روحانا مفتتحًا تساعيّة الصّلاة والصّوم من أجل السّلام في لبنان والشّرق: نحن نسهم بصلاتنا في إحلال السّلام
بعد تلاوة الإنجيل المقدّس، ألقى المطران روحانا عظة قال فيها بحسب "الوكالة الوطنيّة للإعلام": "يسعدني أن أتشارك معكم تساعيّة صلاة وصوم من أجل السّلام في لبنان والشّرق الأوسط والعالم. وقد استعددتم لهذا القدّاس بصلاة المسبحة الورديّة، وكنتم برفقة مريم أولى تلميذات العهد الجديد، الّتي أعطتنا أمير السّلام يسوع المسيح، عندما احتضنته في أحشائها وربّته مع مار يوسف، وأصبح هو المعلّم والطّريق صوب الله، هو الّذي قال "أنا أعطيكم سلامي، وسلامي ليس كما يعطيه العالم".
إذن مع صلاة المسبحة الورديّة، دخلنا بالتّتلمذ ليسوع برفقة أمّنا مريم. والآن نتشارك بالقدّاس الإلهيّ وبه نتذكّر موت وقيامة الرّبّ الحاضر في كنيسته، وعندما نتناول ندخل بشراكة مع يسوع المسيح ومع بعضنا البعض، لأنّنا نشترك بالخبز الواحد كما يشير بولس الرّسول.
أمّا الفقرة الثّالثة من اجتماع اليوم وكلّ يوم من أيّام هذه التّساعيّة، فهي وقت نقضيه سجودًا للقربان الأقدس، بعد دخوله قلوبنا في المناولة، كي نغوص في تأمّلنا أكثر فأكثر في معنى هذا السّرّ العظيم، كيف أنّنا نتّحد بيسوع ونشترك مع بعضنا البعض لنكون تلاميذ ورسلًا للرّبّ.
في هذه المناسبة، الذّكرى الرّابعة والأربعين لظهورات أمّنا السّيّدة العذراء في مديوغوريه، منذ العام 1981 حتّى يومنا هذا، والّتي تحتفلون بها في الخامس والعشرين من الشّهر الجاري، نحن معكم، مع أصدقاء مريم ملكة السّلام، ونطرح السّؤال الّذي مفاده: كيف يمكننا من خلال المسبحة الورديّة والقدّاس والسّجود للقربان أن نسهم في السّلام؟
نحن نعلم أنّ أمور السّلام هي في أيدي السّياسيّين والعسكريّين، كما أنّنا نرى ما يدور حولنا من معارك ضارية، وما يجعلنا نسأل أين لبنان، أين هو الله من كلّ ذلك، كما وعن دور الكنيسة في خارطة هذا العالم الصّعب الّذي تقوده البغضاء والمصالح والقوى؟
نحن نلتقي لأنّنا نؤمن بالسّلام ونحن نريد أن نكون كمؤمنين، من صانعي السّلام كما دعانا الرّبّ يسوع، مؤكّدًا على دورنا في صناعة السّلام، كمؤمنين تحديدًا، بالصّلاة والصّوم، ولكنّنا لا نكتفي بذلك، لأنّنا نحن اليوم كذلك أبناء الرّجاء، وشعار لقائنا الّذي تقيمونه اليوم هو على ضوء الرّجاء الّذي لا يخيب، وهو الشّعار الّذي رفعه قداسة البابا الرّاحل فرنسيس، للسّنة اليوبيليّة 2025، متأمّلين أيضًا بالرّجاء الّذي لا يخيب وبأمّنا مريم الّتي هي سيّدة الرّجاء".
وسأل: "كيف يمكننا أن نتكلّم عن السّلام؟"، ليجيب: "برفقة مريم ونحن تلاميذ الرّبّ يسوع، نقرأ فقرة صغيرة من رسالة البابا بنديكتوس السّادس عشر "الله محبّة" عن السّلام، إذ أنّ السّلام هو حال الإنسان الّذي يعيش بتماسك وانسجام مع الله ومع ذاته ومع القريب ومع الطّبيعة، فقبل أن يكون السّلام أمرًا خارجيًّا، إنّه مسألة داخليّة، هو بركة.
