العراق
15 تموز 2022, 09:30

ساكو من روما: المواطنة والعيش المشترك حقّ طبيعيّ وليس عنصرًا ثانويًّا يجب التّسامح معه

تيلي لوميار/ نورسات
شارك بطريرك الكلدان مار لويس روفائيل ساكو في مؤتمر نظّمته جمعيّة "سانت إيجيديو" في روما، يومي 13 و14 تمّوز/ يوليو، تحت شعار: "المسيحيّون الكاثوليك والمسلمون الشّيعة أمام المستقبل، شاركت فيه كذلك شخصيّات معروفة كاثوليكيّة وشيعيّة.

خلال المؤتمر كانت لساكو كلمة تحت عنوان "العيش المشترك، المواطنة، التّربية من أجل السلام"، وجاء فيها بحسب إعلام البطريركيّة الرّسميّ: "لقد تغيّر العالم وهو يتغيّر باستمرار، من التّقاليد إلى الحداثة. أصبح العالم قرية رقميّة بتأثير وسائل التّواصل الاجتماعيّ، ناهيك عن الظّروف السّياسيّة الصّعبة والمقلقة الّتي نعيشها خصوصًا الحرب الرّوسيّة- الأوكرانيّة. من هنا أقترح توجيه نداء لإنهاء الحرب بين روسيا وأوكرانيا وإيجاد طريق دبلوماسيّ للسّلام.

مهمّتنا ومسؤوليّتنا كقادة دينيّين وتشمل الجميع ولا تقتصر على دين معيّن.

يجب أن نحارب الفكر الطّائفيّ المتشدّد من خلال خطاباتنا وتثقيف وتوعية الأجيال الجديدة. إنّ الله الّذي نؤمن به لا يسألنا: هل أنت مسلم شيعيّ أم مسلم سنّيّ؟ هل أنت مسيحيّ كاثوليكيّ أم أرثوذكسيّ؟ السّؤال الوحيد الّذي يطرحه علينا هو: ماذا فعلت لأخيك؟ سيديننا على محبّتنا.

1- العيش المشترك

يجب أن نلزم أنفسنا بتعزيز الحوار والصّداقة. تقوية التّقارب والتّضامن بين مختلف الشّعوب والأديان والثّقافات، للمساهمة في  تحقيق السّلام والرّفاهيّة  للبشر، خصوصًا في المنطقة من خلال التّعاون الوثيق بين التّقليد الشّيعيّ والكنيسة الكاثوليكيّة.

يجب أن نتعرّف على الآخر ونحترمه في تنوّعه. إنّ احترام التّنوّع، كما كرّر البابا فرنسيس في زيارته للعراق في آذار/ مارس 2021، هو أساس التّعايش.

إنّها ثروة عظيمة عندما يتمّ تقاسم هذه الاختلافات وتجميعها. ما نسمّيه العيش المشترك يعني تقاسم الخبز (العيش)… أساسه التّغذية، الغذاء اليوميّ! عدم إطعام النّاس يسبّب الصّراع. يذكر أنطوان دو سانت إكزوبيري، إنّ طعم الخبز المشترك "لا مثيل له لأنّه مشاركة في الحبّ والصّداقة ممّا يضفي عليه نكهة خاصّة.

لا ينبغي استبعاد أيّ شخص  من مسؤوليّتنا وغير مقبول البقاء غير مبالين.

هذا الوضع الفريد يجعلنا أقرب من بعضنا البعض للتّغلّب على صدمة الانقسامات وبدء حوار شجاع وصادق بين الثّقافات والأديان.

المواطنة والعيش المشترك حقّ طبيعيّ وليس عنصرًا ثانويًّا يجب التّسامح معه. مفهوم التّسامح مستمدّ من سمح "التّسامح" ما يعنيه: أسمح لك أن تكون.

للأسف، انتشرت في السّنوات الأخيرة العقليّة المتطرّفة الّتي تحرّض على الكراهيّة والعنف "باسم الدّين" في منطقتنا وفي مناطق أخرى. هذه الأيديولوجيّة تتعارض مع إرادة الله الّذي "خلقنا مختلفين"، وتمثّل تهديدًا لحياة المواطنين وأمن الدّولة. نحتاج إلى دراسة أسباب التّطرّف والعنف المرتكب بإسم الدّين، وإيجاد سبل  للمعالجة. أودّ أن أشكر فضيلة آية الله علي السّيستاني، المرجعيّة العليا للنّجف على مواقفه المنفتحة والرّشيدة.

2- المواطنة

المواطنة أساس العلاقات الاجتماعيّة، ومعيارها الانتماء للوطن. المواطنة تعني المساواة واحترام الحقوق والتّعايش بوئام بين جميع المواطنين.

إنّ الطّائفيّة ومفهوم "المكوّنات" لا يفيدان في إقامة دولة وطنيّة قويّة وحديثة، بل ينتهي بهما الأمر إلى دعم ثقافة المصالح الخاصّة، الأمر الّذي ينتهي بالإقصاء والفساد.

المسيحيّون هم سكّان أصليّون في العراق وليسوا مجتمعًا ينحدر من بلد آخر. إنّهم أبناء هذه الأرض، فلا يجوز أن نسمّيهم "أقلّيّة". إنّه "ظلم" أن يتمّ "استهداف" المسيحيّين أحيانًا في معتقداتهم الدّينيّة. يجب أن تكون حقوق المسيحيّين مقدّسة مثل حقوق الآخرين ولا يمكن اعتبارهم مواطنين من الدّرجة الثّانية بسبب عقيدتهم. يجب أن يكون التّنوّع والاختلاف ثروة ومصدرًا للإبداع والتّوازن والازدهار.

إنّ الطّريق إلى الأمام هو الّذي يقود إلى نموذج مدنيّ وديمقراطيّ يقوم على المواطنة وليس إلى نظام طائفيّ يوزّع الوطن كما يحلو له. الدّيمقراطيّة "كلّ لا يتجزّأ".

3- تغيير نظام التّعليم

نظام التّعليم في العراق ليس نظامًا يساعد على العيش المشترك والثّقافة اليوم. نحن بحاجة إلى إصلاح فكريّ فعّال في التّعليم والبرامج، في الكنائس والمساجد والمدارس، للتّكيّف مع حياة النّاس وظروفهم وثقافتهم. الحاليّة، وإلّا فإنّ مجتمعاتنا ستتّجه بسرعة نحو مصير رهيب.

في الختام، سأقترح على الحكومة العراقيّة إنشاء وزارة للعيش المشترك لتعزيز العلاقات والحقوق واحترام التّنوّع، وكذلك ترسيخ قيم المواطنة. وأسأل الله القدير أن يوجّه خطواتنا نحو مستقبل أفضل لوطننا ومواطنينا."

وفي ختام اليوم الأخير، ألقى ساو كلمة قصيرة قال فيها: "في هذا اللّقاء فُتح أمامنا أفق جديد.. علينا أن نترجم ما قلناه إلى الواقع المعاش. وخصوصًا كما قاله بعض المحاضرين المسلمين أن نعيد فهم وتفسير الآيات الظّرفيّة الّتي تتقاطع مع الآيات الجميلة تفسيرًا صحيحًا. أخيرًا الدّين معاملة واحترام. شكرًا لجمعيّة سانت إيجيديو على مبادرتها هذه الرّياديّة،  وشكرًا للوفد الشّيعيّ على طروحاته الجريئة والمنفتحة والمشجّعة.. يجب متابعة ما طرح وترجمته على أرض الواقع حتّى لا يبقى حبرًا على ورق. أدامكم الرّبّ الكريم."