متفرّقات
14 تموز 2014, 21:00

شحّ المياه في لبنان... أزمة حقيقية أم سوء إدارة

(موقع أون لاين) يتصدّر ملفّ المياه والجفاف الذي يعاني منه لبنان، واجهة الإهتمامات المعيشية والإقتصادية وحتى الأمنية والسياسية اليوم، في ضوء التحذيرات من أزمة شحّ خطيرة مع تزايد الطلب على المياه إثر تدفق أكثر من مليون لاجىء سوري الى البلد.
غير أنّ النبأ الذي أشيع أخيراً عن محاولة استيراد المياه من تركيا، يطرَح أكثر من علامة استفهام. فهل يعيش بلد المياه والمصنّف كثالث بلد عربي في غزارة هذه الثروة، كارثة مأسوية الى هذا الحدّ؟
كأنّ التهديدات الأمنية والمعيشيّة المتزايدة لا تكفي اللبنانيين، حتى أضيفت إليها أزمة شحّ المياه التي تفاقمت على الرغم من إطلاق التحذيرات منها منذ أكثر من 15 عاماً. ولكن لا حياة لمن تنادي. فأحدٌ من المسؤولين والمعنيّين لا يحرّك ساكناً لاتخاذ إجراءات وقائية تقينا شرّ المصيبة.
إلى أي منطقةٍ لبنانية توجّهتَ، وفي أي شارع تواجدتَ، لا شكّ أنّ صهاريج مياه تصادفك باستمرار، متنقّلةً بين منزلٍ وآخر، حتى تخال نفسك تدور في مكانك، حتى باتت المياه عملةً نادرة في بلاد المياه.
وفي وقت يزداد الطلب عليها بشكل كبير، تنخفض ساعات التغذية بشكل ملحوظ نتيجة تناقص هطول الأمطار، في حين أن ما تبقى من مياه الينابيع والآبار الارتوازية يتم توزيعها على المناطق، وبات المواطن يدفع فواتير بالجملة للدولة، ولأصحاب الصهاريج، ولمياه الشرب، وربما للري أيضاً.
يُعتبر لبنان أقل بلدان الشرق الأوسط فقراً بالمياه، إذ كان حتى الأمس القريب، يتجاوز المعدّل السنوي لهطول الأمطار فيه 800 مليون متر مكعب، ما كان يساعد على الحفاظ على أكثر من 2000 ينبوع خلال موسم الجفاف، الذي يمتدّ لسبعة أشهر.
ولكن، ووفق الأرقام المسجّلة في تقارير مصلحة الأرصاد الجوية في مطار بيروت الدولي، فإن كمية المتساقطات من الأمطار في لبنان لم تتجاوز 318 ملليمتراً حتى نهاية شهر شباط 2014، في مقابل 693 ملم في الفترة نفسها من العام 2013. لكن أمطار شهر آذار أنقذت الوضع على مستوى كمية المتساقطات دون الزرع، إذ وصلت الكمية الى 395 ملم مقابل المعدل العام البالغ 863 ملم. لكن النقص بقي حاضراً بنسبة 55 في المئة.
وإذا سلّمنا أن معدل الطلب الحالي على المياه سنوياً هو 900 مليون متر مكعب منها 630 مليون متر مكعب للزراعة، فإن وجود ما يزيد عن المليون نازح سوري في لبنان بحسب آخر إحصاء للأمم المتحدة سيزيد من معدل الطلب بنسبة 25 في المئة، وربما أكثر إذا ما احتسبنا غير المسجلين.
بالأرقام...
وفي هذا السياق، برزت في الجلسة التي عقدتها لجنة الأشغال العامة والنقل والمياه، والتي خصصت لبحث مواجهة مخاطر كارثة شح المياه المتوقعة، الأرقام التي وزّعها رئيس مصلحة الأبحاث العلمية الزراعية ميشال افرام، والتي أضاءت على حجم الكارثة التي تنتظر اللبنانيين والتي كان من المفترض التحسّب لها قبل الوقوع فيها.
وتُظهر هذه الأرقام التالي:
- مجموع الأمطار من أيلول 2013 لغاية آخر حزيران 2014 : ما يعادل الـ 44% من المعدل السنوي العام.
- مجموع الأمطار للأعوام الماضية:
2013: 770 ملم - 108%
2012: 680 ملم – 95%
2011: 650 ملم – 90%
2010: 650 ملم – 90%
2009: 600 ملم – 80%
2008: 370 ملم- 48%
 
