ثقافة ومجتمع
03 آب 2014, 21:00

عرسال تحت رحمة

)النهار-بيروت) تحول امس ما كان يضعه البعض في اطار التهويل في بلدة عرسال منذ بداية الحوادث السورية \"أخطر ما تعرض له لبنان واللبنانيون\" وفق وصف قيادة الجيش، وجرَّ الى عملية عسكرية واسعة أطلقها الجيش تحت مسمى \"السيف المصلت\" بكل وحداته في منطقة عرسال وجرودها ضد المسلّحين من \"جبهة النصرة\" و\"داعش\" اللتين توحدتا في القتال ضد الجيش، وسقط فيها 9 شهداء و 25 جريحاً ضباطاً ورتباء وافراداً وفقد 13 جندياً، بعد 24 ساعة على احتفال الجيش بعيده، اضافة الى سقوط ثلاثة مدنيين من البلدة. فيما سقط عدد كبير من القتلى في صفوف المسلحين في جرود البلدة، وأسر الجيش عدداً آخر.

لم يكن بعض اللبنانيين على علم بحقيقة ما كان يجري في عرسال وجرودها، لأن كل فريق سياسي يتكلم بحسب منطقه الخاص عندما يشرح هذا الواقع، واليوم بات الجميع يدرك ان هذه البلدة تؤوي نازحين سوريين وتؤمن لهم المأوى والطعام فضلا عن الطبابة خصوصا للمقاتلين السوريين الجرحى، والسلاح يطوقها من كل حدب وصوب، وامس كانت الغالبية العظمى من المسلحين الذين اشتبكوا مع الجيش في عرسال خرجت من مخيمات النازحين فهل يستأهل أهل عرسال من المسلحين السوريين التصرف ببلدتهم كما يحلو لهم ومحاصرة فصيلة قوى الأمن فيها واحتجاز عناصرها، وقبل ذلك احتجاز جنديين لبنانيين ردا على توقيف الجيش أخطر المطلوبين عماد أحمد جمعة، وهو سوري يشتبه بانتمائه الى "جبهة النصرة
وقد شنت المجموعات المسلحة من جنسيات مختلفة هجوماً مباغتاً يوم السبت على المراكز الأمنية في منطقة عرسال على الحدود اللبنانية - السورية واحكمت سيطرتها على ثلاثة مراكز في وقت واحد بعد توقيف المسؤول الميداني العسكري لتنظيم "الدولة الاسلامية ـ داعش" في منطقة القلمون السوري عماد جمعة ("ابو احمد") داخل مستشفى ميداني في بلدة عرسال بناء على معلومات عن وجوده في المستشفى لتفقد عدد من الجرحى المسلحين الذين سقطوا خلال اشتباكات القلمون مع عناصر "حزب الله"، وقد كشفت تحقيقات عن مخطط دموي و خطير كان يحضر لمنطقة البقاع، اضافة الى تورطه في أعمال خطف لمواطنين من جرود عرسال. وسجل فجأة ظهور مسلح لمئات الإسلاميين الملثمين من جنسيات مختلفة داخل البلدة ومحيطها بعدما أتى بعضهم من جرود البلدة وبعضهم الآخر من داخل مخيمات اللاجئين مدججين بالأسلحة الخفيفة والثقيلة، وتم تطويق مراكز عدة للجيش، وانتشر قناصون على بعض الأسطح في البلدة واعطوا مهلة باسم "الدولة الاسلامية" حتى الساعة الخامسة عصرالسبت للافراج عن جمعة. وسجل تجول ملثمين على دراجات نارية وATV في انحاء البلدة. وفور انتهاء المهلة بدأ المسلحون اطلاق النيران في اتجاه مراكز الجيش وسيطروا سيطرة كاملة على بلدة عرسال واجبروا اهلها على البقاء في منازلهم.

