الفاتيكان
13 أيار 2022, 05:55

صدور رسالة البابا فرنسيس لليوم العالميّ للمهاجرين واللّاجئين، ومضمونها؟

تيلي لوميار/ نورسات
صدرت ظهر الخميس رسالة البابا فرنسيس لمناسبة اليوم العالميّ الثّامن بعد المئة للمهاجرين واللّاجئين الّذي يُحتفل به في الخامس والعشرين من أيلول/ سبتمبر، تحت عنوان "بناء المستقبل مع المهاجرين واللّاجئين"؛ دعا فيها إلى تجديد الالتزام من أجل بناء مستقبل يستجيب بشكل أكبر لمشروع الله،، لعالم يمكن فيه للجميع أن يعيشوا بسلام وكرامة"، فكتب بحسب "فاتيكان نيوز":

"لأنّه ليس لنا هنا مدينة باقية، وإنّما نسعى إلى مدينة المستقبل"، أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، إنَّ هدف "رحلتنا" في هذا العالم هو البحث عن الوطن الحقيقيّ، ملكوت الله الّذي افتتحه يسوع المسيح، والّذي سيجد تحقيقه الكامل عندما سيعود في المجد. إنَّ ملكوته لم يكتمل بعد، ولكنه حاضر منذ الآن في الذين قبلوا الخلاص. إنَّ ملكوت الله فينا. على الرّغم من أنّه لا يزال إسكاتولوجيًّا، مستقبل العالم والبشريّة، لكنّه في الوقت عينه حاضر فينا.

إنَّ مدينة المستقبل هي "المدينة ذات الأسس والله مهندسها وبانيها". ويتضمّن مشروعه عمل بناء مكثّف علينا أن نشعر فيه جميعًا بأنّنا نشارك بشكل شخصيّ. إنّه عمل دقيق للارتداد الشّخصيّ وتحويل الواقع، لكي يتوافق أكثر فأكثر مع المخطّط الإلهيّ. تذكّرنا مآسي التّاريخ إلى أيّ مدى لا يزال بعيدًا الوصول إلى هدفنا، أورشليم الجديدة، "مسكن الله مع النّاس". لكن لا يجب لهذا الأمر أن يُحبطنا. في ضوء ما تعلّمناه في ضيقات الأزمنة الأخيرة، نحن مدعوّون لكي نُجدِّد التزامنا من أجل بناء مستقبل يستجيب بشكل أكبر لمشروع الله، لعالم يمكن فيه للجميع أن يعيشوا بسلام وكرامة. "نحن ننتظر، كما وعد الله، سماوات جديدة وأرضًا جديدة يقيم فيها البرّ". يشكّل العدل إحدى العناصر المكوّنة لملكوت الله؛ وفي البحث اليوميّ عن إرادته، يجب أن يبنى بالصّبر والتّضحية والعزم، لكي يشبع جميع الّذين يجوعون ويعطشون إليه. يجب أن تُفهم عدالة الملكوت على أنّها تحقيق للنّظام الإلهيّ، لمخطّطه المتناغم، حيث، في المسيح الّذي مات وقام، تصبح كلّ الخليقة مُجدّدًا "أمرًا حسنًا" والبشريّة "أمرًا حسنًا جدًّا". ولكن لكي يسود هذا التّناغم الرّائع، علينا أن نقبل خلاص المسيح، وإنجيله، إنجيل الحبّ لكي يتمَّ القضاء على غياب المساواة والتّمييز في العالم الحاضر.

لا ينبغي استبعاد أحد. إنَّ مشروع الله شامل بشكل أساسيّ ويضع في المحور سكّان الضّواحي الوجوديّة. ومن بينهم العديد من المهاجرين واللّاجئين والمشرّدين وضحايا الاتجار بالبشر. إنَّ بناء ملكوت الله يتمُّ معهم، لأنّه بدونهم لن يكون الملكوت الّذي يريده الله. وبالتّالي يعتبر إدماج الأشخاص الأكثر ضعفًا شرطًا ضروريًّا للحصول على الجنسيّة الكاملة. في الواقع يقول الرّبّ: "تعالوا، يا من باركهم أبي، فرثوا الملكوت المعدّ لكم منذ إنشاء العالم: لأنّي جعت فأطعمتموني، وعطشت فسقيتموني، وكنت غريبًا فآويتموني، وعريانًا فكسوتموني، ومريضًا فعدتموني، وسجينًا فجئتم إليّ". إنّ بناء المستقبل مع المهاجرين واللّاجئين يعني أيضًا الاعتراف والتّقدير لما يمكن أن يقدّمه كلّ منهم في عمليّة البناء. يطيب لي أن أضع هذا النّهج لظاهرة الهجرة في رؤية نبويّة للنّبيّ أشعيا، حيث لا يظهر الغرباء كغزاة ومدمّرين، بل كعمّال يرغبون في إعادة بناء أسوار أورشليم الجديدة، أورشليم المفتوحة لجميع الشّعوب.