بتأمّلنا بهذه الكلمات نرى أنّه بإمكاننا أن نكون بدورنا صانعي سلام؛ فالانسجام مع الله يقضي بأن نتذكّر، بأنّنا كبشر، مخلوقين على صورة الله ومثاله، ولم نأت إلى هذا الكون صدفة وبالتّالي نحن متساوون بالكرامة مع الآخرين، لأنّه في كلّ قريب دمغة الله، ونحن مدعوّون معًا للشّهادة، بالقول والعمل، لهذه الكرامة، وعندما نقول عن انسجامنا مع الله ينبغي أن نتذكّر أيضًا خطيئة الإنسان منذ فجر التّاريخ وحتّى اليوم، وهي تكمن في التّنكّر لهذه الحقيقة، أنّنا مخلوقون على صورة الله، ونتصرّف كأنّنا نحن الأولياء المطلقين على أوضاعنا وأوضاع هذا المجتمع وهذا العالم، فإن كنّا منسجمين مع الله نسهم بشكل أو بآخر، في السّلام مع ملكة السّلام.
ثانيًا الانسجام مع الذّات يتحقّق بالتّعرّف إلى ذواتنا بدون مساومة، عملًا بالمبدأ الّذي كان رائجًا قبل المسيح والّذي تبنّته الكنيسة وهو مبدأ الفلسفة الرّائج: إعرف نفسك بنفسك، وهذه المعرفة ينبغي أن تنطلق من زيارة الذّات، أن نعتاد على القيام بالزّيارة والدّخول إلى الذّات، من دون أيّ مساومة، عارضين عن اعتماد الهروب من الذّات لإدانة الآخرين؛ فهذا إذن لا يشكّل انسجامًا مع الذّات، وعملًا بقول أحد الكهنة "اليوم سأقوم بزيارة لذاتي وآمل في أن أكون حاضرًا".
في نقطة ثالثة الانسجام مع القريب، حيث أنّنا لسنا جزرًا مستقلّة عن بعضها البعض، بل نحن أناس علائقيّون، تربطنا علاقات، بدءًا بالعائلة، إلى الرّعيّة، إلى الكنيسة، إلى المجتمع الواسع، ولاسيّما اليوم، في هذا العالم المعولم غدونا أكثر قربًا من بعضنا البعض، فكيف ننسجم مع القريب، وفي هذا أيضًا إسهام في صناعة السًلام وبناء السّلام مع مريم ملكة السّلام، وهي تقتضي بأن أرى أوّلًا في القريب صورة الله لنتشارك بذلك الإنسانيّة، وما نتمنّاه لذواتنا علينا أن نتمنّاه للآخرين أيضًا، هذه هي الشّرعة الذّهبيّة الموجودة في الإنجيل. وأن أتذكّر أنّ الوصيّة الإلهيّة العظمى تدعو إلى محبّة الله ومحبّة القريب كمحبّة الذّات في آن معًا، إذ لا يمكنني أن أدّعي أنّني أحبّ الله وأنا أحتقر القريب. محبّة الله ومحبّة القريب في آن معًا، هذه هي الثّورة الحقيقيّة الّتي أتى بها يسوع، ولذا عندما أخرج من الكنيسة عليّ أن أجد جسورًا بيني وبين الآخرين في أيّ مشكلة أو خلاف معهم".
وإختتم روحانا عظته قائلًا: "وبعد مثل "السّامريّ الصّالح" الّذي أعطاه يسوع في الإنجيل ينبغي ألّا نبحث عن هويّة القريب، فالّذي يحبّ الله والقريب يتبنّى سؤال يسوع لعالم التّوراة في هذا المثل: أيّ هؤلاء كان قريب الضّحيّة الّذي وقع بين أيدي اللّصوص؟ إذن نحن نسهم بصلاتنا في إحلال السّلام عندما نرتضي أن نكون رفقاء الضّحايا الّتي نجدها على طريقنا ونحن لا نعرفها معرفة شخصيّة، وهي تقع بين أيدي اللّصوص، وكم هم كثيرون اليوم".
يُذكر أنّ التّساعية تستمرّ في كنيسة مارت تقلا- جلّ الدّيب لغاية 24 من الجاري، وتبدأ بصلاة المسبحة عند السّادسة مساء، يليها القدّاس الإلهيّ عند السّابعة وتتوّج في كلّ ليلة بالسّجود للقربان الأقدس، على أن تختتم الأربعاء المقبل في كنيسة مار الياس- أنطلياس.