احتجاز عناصر الفصيلة
ثم عمد المسلحون الى اقتحام فصيلة درك عرسال واخذ 21 عنصراً يشكلون جميع عناصر الفصيلة رهائن لاطلاق جمعة الموقوف لدى الجيش وهم: المعاون أول خالد صلح، المعاون بيار جعجع، الرقيب أول إيهاب الاطرش، الرقيب أول جورج زغيب، الرقيب أول زياد عمر، الرقيب مدين حسن، الرقيب لامع مزاحم، العريف وائل حمص، العريف محمد طالب، العريف ماهر فياض، العريف رامي الجمال، العريف احمد عباس، العريف عباس مشيك، العريف ميمون جابر، العريف سليمان الديراني، العريف علي البزال، العريف صالح البرادعي، العريف كمال المسلماني، الدركي رواد بو درهمين، الدركي طانيوس مراد، والدركي عبد الرسول الكرنبي وهو من بلدة عرسال واستطاع الفرار من مركز احتجازهم ليصبح العدد 20 مخطوفاً. واستولى المسلحون على الاسلحة، كذلك قتلوا اثنين من شباب بلدة عرسال هما كمال عز الدين ومحمد نوح لدى تصدي عدد من الأهالي للمسلحين لحماية عناصر قوى الامن الداخلي إذ عمد المسلحون إلى اطلاق النيران في اتجاه الاهالي ونقلوا العناصر الى مبنى يملكه مصطفى الحجيري الملقب بـ"أبو طاقية" وهو مؤلف من ثلاث طبقات تضم أحداها ما يعرف بـ"المستشفى الميداني"، حيث احتجزت عناصر فصيلة قوى الأمن فيه. وعلمت "النهار" أن الأهالي تمكنوا من إخراج 6 عناصر من مبنى الفصيلة وهم موجودون داخل احد منازل البلدة.
وفي أثناء مرور صهريج مياه تابع للجيش عمد مسلحون إلى خطف جنديين تمكن الجيش لاحقاً من تحريرهما في منطقة وادي حميد في جرود عرسال في عملية نفذها الفوج المجوقل وأصيب خلالها 4 عسكريين. واتخذت وحدات الجيش تدابير فورية لمواجهة الوضع القائم واندلعت اشتباكات عنيفة بين الطرفين استمرت طوال ليل السبتالاحد وتخللتها انزالات من مروحيات بعدما استقدم الجيش مزيداً من التعزيزات الى عرسال ومنطقة جرد رأس بعلبك والفاكهة، في محاولة لمحاصرة المسلحين وحماية العسكريين بعد انسحاب تكتيكي من المراكز لبعض الوقت، بالتزامن مع اشتباكات متواصلة مع المسلحين وتصديه لهم بعد اعتدائهم على مراكزه في جرود عرسال وقصف مراكز تجمعاتهم وطرق تحركاتهم تمهيداً لعزلهم وتطويقهم. وسقط خلال الإعتداء شهداء وجرحى، والشهداء هم: العريف ابرهيم محمد العموري، العريف وليد نسيم المجدلاني، العريف نادر حسن يوسف، العريف عمر وليد النحيلي، العريف جعفر حسن ناصر الدين، الجندي حسين علي حميه، المجند خلدون رؤوف حمود، المجند حسن وليد محيي الدين، المجند محمد علي العجل.
وشاركت في الإشتباكات اعداد كبيرة من المسلحين الذين أتوا من كل اتجاه.
وصباح أمس استمرت المعركة وباتت تتجه نحو المجهول. واستقدم الجيش مزيداً من التعزيزات المؤللة وتمكن من طرد المسلحين من منطقتي وادي حميد والمصيدة واستعاد السيطرة على النقاط العسكرية التي اعتدوا عليها بعد معارك عنيفة امتدت لساعات عديدة. كذلك استعاد عقبة المبيضة ودارت اشتباكات عنيفة في وادي عطا لجهة جرود بلدة اللبوة ومحيط حاجز السويدية عند طريق وادي الرعيان لاستعادة السيطرة على المحاور التي يريد الجيش أن يتمركز داخلها ومواجهة المسلحين. وكانت عمليات التحام تحت غطاء قصف مدفعي عنيف مركز من مدفعية الجيش لعدد من مواقع المسلحين في عقبة الجرد والرهوة ومنطقة وادي الحصن وحيط حاجز السويدية، ونفذ فوج المجوقل انزالا في جرود بلدة عرسال وتمكن من تحرير جندي كان حوصر في منطقة المصيدة.