في النّبوءة عينها، يُقدَّم وصول الغرباء كمصدر للاغتناء: "إليكِ تتحوّل ثروة البحر وإليكِ يأتي غنى الأمم". في الواقع، يعلّمنا التّاريخ أنّ مساهمة المهاجرين واللّاجئين كانت أساسيّة للنّموّ الاجتماعيّ والاقتصاديّ لمجتمعاتنا. ولا تزال كذلك حتّى اليوم. إنّ عملهم وقدرتهم على التّضحيّة وشبابهم وحماسهم يُغنون الجماعات الّتي تستقبلهم، لكن يمكن لهذه المساهمة أن تكون أكبر بكثير إذا تمّ تقديرها ودعمها من خلال البرامج الموجّهة. إنّها إمكانات هائلة، جاهزة للتّعبير عن نفسها، إذا أتيحت لها الفرصة فقط. إنَّ سكّان أورشليم الجديدة- يتنبّأ أشعيا أيضًا- يحافظون دائمًا على أبواب المدينة مفتوحة على مصراعيها، لكي يتمكّن الغرباء من الدّخول مع عطاياهم: "وتنفتح أبوابكِ دائمًا لا تغلق نهارًا ولا ليلاً ليؤتى إليكِ بغنى الأمم وتحضر إليكِ ملوكهم". يمثّل وجود المهاجرين واللّاجئين تحدّيًا كبيرًا ولكنّه أيضًا فرصة للنّموّ الثّقافيّ والرّوحيّ للجميع. بفضلهم لدينا الإمكانيّة لكي نعرف العالم وجمال تنوّعه بشكل أفضل. يمكننا أن ننضج في الإنسانيّة وأن نبني معًا "نحن" أكثر شمولاً. في الجهوزيّة المتبادلة، تولد فسحات للمواجهة المثمرة بين الرّؤى والتّقاليد المختلفة، الّتي تفتح العقل على وجهات نظر جديدة. كما نكتشف أيضًا الغنى الموجود في الأديان والرّوحانيّات الّتي لا نعرفها، وهذا الأمر يدفعنا إلى تعميق قناعاتنا.

في أورشليم الأمم، أصبح هيكل الرّبّ أجمل بواسطة الذّبائح الّتي كانت تصل من أراض غريبة: "وكلُّ غنم قيدار تجتمع إليكِ وكباشُ نبايوت تخدمكِ. تصعد على مذبح رضاي وأُمجِّد بيتَ جلالي". من هذا المنظور، يقدّم وصول المهاجرين واللّاجئين الكاثوليك طاقة جديدة للحياة الكنسيّة للجماعات الّتي تستقبلهم. إذ غالبًا ما يكونون حاملي ديناميكيّات مُنعشة ومحرِّكين لاحتفالات نابضة بالحياة. تمثّل مشاركة أساليب التّعبير المختلفة عن الإيمان والعبادة فرصة مميّزة لكي نعيش جامعيّة شعب الله بشكل كامل. أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، ولاسيّما أنتم الشّباب! إذا أردنا أن نتعاون مع أبينا السّماويّ في بناء المستقبل، فلنفعل ذلك مع إخوتنا وأخواتنا المهاجرين واللّاجئين. لنبنِهِ اليوم! لأنّ المستقبل يبدأ اليوم ويبدأ مع كلّ فردٍ منّا. لا يمكننا أن نترك مسؤوليّة القرارات الّتي يجب اتّخاذها الآن للأجيال القادمة، لكي يتحقّق مشروع الله للعالم ويأتي ملكوته ملكوت العدالة والأخوَّة والسّلام.

إجعلنا يا ربّ حاملي رجاء، لكي يسود نورك حيث الظّلام وتولد مجدّدًا الثّقة بالمستقبل حيث الاستسلام. إجعلنا يا ربّ أدوات لعدالتك لكي تُزهر الأخوّة حيث الإقصاء، وتزدهر المشاركة حيث الجشع. إجعلنا يا ربّ بناة لملكوتك مع المهاجرين واللّاجئين وجميع سكّان الضّواحي. إجعلنا يا ربّ نتعلّم كم هو جميل أن نحيا جميعًا كإخوة وأخوات. آمين."