طربيه في عيد الطّوباويّ البطريرك الدّويهيّ: لقد كان منارة علم وقداسة
بعد الإنجيل المقدّس، ألقى المطران طربيه عظة من وحي المناسبة، قال فيها: "نحتفل اليوم بالعيد الأوّل للطّوباويّ الجديد البطريرك مار اسطفانوس الدّويهيّ بعد أن أعلنت الكنيسة تكريس الثّالث من شهر أيّار للاحتفال بعيده السّنويّ. ويشكّل شهر أيّار محطّتين مهمّتين في حياة البطريرك الدّويهيّ، لأنّه في اليوم الخامس من أيّار عام 1670، ارتقى إلى عرش كرسيّ أنطاكيا البطريركيّ، وفي الثّالث منه عام 1704 رقد بالرّبّ. مات بطريرك الموارنة والملفان ورائد النّهضة الرّوحيّة واللّيتورجيّة واللّاهوتيّة، لكنّه بقي حيًّا في إرثه ومُثله وما قام به من أجل كنيسته المارونيّة. ونعود بالذّكرى الى احتفالنا السّنة الماضية هنا في كاتدرائيّة سيّدة لبنان، وإلى إزاحة السّتار عن نصبه التّذكاريّ، ليكون أوّل نصب له خارج لبنان، يساعدنا ويساعد الأجيال الجديدة على التّأمّل والتّعرّف إلى تراث القداسة والرّوحانيّة المارونيّة الأصيلة.
نتأمّل اليوم في عيده، محاولين أن نقتفي خطاه لأنّه كان لنا المثال في إيمانه بالله واتّكاله على شفاعة العذراء مريم أمّ الله. لقد كان منارة علم وقداسة. إنّه منارة عِلم إذ ترك لنا وللأجيال كافّة، المخطوطات التّاريخيّة واللّيتورجيّة واللّاهوتيّة المتنوّعَة، فلا أحد يستطيع أن يكتب وينقّب ويصحّح مثله. إنّه أكبر البطاركة الموارنة إذ لم يأتِ مثله ولن يأتي. وهو منارة قداسة، فحياته كلّها من البداية الى النّهاية تعبير عن محبّة الله ومحبّة كنيسته. لقد كان إكليريكيًّا من عمر إحدى عشرة سنة تلميذًا في روما، وكاهنًا لمدّة إثنتي عشرة سنة، وأسقفًا سنتين، وبطريركًا أربعًا وثلاثين سنة. لأنّه بقي هو هو، رجل إيمان وصلاة وتقشّف وزهد وصبر على المحن الّتي رافقت حياته كلّها من الدّاخل والخارج. وهو لنا اليوم طوباويًّا وشفيعًا وعلامة رجاء للكنيسة الجامعة ولأستراليا وللبنان."
وتطرّق إلى "أهمّيّة التّسليم للمشيئة الإلهيّة على مثال مريم العذراء الّتي كانت قدوة للبطريرك الطّوباويّ والبابا فرنسيس في مسيرتهما في خدمة الكنيسة وكلمة الإنجيل، قائلًا: "في هذا الشّهر المبارك المكرّس للعذراء مريم، تتأمّل الكنيسة بروح الإيمان والتّسليم في رحيل البابا فرنسيس إلى بيت الآب السّماويّ. لقد حمل البابا فرنسيس حبًّا عميقًا لمريم العذراء، تجلّى في صلاته أمام أيقونة “Salus Populi Romani” في بازيليك القدّيسة مريم- روما. لم تكن هذه مجرّد عادة، بل لقاء روحيّ مُفعم بالإيمان، حيث كان يكل رسالته وتحدّياتها في أحضان العذراء مريم أمّ الله، قبل كلّ رحلة رسوليّة وبعدها، مستمدًّا منها القوّة والنّعمة. وكما قال في أحد تأمّلاته: ليست مريم مجرّد جسر يربطنا بالله، بل هي السّبيل الّذي اختاره الله ليصل إلينا، وهي الطّريق الّذي يجب أن نسلكه لنصل إليه.
إنّها كلمات مملوءة بالحكمة، تُذكّرنا بأنّ علاقتنا مع الله ليست مجرّد فكرة أو مفهوم، بل مسيرة قلبيّة ووجوديّة نسير فيها مع مريم الّتي قالت في تواضعها: ليكن لي بحسب قولك."
ودعا طربيه المؤمنين في الختام إلى "الصّلاة بإيمانٍ متجدّد، طالبين شفاعة مريم العذراء، رافعين صلاتنا من خلال المسبحة الورديّة مع عائلاتنا ومنشدين تسابيحها في كنائسنا، ومودِعين في قلبها الأموميّ أحزاننا وهمومنا. ولنستلهم القوّة والرّجاء من مثال البطريرك إسطفانوس الدّويهيّ، الّذي حمل الصّليب بشجاعة، وحفظ تقاليدنا بحكمة وعلّمنا كيف نحيا كأبناء مريم وتلاميذ المسيح."