مهنية عرسال
ثم تركز القصف على تلة الشعب وداخل البلدة عند محيط مبنى المدرسة المهنية وسط البلدة واضطر الجيش إلى اخلاء المبنى بعد اصابة عدد من عناصره، وعزز عديده وعتاده واستقدم قرابة الرابعة والنصف بعد الظهر مزيداً من القوى المؤللة للواء الثامن الى داخل البلدة بعدما كان المسلحون سيطروا على موقع للكتيبة 83 التابعة للجيش وقصفوا ملالة واصابوا عدداً من الجنود، واوقعوا شهيداً للجيش. علماً أن هذه التلة هي موقع استراتيجي إذ أنها تطل على البلدة والقرى المجاورة، وشوهدت سحب اللهب في السماء بعد تعرضها لقصف من المسلحين. وليلاً استعاد الجيش مبنى المهنية.
وكانت تتم طوال يوم امس عملية تسليم وتسلم لجرحى من الجيش بين آليات طبية مجنزرة للجيش وسيارات للصليب الاحمر التي لم تستطع دخول البلدة لاجلاء الجرحى. كذلك شهدت عرسال نزوح بعض أهاليها الذين استطاعوا الخروج فيما أجبر المسلحون بعضهم على البقاء داخلها ونشطوا في أعمال القنص فقتل المواطن محمد قاسم الفليطي لدى وجوده على سطح منزله.

عرسال ورحمة "داعش"
أهالي عرسال الذين صاروا حتى إشعار آخر تحت رحمة "داعش" وفي قبضة " النصرة "، عبّروا عن استياء عارم من الاعتداء على الجيش وقد سقط منهم 3 شهداء في المواجهات إلى جانب الجيش ضد المسلحين. واكد عدد منهم لـ " النهار " انهم فوجئوا بنازحين سوريين كانوا لجأوا اليهم لاعانتهم، يشهرون أسلحتهم في وجوههم. كذلك أطلقوا عيارات نارية على المشاركين في تشييع عز الدين. وراح عدد منهم يتجولون داخل البلدة على متن آلية للجيش ويكبرون "الله اكبر " بينما عمد آخرون إلى افراغ محتويات بعض منازل البلدة.
في المقابل رفع "حزب الله" جهوزيته في المناطق الجردية القريبة من جرود عرسال وسادت حال تعبئة واستنفار في صفوفه في بلدات البقاع تبعاً لتطورات عرسال.

