العراق
22 آب 2022, 13:50

ساكو في افتتاح السّينودس الكلدانيّ: نحن مدعوّون لتحمّل مسؤوليّاتنا بنفس حبّ المسيح ومشاعره

تيلي لوميار/ نورسات
إفتتح بطريرك الكنيسة الكلدانيّة مار لويس روفائيل ساكو صباحًا، جلسات السّينودس الكلدانيّ في الصّرح البطريركيّ في بغداد، والّذي حضره الأساقفة الكلدان، بكلمة قال فيها بحسب إعلام البطريركيّة الرّسميّ:

"أخوتي الأحبّة أحبار السّينودس الكلدانيّ الأجلّاء، نعمة الرّبّ يسوع معكم،

أحيّيكم بسلام المسيح وأرحّب بكم من حيثما أتيتم من أبرشيّات وبلدان خدمتكم القريبة والبعيدة. وأرحّب بشكل خاصّ بالمطرانين الجليلين بولس ثابت وآزاد صبري اللّذين انضمّا إلى مصافنا الأسقفيّ.

ها نحن نعود، هذه السّنة أيضًا إلى انعقاد سينودسنا الدّوريّ تحت أنوار الرّوح القدس، لتدارس المواضيع المدرجة على جدول الأعمال. نعقده في جوّ تتأهّب فيه الكنيسة الكاثوليكيّة لانعقاد سينودس الأساقفة الكاثوليك 2023 من أجل السّير معًا في الشّركة  والمشاركة و الرّسالة. نأمل أن نستفيد من هذه الفرصة لتعميق هذه المحاور في كنيستنا وأبرشيّاتنا ورعايانا.

1. نحن مدعوّون لتحمّل مسؤوليّاتنا الكنسيّة والإنسانيّة والوطنيّة بنفس حبّ المسيح ومشاعره، وبعلاقة وجدانيّة حيّة، بحيث نوجّه ذاتنا وكنيستنا ومجتمعنا نحوه. أليس من أجل  ذلك كرّسنا أنفسنا كما كرّس هو نفسه "من أجلهم أكرّس نفسي ليكونوا مكرّسين هم أيضًا بالحقّ... وتكون فيهم المحبّة" (يوحنّا 17/ 19، 26). هذه العلاقة مع المسيح القائمة على الحقّ والمحبّة والرّوح تمكّننا وتمكّن مؤمنينا من النّضوج الرّوحيّ، وتحفّزنا على الإبداع في رسالتنا وخدمتنا بتجرّد وسخاء وبروحيّة الفريق الواحد، بعيدًا عن التّحزّب والتّسلّط والغرور. وكما قال البابا في كلمته لليسوعيّين الكنديّين في 29 تمّوز 2022 خلال لقائهم به: "عندما  يكون الأساقفة متّحدين، يمكنهم التّعامل جيّدًا مع التّحدّيات والسّير معًا إلى الأمام".

2. السّلطة في الكنيسة والأبرشيّة هي خدمة وليست عملاً لإظهار القوّة أو الذّات. القيادة (الرّعاية– الإدارة) لا تستقيم من دون سلطة، لكن لا ينبغي أن تتحوّل القيادة إلى التّسلّط والدّكتاتوريّة، من أجل ذلك يحذّر يسوع تلاميذه قائلاً: "تَعلَمونَ أَنَّ الَّذينَ يُعَدُّونَ رُؤَساءَ الأُمَمِ يَسودونَها، وأَنَّ أَكابِرَها يَتَسَلَّطونَ علَيها. فلَيسَ الأَمرُ فيكم كذلِك. بل مَن أَرادَ أَن يَكونَ كَبيرًا فيكم، فَلْيَكُنْ لَكُم خادِمًا" (مرقس 10/ 42-43). وكما تعلمون أنّ عقليّة الزّعامة المنتشرة في الشّرق لا تساعد على انتشار ثقافة الاعتذار!

سلطتنا عاموديّة رسوليّة، لكنّها أفقيّة أيضًا أيّ ممارسة جماعيّة (collegiality) من خلال الانفتاح على جميع أعضاء شعب الله (الكنيسة)، من كهنة ورهبان وراهبات ومؤمنين من كلا الجنسين بكافّة فئاتهم، لمشاركتهم في العمل الكنسيّ واستشارتهم، والتّواصل معهم من أجل تنظيم العمل والخدمة ومعالجة أسئلة جديدة تطرح نفسها. ممّا يفتح أمامنا آفاقًا جديدة. علينا أن نتحمّل المسؤوليّة كاملة وإلى النّهاية خصوصًا في هذه الظّروف الصّعبة والحبلى- بالتّحدّيات الّتي تمرّ بها بلداننا. على الأسقف أن يقرأ علامات الأزمنة ويقيّم الأحداث على ضوء الإيمان كما فعل الأنبياء والرّسل، ويكتشف في طيّاتها نداءات الله  لتصبح لهم نبع رجاء.

