الأراضي المقدّسة
16 أيار 2022, 13:50

طريقة وحيدة لمبادلة حبّ الله، ما هي؟

تيلي لوميار/ نورسات
عن هذه الطّريقة بالتّحديد، تحدّث بطريرك القدس للّاتين بييرباتيستا بيتسابالا خلال تأمّله بإنجيل الأحد: إنجيل يوحنّا ١٣، ٣١– ٣٥، مؤكّدًا في ختامه على أنّ مبادلة هذا الحبّ تتمّ فقط "عندما نحبّ بعضنا بعضًا، ويتمّ نشره وتدويره".

وفي تفاصيل، تأمّله يقول بيتسابالا نقلاً عن موقع البطريركيّة الرّسميّ: "المقطع الإنجيليّ الّذي نستمع إليه اليوم (يوحنّا ١٣، ٣١– ٣٥) مأخوذ من الفصل ١٣ من بشارة القدّيس يوحنّا، وهو الفصل الّذي يروي العشاء الأخير ولا يمكن فهمه إذا فصلناه عن سياقه.

بعد صدمة "غسل الأرجل"، يورد يوحنّا إعلان يسوع عن خيانة يهوذا (١٣، ٢١). ثمّ يتكلّم عن الوصيّة الجديدة، وبعدها يعلن عن ضعضعة جديدة بين الرّسل، تخصّ هذه المرّة بطرس وإنكاره للمعلّم (١٣، ٣٦).

وبالتّالي إنّ الوصيّة الجديدة مضمّنة بين إعلانين خيانتين. وهذا هو العنصر الأوّل الّذي يجب أن نتوقّف عنده، لأنّ يسوع سيطلب من تلاميذه أن يحبّوا بعضهم البعض بنفس الطّريقة، بنفس المقياس الّذي أحبّهم به (أعطيكم وصيّة جديدة: أحبّوا بعضكم بعضًا. كما أحببتكم أحبّوا أنتم أيضًا بعضكم بعضًا. ١٣، ٣٤).

ويتمّ المقياس من خلال المسافة الّتي يضعها التّلاميذ بينهم وبين الرّبّ: مسافة سحيقة، هي مسافة الخطيئة، لكن يسوع يملأها بحبّه المجّانيّ؛ لا يترك تلاميذه يهيمون على وجوههم في هذه المسافة حيث يضيعون، لأنّه، كما رأينا يوم الأحد الماضي، هو الرّاعي الصّالح، والرّاعي الصّالح لا يريد أن يضيع أيّ من خرافه. ولهذا يعطي الحياة.

يربط الإنجيليّ يوحنّا بين إنكار يهوذا وكلمات يسوع المعلنة في المقطع الإنجيليّ لهذا اليوم. عندما يأخذ يهوذا اللّقمة ويخرج، يهتف يسوع بهذه الكلمات القويّة، الّتي تبدو في ظاهرها خارجة عن السّياق: "الآن تمجّد ابن الإنسان، وتمجّد الله فيه (يوحنّا ١٣، ٣١).    

ماذا تعني؟

تتجه بشارة يوحنّا نحو "ساعة" غامضة، نحو لحظة يكشف الله فيها عن نفسه بالكامل، يكشف عن مجده، في حياة الابن وعمله. حسنًا، لقد حانت السّاعة الّتي يستطيع فيها يسوع أن يكشف عن كلّ الحبّ الّذي جاء يقدّمه، حبّ يصل حتّى إلى التّلميذ الّذي ينكر ويخون، حبّ يمنح الحياة.

لقد خرج يهوذا للتّوّ لينفّذ الخيانة بسيّده، كي يُسلّمه. لكنّه فعل ذلك بعد أن تلقّى من يسوع اللّقمة المُعدّة للصّديق الحبيب، بعد تناول خبز الصّداقة الّذي يتغلّب على كلّ العداوات.    

بالنّسبة ليسوع، المجد هو أقصى حدّ ممكن من الحبّ.

سوف يستجيب الآب، بدوره، لمبادرة المحبّة والطّاعة هذه بإعطائه المجد للابن. وكما أنّ محبة يسوع تصل إلى التّلاميذ الضّائعين في خطيئتهم، فإنّ محبّة الآب لا تترك يسوع يضيع في الموت. فـ"الّذي يذوقه" (يوحنّا ١٣، ٣٢)، في الحقيقة، سوف يعيد له الحياة: "وإذا كان الله تمجّد فيه فإنّ الله سيُمجّده في ذاته، وبعد قليل يُمجّده".

لذلك، يتمّ وضع كلمات يسوع ضمن هاتين القصّتين من الخيانة، وهي لنا بمثابة نشيد النّصر، ومثل بشرى الخلاص المؤكّدة. وفي وسط كلّ هذا الشّرّ بالتّحديد يتمّ الكشف عن حياة الله بالكامل.

ومع ذلك فإنّ هذا ليس كلّ شيء بعد.

في الحقيقة، يضع الفصل ١٣ من بشارة يوحنّا مبادرتي الخيانة في الصّدارة. وبفضلهما يتجلّى حبّ يسوع للإنسان، وهما مبادرتان تتوقّعان وتفسّران ما كان سيحدث لاحقًا.

ولكن بعد ذلك مباشرةً يطلب يسوع من تلاميذه أن يُحبّ بعضهم بعضًا كما أحبّهم: هو يُحبّهم مجّانًا ويطلب منهم، بحكم هذه المجّانيّة، أن يحذوا حذوه.

لا يمكن وضع كلمات الوصيّة الجديدة سوى في سياق الصّليب، وفي يوحنّا، فقط بعد تلك اللّفتات الّتي تُعطي للصّليب معناه. وفي الواقع لن يكون التّلاميذ قادرين على حبّ بعضهم بعضًا سوى بالحبّ الّذي تلقّوه.

إنّ حبّ الله لا يمكن مقابلته بالمثل: لن نكون أبدًا قادرين على تعويض الله عما قدّم لنا.

إنّ حبّ الله، بالأحرى، يتمّ مبادلته عندما نحبّ بعضنا بعضًا، ويتمّ نشره وتدويره. وهذه هي الطّريقة الوحيدة الّتي يمكننا، من خلالها، مبادلة حبّ الله، ويمكننا من خلالها التّعبير عن امتناننا الحقيقيّ له."