العراق
08 تشرين الثاني 2018, 09:39

ساكو: لاستراتيجيّة ورؤية مسيحيّة مشرقيّة موحّدة

ألقى المعاون البطريركيّ في الكنيسة الكلدانيّة المطران شليمون وردوني كلمة بطريرك بابل للكلدان مار لويس روفائيل ساكو، في جلسة افتتاح مؤتمر عن عبديشوع الصّوباويّ في ذكرى مرور 700 عام على وفاته، والّذي يُعقد اليوم وغدًا، بمشاركة بطريرك كنيسة المشرق الآشوريّة مار كوركيس الثّالث صليوا وعلماء في مجال الشّرقيّات من عدّة دول.

 

وجاء في كلمة ساكو بحسب موقع البطريركيّة الكلدانيّة:

"إنّي باسمي وباسم الكنيسة الكلدانيّة، أتقدّم بالشّكر الجزيل إلى المعهد الحبريّ للدّراسات الشّرقيّة، على تنظيمه هذا المؤتمر بمناسبة مرور 700 سنة على وفاة اللّاهوتيّ المشرقيّ الكبير عبديشوع الصّوباويّ (النّصّيبينيّ) 1318- 2018، و730 سنة على زيارة الرّاهب برصوما موفد البطريرك مار يهبالاها الثّالث إلى روما واستقبال البابا نقولاوس الرّابع له في سنة 1288 وأعطاه القربان المقدّس في أحد الشّعانين. وأرسل معه تاجًا وخاتمًا للبطريرك مار يهبالاها علامة الوحدة.

كما أشكر المعهد على ما أصدره من دراسات وكتب ومقالات عن تراثنا وبطريقة علميّة ورصينة وعليه عرّف العالم بأهمّيّة هذا التّراث الأصيل في مجالاته المتنوّعة.. كما أشكره على تنشئته كادرًا من الإكليروس الكلدانيّ عبر دراستهم في هذا المعهد العزيز، وأنا واحد منهم.. نحن الشّرقيّين والكلدان خصوصًا مدينون للمعهد جدًّا. وأعتقد أنّه من الأهمّيّة بمكان اليوم إرسال طلّاب من الإكليروس والعلمانيّين للدّراسة في هذا المعهد لأنّنا نحتاج إلى اختصاصيّين للتّواصل مع تراثنا وتأوينه، وللبقاء أمناء على الأصالة من جهة وعلى ثقافة أبناء عصرنا من جهة أخرى.

تراثنا ليس تراثًا قديمًا جامدًا، إنّما تراث حيّ لا نزال نتوارثه، ونعيشه على صعيد الأرض، واللّغة والآباء والطّقوس.. وهنا أؤكّد بشدّة على أهمّيّة طقوسنا الجميلة ومواعظ آباء كنيستنا الّتي حافظت على إيماننا حتّى إبّان الاضطهادات وإلى اليوم.. نحن عمومًا ليس لنا لاهوت مدرسيّ كما الحال في الكنيسة الغربية.. إنّما طقوسنا هي ينبوع حياة لنا.. وما فعله داعش مع مسيحيّي الموصل وبلدات سهل نينوى  خير دليل على التزامهم بإيمانهم وتركهم كلّ شيء حتّى وثائقهم الثّبوتيّة من أجل أن يحافظوا على مسيحيّتهم.

من المؤكّد أنّ أمامنا اليوم تحدّيات كثيرة تهدّد وجودنا وتراثنا، علينا أن نواجهها بإيمان ورجاء ورويّة واضحة ومواقف ثابتة وبإرادة قويّة. إنّي مؤمن بأن الرّوح القدس الّذي قادنا في عدّة أزمات واضطهادات، هو يقودنا اليوم أيضًا. 

يعدّ عبديشوع الصّوباويّ أحد أبرز شخصيّات كنيسة المشرق في القرنين الثّالث عشر والرّابع عشر لغزارة علمه، وعديد تآليفه الّتي خلفّها في شتّى مجالات الآداب الكنسيّة. ولم يضاهيه أحد إلّا معاصره المفريان السّريانيّ الأرثوذكسيّ غريغوريوس ابن العبريّ (1226-1286). لذا يستحقّ هذا المؤتمر. وإنّ على  الكنيسة  الكلدانيّة وكنيسة المشرق الآشوريّة أن تتذكّره بكلّ فخر واعتزاز. 

