لبنان
29 تشرين الأول 2020, 10:30

طربيه للّبنانيّين بإسم أساقفة الانتشار المارونيّ: نحن إلى جانبكم في هذه الأزمة المصيريّة ولن نتخلّى عنكم!

تيلي لوميار/ نورسات
بدعوة من المؤسّسة البطريركيّة المارونيّة العالميّة للإنماء الشّامل، ترأّس راعي أبرشيّة مار مارون أستراليا المطران أنطوان- شربل طربيه قدّاس الشّكر والتّضامن مع بيروت، مساء الأحد الماضي، في كنيسة مار مخايل النّهر، وشارك فيه مطران بيروت للموارنة بولس عبد السّاتر والأساقفة الموارنة في بلدان الانتشار: المطران إدغار ماضي من البرازيل، المطران بول مروان تابت من كندا، المطران يوحنّا- حبيب شاميّة من الارجنتين، والمطران سيمون فضّول من أفريقيا، والسّفير البابويّ جوزف سبيتاري، والرّئيس العامّ للرّهبانيّة اللّبنانيّة المارونيّة نعمة الله هاشم، والأمين العامّ للمدراس الكاثوليكيّة الأب بطرس عازار وعدد من الكهنة والآباء، بحضور حشد من الفعاليّات والمؤمنين.

بعد تلاوة الإنجيل المقدّس، ألقى المطران طربيه عظة قال فيها بحسب "الوكالة الوطنيّة للإعلام": "قدّاسنا فعل شكر لله، مصدر كلّ خير وعدل وحقّ، لأنّه، وعلى الرّغم من الأزمة المعيشيّة المأساة الّتي يعيشها اللّبنانيّون، ومن الدّمار الكبير الّذي أحدثه الانفجار الجريمة في مرفأ بيروت في الرّابع من شهر آب، نلتقي اليوم، لا لنتساءل عمّا حدث، إنّما لنرفع أدعية الشّكر لله، مصلّين من أجل كلّ الأيادي البيض، وكل الجمعيّات والمؤسّسات الخيريّة، من لبنان ومن بلدان الانتشار، الّتي هبّت لمساعدة المنكوبين، وللوقوف إلى جانب كلّ متعب ومشرّد، ومجروح وحزين وفقير. فإرادة الخيّرين والمحسنين من مقيمين ومغتربين أقوى من أيّ انفجار ومأساة، لأنّه وكما يقول القدّيس بولس: حيثما كثرت الخطيئة فاضت النّعمة.

وأريد في هذه المناسبة أن أتوجّه مع إخوتي السّادة الأساقفة، بالامتنان إلى صاحب السّيادة المطران بولس عبد السّاتر، راعي هذه الأبرشيّة المباركة، الّذي أتاح لنا، نحن أساقفة الانتشار المارونيّ، فرصة الاحتفال بهذا القدّاس التّضامنيّ مع أهل بيروت، وخصوصًا مع أهل الشّهداء وكلّ المنكوبين بسبب الانفجار.

وأودّ أن أشكره باسمكم جميعًا، على تضحياته الكبيرة وعمله الدّؤوب لتضميد الجراح، ومساعدة المنكوبين وإعادة بناء ما تهدم. كما كلّفني المطران عبد السّاتر أن أنقل شكره للمؤسّسة البطريركيّة المارونيّة العالميّة للإنماء الشّامل على كلّ ما تقوم به من جهد لترميم الأبنية المتضرّرة في شارع مار مخايل كما في هذه الكنيسة الرّعويّة.

يعلّمنا الرّبّ يسوع في مثل الوزنات الّذي نتأمّل به اليوم، أنّنا مدعوّون ليس فقط إلى قبول العطايا والمواهب الّتي خصّصها الله لكلّ واحد إنّما إلى الالتزام بتثميرها من أجل تحقيق الذّات، وخير الجماعة وإنماء الشّخص البشريّ والمجتمع.

كم هو مهمّ اليوم أن نضع مواهبنا ووزناتنا وإمكاناتنا من أجل إخوتنا وأخواتنا الّذين قست عليهم الأيّام والظّروف، خصوصًا في بيروت، وهم ينتظرون أن تمتدّ نحوهم يد الرّحمة والمعونة... وهكذا عندما يأتي زمن الحساب والدّينونة يكون الثّواب لمن ثمر وزناته وعطاياه في عمل الرّحمة والخير، ويكون العقاب لمن اغلق بابه ومنع عطاياه عن إخوته المحتاجين والفقراء.

