سويف: نصلّي لأن تكون شعانين لبنان فرصة للنّظر بواقعيّة وجدّيّة إلى حاضر الوطن وغده
وكان سويف خلال القدّاس قد ألقى عظة قال فيها: "نلتقي ككلّ سنة للاحتفال بأحد الشّعانين الّذي يقود إلى الفصح المجيد بعد عيش الأسبوع العظيم. فالشّعانين هي دخول المسيح الملك إلى أورشليم ليحقّق السّلام في البشريّة بأسرها.
دخل يسوع الملك إلى أورشليم ليحتفل بالعيد، عيد الفصح، وفي فكره وقلبه وتاريخه فصح جرى مع شعب إختاره الله ليكون علامة محبّته وحضوره وقوّته في هذه الدّنيا. فكما أنّ الرّبّ رافق هذا الشّعب وجعله يعبر من مصر، أرض العبوديّة، إلى الأرض الّتي وعده بها ليأتوا إليها ويعبدونه بالرّوح والحقّ، كذلك عند دخوله إلى أورشليم، كان يسوع يهيّىء نفسه ليحقّق العيد بالعبور بموته على الصّليب، ولكن هذه المرّة مع شعب العهد الجديد أيّ البشريّة بأسرها وليس مع أمّة محدّدة. فالجنس البشريّ الّذي حتّم على نفسه الموت من جرّاء أنانيّته وكبريائه، وهذه هي العبوديّة القاسية، أراد الرّبّ أن يتمّم مخطّطه بالإبن فعبر به من الخطيئة إلى الحياة الجديدة الأبديّة وإلى الحبّ الّذي لا يعرف حدودًا ولا نهاية ولا خيبة، إنّه الحبّ الأبويّ. بدخوله أورشليم، يحمل الملك يسوع معه الإنسان المجروح والمتألّم والمريض والملقى على قارعة الطّريق بلا مبالاة من أخيه الإنسان؛ يتضامن مع الضّعيف وينحني نحوه ويطعم الجائع خبزًا وسمكًا– قربانًا عربون المائدة السّماويّة، خبز الحياة وغذاء النّفس المتعطّشة إلى الحياة والحرّيّة.و
في الشّعانين، يسوع الملك دعا الأطفال ليأتوا إليه وهم يهتفون بالهوشعنا مبارك الآتي باسم الرّبّ. وها نحن اليوم نرى أطفالاً يقتلون في أرحام أمّهاتهم، وإذا أبصروا نور الحياة فالكثير منهم يهمشون ولا يتنعّمون بالحياة الكريمة والهانئة، ونرى أطفالاً يموتون في الحروب ورحلات الهجرة القاسية الظّالمة في عرض البحار. لكن في المقابل، نرى أناسًا طيّبين يؤمنون بالحياة ويعملون بإخلاص، لإنقاذ الأطفال والعائلات من ظلم الظّالمين.
يسوع الّذي نستقبله اليوم ونعبده هو ملك يموت عن الشّعب، في حين أنّ معظم ملوك هذا العالم الّذين أماتوا فيهم الشّعور الإنسانيّ يجعلون من شعوبهم محرقة لإلهة بطونهم وكبريائهم وأنانيّتهم ومصالحهم الشّخصيّة الضّيّقة. فالشّعانين هي مناسبة لصحوة الملوك والحكّام الّذين يتسبّبون بالصّراعات والانقسامات من جهة وينادون بالسّلم والسّلام من جهة ثانية. إنّها دعوة ليعودوا إلى حالة الطّفولة الإنسانيّة والرّوحيّة، فيتصالحوا مع ذواتهم ويضعوا حدًّا لأخطائهم بخلق فسحة حياة وهناء لتفرح النّاس بالهوشعنا.
نأمل أن تكون شعانين لبنان فرصة حتّى يتحرّك المسؤولون في الدّاخل ويقدموا على انتخاب رئيس للجمهوريّة لتستقيم الأحوال في الوطن الممزّق. نعم إنّه ممزّق أمام أقصى أزمة يعرفها في عصره الحديث. لكن، فلنؤمن أنّ لبنان مهما مزّق وجرح وطعن فإنّه يبقى وطن القدّيسين، وطن القيم الرّوحيّة والإنسانيّة. نصلّي لأن تكون شعانين لبنان فرصة للنّظر بواقعيّة وجدّيّة الى حاضر الوطن وغده. فغده لا يمكن أن يكون مثل ماضيه في الحوكمة السّيّئة المرتكزة على الفساد وسرقة أموال النّاس وأتعابهم. نحن نرجو وطنًا اختبر أبناؤه وتمرّسوا على المقاومة والصّمود، وطنًا ينهج الحوار ويترسّخ بالتّعدّديّة مهما حاولوا تغيير هذا الواقع وتشويه هذه الفسيفساء. هناك محاولات تريد أن تحرم لبنان نعمة التّعدّديّة في الوحدة واللّقاء لحوار الحياة وميزة العمق الرّوحيّ الّذي يزيّن كلّ العائلات اللّبنانيّة. إنّها حقيقة راسخة في القلوب والعقول والاختبار اليوميّ، فلا يمكن أن تمحى بمحاولات هشّة.
شعانين هذه السّنة هي دعوة لكلّ واحد منّا لكي لا نفقد الرّجاء، ونتقوّى بالملك الأوحد يسوع المسيح. وفي شعانين الرّجاء، يدخل الرّبّ وتستقبله الجموع، فهلموا نستقبل الرّبّ بقلوب نقيّة لا غشّ فيها ولا رياء. تعالوا نستقبله اليوم في الكنيسة لا بل في بيوتنا ورعايانا ووطننا، فنعبّر عن حبّنا وتوبتنا وشكرنا لأنّه يجدّد عهد الحبّ معنا دون انقطاع ويمكث معنا ويكسر الخبز ليتمّم المعرفة الإفخارستيّة. تعالوا نرافق الأطفال والشّبيبة، نؤمّن لهم حاضرًا مستقرًّا ومستقبلاً زاهرًا بالأمن والسّلام والازدهار، فلهم الحقّ أن يفرحوا بنعمة الحياة الكريمة. تعالوا اليوم في الشّعانين نعلن قانون الإيمان بشفاهنا ونشعر به في قلوبنا ونلتزم عيشه في رسالتنا الإنسانيّة والمسيحيّة مؤكّدين أنّ يسوع هو رجاؤنا، له التّسبيح والهوشعنا والمجد والعزّة والإكرام، إلى أبد الآبدين، آمين".