3. متابعة معاونينا أيّ كهنتنا، متابعة أبويّة وليس سلطويّة، بل كما يفعل الأب مع أبنائه، بمحبّة وإنسانيّة، واحترام وصيانة كرامتهم واستثمار الكاريزما الّذي لهم وتشجيعهم على التّعليم والتّدبير وتقديس النّفوس. من هنا ضرورة متابعة تنشئتهم الرّوحيّة والثّقافيّة وعملهم الرّاعويّ.. غير مقبول أن تكون ثمّة فوضى وانقسامات.. هذا أخطر ما يكون على وحدة الأبرشيّة والشّهادة الكهنوتيّة. عند وجود كذا حالات ينبغي معالجتها وحسمها بوداعة وإصغاء ووجهًا لوجه، لأنّ الفوضى هدّامة. الصّعوبات والمشاكل لا بدّ منها كما في زمن رسل المسيح، لكن بالإمكان تحويلها إلى فرص نموّ المحبّة والصّداقة وبناء الثّقة..

4. الإهتمام بالدّعوات الكهنوتيّة والرّهبانيّة. مستقبل كنيستنا يقوم على الدّعوات الكهنوتيّة والرّهبانيّة. من واجب الأسقف الاهتمام بالدّعوات..

5. اللّيتورجيا. ينبغي الالتزام بالطّقوس الّتي جدّدها السّينودس الكلدانيّ. على الكاهن المحتفل بالطّقوس أن يعي بأنّ هذه الطّقوس هي صلاة وليست ممارسات جامدة ورتيبة، أيّ من يصلّيها ينبغي أن يعيشها. هذه الطّقوس احتفال بحضور الله؛ هذا ما يتعيّن على المحتفل والمؤمنين ان يكتشفوه ويستفيدوا من غنى اللّيتورجيا في عمقها اللّاهوتيّ. لذلك يجب أن يتمّ إعداد  القراءات والزّينة والتّراتيل والموسيقى والطّلبات والموعظة كما قرّر السّينودس، بحيث يشعر الكلّ بفرح استقبال الله في حياتهم ويبعث الطّمأنينة في قلوبهم، والانتعاش في حياتهم.  

إزاء ما تقدّم، أودّ أن أسترعي أنظاركم إلى أنّه لا بدّ أن نشجّع كهنتنا الّذي يخدمون في بلدان الانتشار إلى مدّ أيدي التّعاون مع الكنائس الرّسوليّة الأخرى، خصوصًا في مجال خدمة مسيحيّينا المهاجرين من العراق وسائر بلدان المنطقة. لا ننسى أنّ خدمتنا هي للمحبّة charity and diakonia.

6. المسيحيّون العراقيّون ولربّما أيضًا المسيحيّون في دول أخرى في طريقهم إلى الاختفاء إن لم يحصل تغيير إيجابيّ كبير في الفكر ونظام الدّولة. الموروث الإسلاميّ يجعل المسيحيّين مواطنين من الدّرجة الثّانية ويسمح بالإقصاء والاستحواذ على ممتلكاتهم.. يجب إعادة صياغة الدّستور والقوانين بعيدًا عن الطّائفيّة والمحسوبيّة والمنسوبيّة، وقيام نظام ديمقراطيّ مدنيّ مبنيّ على المواطنة!

رسالتنا في هذه الأوقات الحرجة أن نتعاون مع شركائنا في الوطن لخلق بيئة ملائمة للعيش المشترك واحترام  التّنوّع وحقّ المواطنة الكاملة كما أكّد البابا فرنسيس في خطاباته خلال زيارته التّاريخيّة لبلدنا (5-8 آذار 2021)، وأن نساعد شعبنا على الانفتاح نحو الرّجاء والتّسلّح بالإيمان والتّضامن ومواجهة التّحدّيات بشجاعة. هذه التّقلّبات ليست جديدة، دول عديدة شاهدت وتشاهد تقلّبات، لكنّها خرجت منها متعافية. وهنا أودّ أن أشدّد على أهمّيّة التّواصل مع الكنيسة الأمّ والوطن.

أتكلّم معكم بروح أخويّة وأشاطركم مشاعري وقلقي لنتحمّل معًا المسؤوليّة بشجاعة وحكمة. لنضع هذا السّينودس والكنيسة الكلدانيّة وبلداننا في هذا المنعطف الصّعب تحت حماية الرّبّ وشفاعة أمّنا مريم العذراء."