العراق
30 كانون الثاني 2024, 07:30

ساكو: الأصالة كيف تكون معاصرة في الكنيسة؟

تيلي لوميار/ نورسات
بهدف توعية المؤمنين على ما توفّره الأصالة من ثمار، كتب بطريرك الكلدان مار لويس روفائيل ساكو مقاله هذا تحت عنوان: "الأصالة كيف تكون معاصرة في الكنيسة؟".

وفي سطور المقال يقول ساكو نقلاً عن إعلام البطريركيّة:

"يهدف هذا المقال، ليس إلى أقناع الملتصقين بالقديم– التّراث، على أنّه هو الأصالة، بل توعية المؤمنين المعاصرين، إلى ما توفّره الأصالة من ثمار، بدون التّقوقع على الماضي، وإلغاء الحاضر، وتسقيط الآخر، لأجندات بعيدة عن موهبة المحبّة وإلهامات الرّوح.  

الأصالة، Authenticity بحسب وجهة النّظر السّائدة هي القديم– التّراث، من دون الإدراك أنّ القديم والتّراث قد يفتقران إلى الأصالة!

الأصالة- الأصيل هي البدايات الممتازة والخلّاقة، والإنجاز الثّرّ الممتدّ لعقود من الزّمن، والّتي ينبغي ان تتواصل معنا، لكن يا ترى ما معيار ذلك؟ معيارها هو وعي بالذّات والزّمان والمكان والثّقافة واكتشاف حقيقته ومشروعيّته لأنّ الحقّ هو حقّ في ذاته، من دون أن يكون تحت الأغلال، أيّ جامدًا في الماضي والتّقليديّ كما يروّج بعض "المتمخترين" بالدّعوة إلى رفض التّجديد والإبقاء على الماضي– التّراث بعلّاته.

التّراث ليس "متحفًا"، بل هو متحرّك. الأصالة ليست مبدأ "تقبلني كما أشعر به"، لأنّ هذا الادّعاء قد يكون غير حقيقيّ وغير نزيه. من المؤسف أنّ البعض يستخدم "الأصالة" بشكل انتقائيّ لتعزيز موقفه وتنصيب نفسه وصيًّا على الآخرين، وينكر عليهم حقّهم في ما يطالبون به.

الحداثة، updating. إنّ الإنسان والمجتمع والكنيسة وغيرها من دور العبادة المفروض أن تكون كائنات حيّة ومتطوّرة، وليست تقليديّة جامدة!

الحداثة حركة عالميّة للمعاصرة تشمل مجالات عدّة. وكذا الأمر بالنّسبة للكنيسة الّتي تسعى لتأوين الطّقوس والتّعليم والبنى، ومراجعتها بدقّة وبتقنيّات جديدة، كما دعا المجمع الفاتيكانيّ الثّاني (1962 – 1965) وسينودس الأساقفة من أجل السّينوداليّة الّذي دعا إليه البابا فرنسيس (تشرين الأوّل 2023 وتشرين الأوّل 2024). الكنيسة موجودة لتعزيز الحياة الّتي تنبع من أعماق الإيمان وحقيقة الإنجيل وتطلّعات المؤمنين. هذا ما حاولت كنيستنا الكلدانيّة ان تقوم به في تأوين جميع طقوسها اللّيتورجيّة.

تهدف الحداثة إلى اكتشاف ما كان "حداثيًّا" بحماوة، وأصيلاً ومبدعًا في زمانه ومكانه، للّحاق بتطوّر عقليّة النّاس اليوم، وثقافتهم وحساسيّتهم. لذلك تسعى الكنيسة لقراءة الأصيل قراءة جديدة علميّة، وترجمته إلى الواقع المعاصر بمفردات بسيطة ومبتكرة، واضحة ومفهومة. هذا التّواصل الواثق يرسّخ تجذّر المؤمنين في هويّتهم المشرقة، ويترك أثره!

عندما نتعامل مع الماضي– التّراث، ينبغي أن نميّز الأصيل من الدّخيل، والعميق من الرّكيك، ونحلّله من جميع جوانبه، ونقيمه وننشِئه بشكل جديد، ليعكس بفاعليّة تطلّعات المجتمع المعاصر بشكل أفضل، ويغدو بالتّالي جزءًا من أصالتنا الحاليّة. من لا يقبل الانفتاح والتّغيير "يحنّط" نفسه! ويجعل من جماعته، جماعة منغلقة، مسكونة بهاجس التّأثّر بالآخر، مهما كان ذلك إيجابيًّا.

بالنّسبة لوحدة الكنائس المسيحيّة، وعلى وجه التّحديد الشّرقيّة منها، والّتي ما يوحِّدها أكبر بكثير ممّا يفرّقها، بالإمكان التّوصّل إلى إيجاد صيغة جديدة للوحدة، تحرّرها من الانشطارات التّاريخيّة الّتي أضعفتها إلى درجة الوهن، وترسّخ الشّركة الايمانيّة والكنسيّة، وتحافظ على إرثها المتميّز (وحدة في الجوهر، وتنوّع في الشّكل). أذكر هنا الوحدة بين الكنيسة الكلدانيّة وكنيسة المشرق الآشوريّة، والكنيسة السّريانيّة الأرثوذكسيّة والسّريانيّة الكاثوليكيّة، والملكيّة الرّوميّة بفرعيها وهكذا الكنائس الأخرى، فالأصل مشترك، والتّاريخ والأرض واللّغة والطّقوس والعقيدة. عندما نكون متجزّئين داخل أنفسنا وكنائسنا ومجتمعاتنا لا يمكننا أن نكون "أصيلين"، ولا يمكن أن نقوم بالحداثة، ولا ان نكشف للعالم أننا متّحدين ممّا يضعف شهادتنا الإنجيليّة!

الإيمان المسيحيّ يريدنا أن ننفتح على الحاضر ونميّز علامات حضور الله وننطلق للمضيّ إلى الأمام في وحدتنا المرتكزة على التّواضع والألفة الأخويّة، والاغتناء المتبادل، و نعبّر عنها بمحبّتنا وخدمتنا وشهادتنا، وتعزيز الحضور المسيحيّ في هذا الشّرق المضطرب، ومواجهة التّحدّيات برجاء، حيث يتعرّض المسيحيّون للمضايقات وحياتهم للخطر ممّا يدفعهم إلى الهجرة.

آمل أن يلهم الرّوح القدس قادة الكنائس الشّرقيّة إلى كاريسما تنازل الفرسان، برؤية جديدة وخطوات ملموسة، تقودهم إلى وحدتهم المستقبليّة، على الأقلّ في المرحلة الأولى، بالاتّفاق على الاحتفال معًا بعيدي الميلاد والقيامة".