لبنان
26 آب 2022, 08:45

سويف: ما يهمّ الله هو محبّة الإنسان وشفاؤه وتحريره وإعطاؤه قيمة وصون كرامته

تيلي لوميار/ نورسات
في ختام العمل الرّسوليّ الّذي نظّمته راهبات العائلة المقدّسة المارونيّات، بالتّعاون مع الحركة المريميّة الرّسوليّة في بلدات بقرزلا والقلود الباقية وسيسوق، احتفل راعي أبرشيّة طرابلس المارونيّة المطران يوسف سويف بالقدّاس الإلهيّ في كنيسة القدّيسة ميلاني- بقرزلا، شاركت فيه مجموعة من العلمانيّين والمكرّسين والشّبيبة المتطوّعين في العمل الرّسوليّ والرّاهبات وجمع من المؤمنين من القرى المجاورة.

بعد الإنجيل المقدّس، ألقى سويف عظة قال فيها: "لا بدّ لي بداية من أن أحيّي الخوري نعمة الله حديد وأشكر استقباله لنا وخدمته المباركة في رعيّة بقرزلا.

أودّ أن أعبّر عن سروري بالاحتفال بالذّبيحة الإلهيّة في هذا المساء المبارك وفي هذه الرّعيّة، الّتي من خلالها نشارك راهبات العائلة المقدّسة المارونيّات ختام مخيّمهم الرّسوليّ في هذه المنطقة.

وأحيّي فريق المتطوّعين التّابعين لراهبات العائلة المقدّسة، والحركة الرّسوليّة المريميّة في بقرزلا، وأشكر ربّنا على الأوقات الرّسوليّة الّتي نعيشها في قلب أبرشيّتنا وكنيستنا ومؤسّساتنا.

كما وأرغب في هذه المناسبة أن أحيّي جمعيّة "المصالحة والسّلام" الّتي تعمل في المنطقة والّتي تهدف إلى الوقوف دائمًا إلى جانب المتألّم والموجوع مع الحفاظ على بعدها الإنسانيّ الّذي يتخطّى حدود الطّوائف.

لفتني جدًّا وجود كنيسة القدّيسة ميلاني في بقرزلا، إذ أنّ هذه الكنيسة الموجودة في قلب أحد الأحياء، وعلى الرّغم من تواضعها وصغرها إلّا أنّها تذكّرنا بالكنيسة الأولى والأيّام الأولى للمسيحيّة، ومن هنا الدّعوة لنا جميعًا حتّى نعود إلى جذورنا فنجدّد ثوابت الإيمان.

كان يُطلَق على الكنيسة في عهودها الأولى في اللّغة اللّاتينيّة ما ترجمته " الكنيسة البيت"، والنّاس الّذين يعيشون بالقرب من هذا البيت يأتون إلى الكنيسة.

نحن نأتي إلى الكنيسة حتّى نمارس سرّ الافخارستيّا، أيّ حتّى نعيش وقتًا فيه الكثير من القرب مع يسوع المسيح، فنشترك بسرّ موته وقيامته من بين الأموات.

في كلّ إفخارستيّا نعلن جميعًا 3 أفعال مهمّة جدًّا، وهي تذكّر موت الرّبّ، كما نعترف بقيامة الرّبّ ونعلن انتظارنا لمجيئه الثّاني، وهذا أساس إيماننا المسيحيّ، الّذي بدونه عبر هذه الأفعال المذكورة تصبح حياتنا المسيحيّة بلا معنى وتتحوّل إلى مسيحيّة مجتمعيّة ومسطّحة.

في ذبيحة الإفخارستيّا هناك تجديد لذبيحة الصّليب وفرح دائم لأنّ من نلتقيه فيها هو يسوع القائم من بين الأموات. في الذّبيحة الإلهيّة نلتقي يسوع المسيح المنتصر على الموت وعلى شريعة الحرف الّتي تقتل الإنسان، والّتي استبدلها يسوع بعد قيامته بشريعة الرّوح القدس الّذي يحيي الإنسان.  

يقدّم لنا إنجيل اليوم مثالاً واضحًا جدًّا في هذا الإطار، فالمرأة الّتي تعاني من انحناء في ظهرها أتت إلى يسوع يوم السّبت، والسّبت عند اليهود يومًا مقدّسًا لا يقوم فيه أيّ احد بأيّ عمل، وعلى الرّغم من ذلك وهبها يسوع ما تريد وأعطاها الشّفاء ليؤكّد لنا عدم صحّة شريعة الحرف.

فأمام إنسان متألّم، أمام هذه المرأة المتألّمة جسديًّا ونفسيًّا وروحيًّا، في قلب المجمع ويوم السّبت، أعلن يسوع للجميع أنّه لا بدّ من الدّخول في شريعة الرّوح والابتعاد عن شريعة الحرف. وهنا بدأ الإشكال الحقيقيّ بين أتباع شريعة الحرف ويسوع المسيح.

تأخذنا هذه الحادثة، للقول إنّ هناك فهم خاطىء لكلام الله وفكره وقلبه ونيّته، فالله منذ الخلق ولحين مجيء ابنه وحتّى اليوم، همّه الوحيد هو الإنسان. ما يهمّ الله هو محبّة الإنسان وشفاؤه وتحريره، وإعطاؤه قيمة وصون كرامته.

وللأسف نحن بعد أكثر من 2000 سنة على مجيء المسيح وتقديمه الخلاص للإنسان، ما زلنا في الكثير من الأحيان نتصرّف وكأنّنا في شريعة العهد القديم أو بعض الشّرائع الوثنيّة حيث لا قيمة فعليّة للإنسان.

القدّيسة ميلاني بعد تكرّسها للرّبّ قامت بإقناع زوجها أيضًا بالتّكرّس، وهنا تظهر أهمّيّة دور المرأة في العائلة والمنزل. والقدّيسة ميلاني وزوجها على الرّغم من أنّه كان باستطاعتهما أن يعيشا التّكريس من خلال زواجهما، إلّا أنّهما اختارا الحياة المكرّسة المليئة بالعفّة المطلقة، ففتحا الأديار واهتمّا بالمرضى والفقراء وذوي الاحتياجات الخاصّة وكرّسوا حياتهما لخدمة يسوع من خلال الإنسان المتألّم.

نشكر الرّبّ على نعمة حضوره في حياتنا عبر كنيسته وعبر المرسلات والمرسلين في أبرشيّتنا الّذين عاشوا رسالتهم تحت عنوان "حدكم عالحلوة والمرّة" وهنا الدّعوة لنا جميعًا أن نقف فعلاً إلى جانب بعضنا البعض فنظهر من خلال حضورنا حضور يسوع المسيح في قلب هذا العالم."