من أجلي. وأنا أرافقكم في هذه المسيرة. أصلّي إلى العذراء مريم سيّدة كوروموتو، شفيعة هذه الأمّة الحبيبة والجميلة، وأصلّي إلى الطّوباويّ خوسيه غريغوريو هيرنانديز من أجلكم جميعًا. وأسألكم ألّا تنسوا أن تصلّوا من أجلي. إلى الأمام، معًا على الدّوام، في اتّباع مثال خوسيه غريغوريو، وبدون يأس وإحباط. ليبارككم الله ولتحفظكم العذراء مريم."