يختلف احتفالنا بالقدّاس اليوم عن أيّ قدّاس احتفلنا به سابقًا في رعايا أبرشيّة بيروت. فكنيسة مار مخايل لها تاريخها وحضورها في هذه المنطقة، وقد صمدت في زمن الحرب وكانت ملجاء للكثيرين من أبناء المنطقة والرّعيّة.

لم نكن نتوقّع أنّنا سنعود يومًا إلى هذه الكنيسة ونشهد من جديد على الأضرار الكبيرة الّتي لحقت بها. لذلك كانت بداية قدّاسنا اليوم عند السّاعة السّادسة مساء و8 دقائق: لا لنتذكّر الانفجار المرعب وتداعياته، إنّما لنفجّر حدثًا من نوع آخر: إنّه وبحسب الكاتب الفرنسيّ روول فوليرو، انفجار المحبّة والسّلام. فليرم كلّ منّا قنبلة سلام أو قنبلة محبّة حوله في العالم. من هذا المنطلق، لا بدّ من أن تنطلق مسيرة جديدة، إنّها مسيرة العطاء والرّحمة، إنّها مسيرة التّغيير والرّجاء، إنّها مسيرة الشّفافيّة والمسؤوليّة، إنّها مسيرة رفض الأمر الواقع والعمل على تغيير ما يجري ووضع خطّة وطنيّة جدّيّة لإنقاذ البلاد.

يختلف لبنان الوطن هذه المرّة عما كان عليه في آخر زيارة لنا إليه في حزيران 2019: لم يعد قبلة أنظار شبابه الطّموح والواعد، فقد تجاوزت البطالة عتبة 50 في المئة وأصبح الكثيرون يبحثون عن طريق للهجرة إلى أيّ بلد آخر، يؤمّن لهم ما تقاعس المسؤولون عن تأمينه لشباب الوطن. والمؤسف أنّ الكثيرين في الخدمة العامّة استغلّوا موقع المسؤوليّة، لا ليخدموا النّاس وقضايا الوطن، إنّما لتأمين مصالحهم الشّخصيّة والأنانيّة على حساب الدّولة، فنجحوا بتكديس ثروات تفوح منها رائحة الفساد واختلاس المال العامّ.

ويؤسفني القول إنّ كلّ ذلك يحصل أمام عيون الجميع واتّضحت الإرادة الشّرّيرة الّتي تغطّي الفساد والفاسدين وتدعم البعض في الدّاخل اللّبنانيّ لكي يستبدّ ويهيمن ويسقط كلّ ما يقف في طريق سيطرته غير المشروعة على الدّولة ومؤسّساتها في لبنان.

وتختلف زيارتنا لبيروت هذه المرّة عن أيّ زيارة سابقة بعد أن ولّى زمن الحرب. فمدينة بيروت- وهي مفخرة اللّبنانيّين وستّ الدّنيا- تئنّ اليوم بعد ما أشبعتها يد الغدر والإجرام جراحًا وقتلاً وتدميرًا. كما تحاول يد الشّرّ هذه أن تهدم ثقة أهل بيروت بمدينتهم، وتضرب الأمل في نفوس شباب لبنان.

جئت اليوم مع إخوتي الأساقفة لنقول لهؤلاء: لا... لا، لن تنالوا من عزّة وكرامة وعنفوان أهلنا في بيروت. لا، لن تنالوا من عزم اللّبنانيّين مقيمين ومغتربين على إعادة إعمار ما تهدم. لا، لن تستطيعوا القضاء على طموح شبابنا وتزوير التّاريخ وهويّة الأرض ومستقبلها. فمن يطالع تاريخ هذه المدينة العريقة يعرف تمامًا أنّ بيروت باقية وستنتفض مثل طائر الفينيق، لأنّ إرادة أهلها أقوى من أيّ انفجار ومصيبة وأزمة.

أحبّائي، نحن اليوم هنا، أساقفة موارنة ورعاة لأبرشيّات عدّة من بلدان الانتشار: فمعنا صاحب السّيادة المطران إدغار ماضي من البرازيل، وصاحب السّيادة المطران بول مروان تابت من كندا، والمطران يوحنّا- حبيب شاميّة من الأرجنتين، وصاحب السّيادة المطران سيمون فضّول من أفريقيا وأنا من أستراليا. أتينا بناء لدعوة صاحب الغبطة والنّيافة البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الرّاعي، لنشارك في أعمال السّينودس المارونيّ. أتينا لنؤكّد على اتّحادنا مع صاحب الغبطة في مواقفه الكنسيّة والوطنيّة، وخاصّة في موضوع الحياد الإيجابيّ الّذي نجد من خلاله ضمانة للسّلام في لبنان وطريق أكيد لمستقبل أفضل لكلّ اللّبنانيّين.