- المياه المتوافرة مبدئياً للفرد في لبنان عام 2010: 1.100 متر 3 بالعام (فعليا أقل من ذلك).
- المياه المتوافرة في استراليا عام 2010: 35.000 متر 3 بالعام.
- نسبة استهلاك لبنان من احتياطه للمياه عام 2010 : 73% من المياه الجوفية.
- استهلاك اوستراليا من احتياطها للمياه عام 2010 : 3% من المياه الجوفية.
- جغرافياً أكثر من 60% من مساحة لبنان معرضة للتصحر.
- انخفاض كمية المياه الجوفية وانخفاض مستوى المياه الجوفية ويتوقع إنخفاض أكبر صيف 2014.
تقصير
إذاً، حصل المتوقّع. وكالعادة، وبعد فوات الأوان، تنطلق محاولات البحث عن حلول لاستدراك الموقف وتفادي الكارثة. وأكثر الحلول غرابةً يتمثّل في الطرح الذي خرجت به لجنة الطاقة والمياه النيابية خلال اجتماعها الأخير يوم الأربعاء الماضي، ألا وهو استيراد المياه من تركيا.
يؤكد رئيس لجنة الأشغال العامة والطاقة النائب محمد قباني لـ “الجمهورية”، أن “الحكومة لم تفعل شيئاً على صعيد أزمة المياه، وللأسف لا عقل علمياً لديها، وهي لا تفكر في أفضل الطرق لتأمين المياه للمواطنين، بل إن كل ما يفكرون به ويسعون إليه هو المشاريع الضخمة لأهداف شخصية، كإنشاء السدود مثلاً، في حين تتعدّى كلفة السد الـ 300 مليون دولار، فينتهي الموضوع بآبار إرتوازية معظمها جاف أو مملّح”.
ويرى قباني أن “إيجاد حلّ عملي لمشكلة الشحّ أصبح غير متاح إلّا إذا تمّ اعتماد خيار استيراد المياه من تركيا التي تقوم بتصديرها أيضاً الى عددٍ من الدول”، لافتاً أن الى “نتائج الإجتماع مع السفير التركي لدى لبنان إينان أوزيلديز كانت إيجابية في هذا المجال”.
وإذ يؤكد “أننا نشجع إستعمال كل الوسائل الممكنة لتأمين المياه لشعبنا”، يقول: “لكن لا يبدو أن هناك امكانية عالية لأن تكفينا التدابير الداخلية، لذلك يجب اتخاذ أكثر من تدبير”، سائلاً: “ما العيب في استيراد المياه من تركيا، بانتظار أن نصبح قادرين على الإكتفاء ذاتياً؟”ويُشدد قباني على أن “ الاتفاق على استيراد المياه يجب أن يكون من دولة الى دولة من دون تدخّل سماسرة”.
هذا الطرح يرفضه كثيرون، وخبراء المياه يؤكدون أن الأزمة في لبنان لا تكمن في غياب الموارد المائية، بل في إدارتها بسبب غياب الخطط العلمية للتعامل مع المشكلة بشكل علمي وواقعي وكيفية تدارك النتائج الكارثية التي يمكن أن يصل اليها على ضوء تغيّر المناخ. فلماذا الإستيراد اذاً؟ ألا توجد حلول داخلية لهذه الأزمة المتكررة في بلد يعوم على ثروة مائية حقيقية؟
المياه سلعة؟
يؤكد المدير التنفيذي “لملتقى التأثير المدني” زياد الصايغ لـ”الجمهورية”، أن “المفارقة الكبرى هي أن لبنان سبق أن عرض على قبرص في تشرين الأول الماضي، أن يبيعها المياه، فكيف يصبح لبنان بعد 6 -7 أشهر هو من يحتاج الى استيراد المياه؟” لافتاً الى أن “المشكلة الكبرى التي برزت في توصيات لجنة الطاقة النيابية هي أن لبنان قرر تحويل المياه الى سلعة في وقت تعتبر المياه حقاً إنسانياً، وقرر تحويلها الى مادة تجارية في الوقت الذي نعتبرها ثروة وطنية، ونحن نملك ما يكفي من الموارد المائية”.
منتدى التأثير المدني، وفي خطته blue gold، التي أطلقها للحفاظ على الموارد المائية، طرح سلسلة حلول أبرزها ترشيد الإستهلاك والتعاون مع البلديات في هذا المجال، وقف الإهدار في القطاع الزراعي، الإستفادة من المياه الجوفية، ووضع مخطط توجيهي للآبار الارتوازية قبل مصادرتها من قبل الدولة، الإستفادة من نهري العاصي والدامور، والإستفادة من ينابيع المياه العذبة تحت البحر في شكا وصور.
ويرى الصايغ أن “هذه الحلول تعيد الإعتبار لبناء سياسة مالية في لبنان، لأن المشكلة في لبنان اليوم هي أننا في حال ردة فعل مع نقص المياه وليس مع أزمة مياه، في وقت يتوجب علينا أن ننتقل الى حلول استراتيجية على المدى القريب والمتوسط والبعيد”.
صحيح أن الثروة المائية تضاءلت، ولكنها لا تزال موجودة، وما نعيشه هو أزمة مياه. فهل تكون الأزمة الراهنة إنذاراً أخيراً يدفع بالمسؤولين الى اتخاذ قرارات سريعة تؤدي الى حلول أقل كلفة وأكثر نجاعة؟ وهل يعي المعنيّون أن لبنان المصنف كثالث بلد عربي في غزارة المياه، قادر على أن يسترد جزءاً من ثروته المائية من خلال سياسة الترشيد وتخزين المياه في الآبار؟