عبديشوع الصّوباويّ الّذي نحتفل بمرور 700 سنة على وفاته هو مثال للأسقف  الّذي يعلن الإنجيل، والأب والرّاعي الّذي يربّي ويرافق، واللّاهوتيّ الّذي يتمسّك بدوره النّبويّ الشّجاع. نلمس ذلك من خلال كتاباته وحسّه الرّاعويّ المزدوج في تثقيف المسيحيّين بمبادىء إيمانهم حتّى يواجهوا أسئلة المسلمين، وأيضًا تعريف المسلمين بإيمان المسيحيّين. وما يكتبه يعبّر عن قناعته وعمّا يعيشه. كتاباته شهادة حياة.

عبديشوع شخص موسوعيّ وكاريسماتيّ منفتح على زمانه، وظروف كنيسته ومتطلّبات مؤمنيها، عبديشوع  شخصيّة كنسيّة بامتياز.

كتب عبديشوع في التّاريخ واللّاهوت والقانون واللّغة كتابه الجميل "مركانيثا" والّذي قمت بترجمته إلى العربيّة في السّنة الأولى من كهنوتي يعدّ تعليمًا رسميًّا للإيمان المسيحيّ في كنيسة المشرق الّتي اعتمدته كما جاء في مقدّمته. أناجيله بالعربيّة المسجّعة على طريقة القرآن، مبادرة فذّة أراد بها أن يقول للمسيحيّين والمسلمين إنّ الإنجيل ليس أقلّ إعجازًا من القرآن.. وكتابه الآخر  ”أصول الدّين” الّذي نشره الأب جانماريا جانتزا السّاليزيانيّ، يقدّم فيه عبديشوع الدّيانة المسيحيّة بأسلوب منطقيّ ومفهوم واضعًا نور العقل فوق النّقل. ويردّ على  اعتراضات الآخرين  في موضوع تحريف الإنجيل والإشراك.

فهرس المؤلفين، حافظ فيه على كلّ ما كتب حتّى زمانه.. هذا الاهتمام ساعد على حفظ أسماء المؤلّفين وعناوين مؤلّفاتهم… فنحن مدينون له.

كتاب فردوس عدن فاق المقامات الّتي ألّفها محمّد الحريري البصري (1054م –1112م) وهي من أشهر المقامات الّتي تنتمي إلى الفنّ القصصيّ الّذي ابتكره بديع الزّمان الهمذانيّ.

إنّ مؤلّفات عبديشوع العديدة وضعته في مصاف الكتّاب الأوائل في القرون الوسطى والحديثة، ولم يظهر بعده أحد بهذا المستوى، لربّما بسبب الظّروف الجيوبولوتيكيّة  والاضطهادات والتّهجير فتقلّص نفوذ هذه المدارس اللّاهوتيّة بعد غزو المغول للمنطقة.

عبديشوع وكذلك البطريرك مار يهبالاها الثّالث والرّاهب برصوما والعديدون في كنيستنا قد وضعوا الإنجيل في أولويّات حياتهم، من دون  خوف أو تردّد ، واليوم على مسؤولي كنيستَينا الكلدانيّة والآشوريّة التّمثّل بهم. فالأصالة والحداثة رسالة متجدّدة.

علينا أن نخطّط لاستراتيجيّة ورؤية مسيحيّة مشرقيّة موحّدة تحافظ على وجودنا ودورنا. علينا أن نكون أقوى من الانقسام، وأن نرفع الحواجز النّفسيّة والتّاريخيّة فنحقّق وحدة كنيسة المشرق الضّروريّة في هذه الظّروف القاسية حيث نواجه تحدّيات ضاغطة، منها على سبيل المثال الهجرة والتّطرّف الدّينيّ. وحدتنا سوف تساعدنا على بلوغ مستقبل أفضل لشعبنا وأكثر ازدهارًا."