لقد أتينا لنقول لكم مع قداسة البابا فرنسيس، إنّنا كلّنا إخوة. نعم إنّنا إخوة لكلّ عاطل عن العمل أو منسيّ أو مشرّد أو فقير. إنّنا إخوة لكلّ شخص فقد نسيبًا أو قريبًا أو حبيبًا. إنّنا إخوة لكلّ متألّم ومريض أو مسجون. إنّنا هنا اليوم لنؤكّد أنّنا كلّنا إخوة في هذا الوطن العظيم وطن الرّسالة والإنسان. فنحن إلى جانبكم في هذه الأزمة المصيريّة، ولن ننساكم أو نتخلّى عنكم، ولا عن جذورنا، ولا عن هذه الأرض الّتي أعطت قدّيسين مهما بلغت التّضحيات.

إنّ تضامن اللّبنانيّين مقيمين ومغتربين هو السّدّ المنيع أمام تغيير هويّة لبنان وهو بالوقت عينه فعل إيمان ووقفة عزّ ووفاء خصوصًا لدماء الشّهداء". وقال: "بالرّغم من صعوبة المرحلة وتحطّم أمواج الطّموحات عند صخور الانهيار الاقتصاديّ والمعيشيّ، فلنبدأ ورشة عمل تعيد الثّقة لأنّ لبنان باق، وبدل أن نلعن الظّلمة الحالكة تعالوا لنضىء معًا شمعة إيمان ورجاء في سماء هذا الوطن الحبيب.

عندما كلّفني صاحب الغبطة والنّيافة البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الرّاعي الكلّيّ الطّوبى، أن أكون مرشدًا روحيًّا لـ"المؤسّسة البطريركيّة المارونيّة العالميّة للإنماء الشّامل"، لم يخطر على بال أحد منّا أنّنا سنلتقي يومًا في هذه الكنيسة لنقدّم قدّاس شكر لله من أجل المحسنين وملائكة الرّحمة، ومن أجل الضّحايا البريئة الّتي سقطت في انفجار بيروت.

فبإسم إخوتي الأساقفة وبإسمكم جميعًا نجدّد التّعزية لعائلات الضّحايا ونصلّي لراحة نفوسهم، ونتوجّه بالشّكر إلى المؤسّسة البطريركيّة الّتي دعتنا اليوم لإقامة هذا القدّاس. فإسمحوا لي بأن أشكر أعضاءها فردًا فردًا على كلّ الجهود الّتي يبذلونها وعلى التزامهم ترميم الأبنية المتضرّرة في شارع مار مخايل. وأخصّ بالشّكر نائب رئيس المؤسّسة الدّكتور سليم صفير على عمله الدّؤوب وعلى التزامه الشّخصيّ بإعادة ترميم هذه الكنيسة المباركة لتعود واحة صلاة وإيمان ورجاء.

وفي الختام أشكر كاهن الرّعيّة الأب إيليّا مونّس ومعاونيه، على استقبالهم الحارّ لنا وعلى تفانيه في خدمة هذه الرّعيّة.

وأتوجّه بالشّكر أوّلاً إلى الجيش اللّبنانيّ ولقيادته السّاهرة على أمن الوطن الممثّلة معنا اليوم بالعميد الرّكن سامي الحويّك، رئيس غرفة الطّوارىء المتقدّمة في بيروت، كما أخصّ بالشّكر سعادة المحافظ ورئيس بلديّة بيروت اللّذين لا يوفّران جهدًا للإسهام بعمليّة الاعمار".

وأنهى كلمته قائلاً: "في هذا الأحد الأخير من شهر الورديّة المقدّسة، نضرع إلى العذراء مريم سيّدة لبنان لكي تشفع لنا عند ابنها يسوع، فنبقى مخلصين لإرادته ونثمر الوزنات الّتي أعطاها لكلّ واحد منّا، فنستحقّ في اليوم الأخير أن نسمع صوته قائلاً لنا: طوبى لك أيّها العبد الصّالح الأمين... كنت أمينًا على القليل فسأقيمك على الكثير، أدخل فرح سيّدك".