بيانات عسكرية
وأصدرت مديرية التوجيه في قيادة الجيش سلسلة بيانات عن سير المعارك في عرسال جاء فيها على التوالي:
- "تعرضت بلدة عرسال خلال الليل ولا تزال إلى قصف متقطع بمدافع الهاون مصدرها المجموعات المسلحة التي تقاتل الجيش، وتقوم وحدات الجيش بالرد على مصادر النيران بالأسلحة المناسبة.
- تواصل وحدات الجيش في منطقة عرسال وجرودها التصدي والاشتباك مع أعداد كبيرة من المسلحين، وتقوم هذه الوحدات بقصف مراكز تجمعاتهم وطرق تحركاتهم تمهيداً لعزلهم وتطويقهم. وقد تم استقدام مزيد من التعزيزات العسكرية إلى المنطقة.
- على أثر توقيف السوري عماد أحمد جمعة على أحد حواجز الجيش في منطقة جرود عرسال، توتر الوضع الأمني في المنطقة ومحيطها نتيجة انتشار مسلحين ومطالبتهم بالإفراج عنه، وفي أثناء مرور صهريج مياه تابع للجيش عمد هؤلاء المسلحون إلى خطف جنديين من الجيش. كما أقدمت هذه المجموعات المسلحة الغريبة عن لبنان وعن منطقة عرسال تحديداً والتابعة لجنسيات متعددة، على الإعتداء على عسكريين من الجيش والقوى الأمنية الأخرى داخل البلدة وقامت بخطف عدد منهم.
واتخذت وحدات الجيش التدابير الفورية لمواجة الوضع القائم، فيما عمد عدد من هؤلاء المسلحين إلى الإعتداء على أحد مراكز الجيش واطلاق النار بإتجاهه، وتقوم وحدات الجيش بالرد على مصادر النيران باستخدام الأسلحة الثقيلة وإستهداف أماكن تجمعهم، ونتيجة الإشتباكات سقط للجيش عدد من الشهداء والجرحى كما استشهد عدد من سكان بلدة عرسال في أثناء محاولتهم منع المسلحين من الدخول إلى فصيلة الأمن الداخلي، وتمكن الجيش نتيجة عملياته من تحرير الجنديين المخطوفين.
- لم تكد تمضي ساعات على احتفال لبنان واللبنانيين بعيد الجيش، حتى هاجمت مجموعة من المسلحين الغرباء من جنسيات مختلفة مواقع الجيش ومراكزه في منطقة عرسال، مما أدى الى وقوع عدد من الاصابات بين شهيد وجريح في صفوف العسكريين والمدنيين من أبناء البلدة الذين تضامنوا مع القوى العسكرية والأمنية ضد العناصر المسلحة لدى وجودها في البلدة.
(...) وشنّت المجموعات المسلحة هجوماً مركزاً على منازل اللبنانيين من أهالي عرسال والمنطقة، التي يدافع عنها الجيش ويحمي ابناءها، وخطف المسلحون عدداً من جنود الجيش وقوى الأمن الداخلي، وهم عزّل في منازلهم يمضون اجازاتهم بين أهلهم، واخذوهم رهائن مطالبين باطلاق احد اخطر الموقوفين لدى الجيش.
إنّ الجيش لن يسمح بأن يكون ابناؤه رهائن، ولن يسكت عن أي استهداف يطال الجيش وابناء عرسال الذين وفر لهم الجيش الحماية وعزز وجوده في المنطقة، بناء على قرار مجلس الوزراء. لكن المسلحين الغرباء امعنوا في التعديات وأعمال الخطف والقتل والنيل من كرامة أبناء المنطقة.
إنّ الجيش لن يسمح لأي طرف بأن ينقل المعركة من سوريا الى أرضه، ولن يسمح لاي مسلح غريب عن بيئتنا ومجتمعنا بأن يعبث بأمن لبنان وأن يمسَّ بسلامة العناصر من جيش وقوى أمن.
إنّ الجميع اليوم مدعوون لوعي خطورة ما يجري وما يحضر للبنان وللبنانيين وللجيش، بعدما ظهر ان الاعمال المسلحة ليست وليدة الصدفة بل هي مخطط لها ومدروسة، والجيش سيكون حاسماً وحازماً في رده، ولن يسكت عن محاولات الغرباء عن أرضنا تحويل بلدنا ساحة للاجرام وعمليات الارهاب والقتل والخطف.
- اعترف السوري عماد أحمد جمعة عند التحقيق معه بإنتمائه إلى "جبهة النصرة".
وقد سلم الموقوف إلى المراجع المختصة لإستكمال التحقيق.
- تابعت وحدات الجيش طوال الليل وحتى صباح اليوم (أمس)، عملياتها العسكرية في منطقة عرسال ومحيطها، حيث قامت بملاحقة المجموعات المسلحة والاشتباك معها. وقد سقط للجيش خلال هذه الاشتباكات 8 شهداء وعدد من الجرحى".
وليلاً أصدرت المديرية البيان الآتي: "تواصل وحدات الجيش عملياتها العسكرية في منطقة عرسال ومحيطها، حيث تمكنت من طرد المسلحين من مبنى مهنية عرسال، الذي حاولوا السيطرة عليه".