لبنان
28 نيسان 2018, 13:26

علوان من جامعة الحكمة : البابا لم يسمح بالطلاق ولم يسهله ولكنّه سرع من أصول المحاكمات

نَظَّمَ مكتب راعوية الزواج والعائلة في الدائرة البطريركيّة المارونيّة، بالتّعاون مع المحاكم الكنسيّة المّارونيّة وبالتّنسيق مع معهد العائلة في كليّة العلوم الكنسيّة في جامعة الحكمة، وبرعاية البطريرك المارونيّ الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، مؤتمرًا تحت عنوان "حماية العائلة : مصالحة ووساطة"، بحضور عميد محكمة الروتا في الفاتيكان المونسنيور بيو فيتو بنتو، القائم بأعمال السفارة البابوية المونسنيور رافان سانتوس ومطارنة وكهنة وراهبات، حسب ما ذكرت الوكالة الوطنيّة.

 

ألقى الأباتي سمعان ابو عبدو، منسق راعوية الزواج والعائلة في الدائرة البطريركيّة المارونيّة، كلمة قال فيها: "نحن هنا، بدعوة من قداسة البابا فرنسيس موجهة إلينا من خلال الإرشاد الرسولي "فرح الحب" الذي صدر بعد سينودسين للكنيسة جمعاء حول العائلة سنة 2014 و2015. نحن هنا بدعوة من غبطة أبينا البطريرك مار بشارة بطرس الراعي الكلي الطوبى الذي يحمل هم العائلة في قلبه ويريدها كنيسة بيتية موحدة تربي على القيم الانسانية والأخلاقية والروحية والاجتماعية. نحن هنا بدعوة من المحكمة الكنسية المارونية التي تعاني وتشهد على تفكك العائلة وفقدان الثقة والصراحة، والعاملون فيها يعرفون جيدا أهمية الإصغاء والحوار والمصالحة والوساطة. نحن هنا بدعوة من العائلات المصابة بفيروس ثورة التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي والأنانية والنسبية والنرجسية وثقافة المؤقت والخوف الذي تثيره فكرة الإلتزام الدائم، تبدل القيم، مفهوم الحب والجنس والحرية، الذهنية المناهضة للانجاب، إنعدام الثقة والبعد عن الله، بمختصر، العائلة في بعض الأحيان تئن من وجع النسيان. نحن هنا من أجل أطفال ضائعين بسبب تشرذم عائلاتهم، في نظراتهم ألف لون حزن وضياع، اذ هم الضحية في أغلب الأحيان، إنما ليس على الأطفال ان يتحملوا عبء هذا الإنفصال، ولا يجب أبدا استخدامهم كرهينة ضد الشريك الآخر، لان هذا يضر بحياة الطفل العاطفية، وينتج عن ذلك جروحا لا تندمل، ومن الصعب شفاؤها (الإرشاد الرسولي للبابا فرنسيس فرح الحب عدد 245).
ان مكتب راعوية الزواج والعائلة في الدائرة البطريركية أخذ على عاتقه هذا الرهان، العمل لحماية العائلة من هشاشة الزمان، لتبقى موحدة وتحلم بالمستقبل رغم كل التحديات. ونظرا لدقة الوضع وكثرة المطاليب كان التعاون مع المحكمة الكنسية المارونية، والتنسيق مع جامعة الحكمة في بيروت لان المسؤولية المشتركة والواقع الموجع يحتم علينا المبادرة الى القيام بمشاريع تدعم العائلة في مراحل نموها وتحدياتها وإعادة اللحمة بين الزوجين فيتكسر الجليد ويعود الدفء الى العلاقة الزوجية، وهذا ما تقوم به مراكز الإصغاء والمصالحة الزوجية والعائلية. ونحن هنا، لان الله عهد الى العائلة بمشروع جعل العالم عالما عائليا، لان نضوج الحب الزوجي يتطلب ايضا تعلم كيفية التفاوض. لان حب الأب والأم يحمل شرارة من حب الله. ان الرغبة في تأسيس عائلة تعني التصميم على ان نكون جزءا م حلم الله، نختار ان نحلم معه، وان نريد ان نبني معه وان ننضم اليه في ملحمة بناء عالم لا يشعر أحد فيه بالوحدة. نحن هنا، لاننا على اقتناع بان الإصغاء والحوار والوساطة هم السبيل لكل علاقة، بل انهم من العلاقة الزوجية بمثابة القلب "انه فن حقيقي، يتم تعلمه في أوقات الهدوء لتطبيقه في الأوقات الصعبة. فالمطلوب هو التمرس على فن التواصل.
أردنا هذا المؤتمر لأننا نعتبر ان الزواج هو أيقونة محبة الله لنا. والزواج يتطلب الولادة مجددا والإبداع. يتطلب التواصل بإيماءات ملؤها الحنان والرقة لتصبح الحياة الزوجية نفسها، بمعنى ما، ليتورجية. لكل هذه الأسباب والقناعات ينعقد هذا المؤتمر، حماية العائلة: مصالحة ووساطة. واننا نضع هذا المؤتمر تحت حماية عائلة الناصرة لترشدنا الى ما يطلبه الله منا فنعود الى البدء، الى مشروع الله من الزواج والعائلة لنصغي الى نبض قلب عائلات اليوم طالبين شفاعة بابا العائلة القديس يوحنا بولس الثاني والقديسين لويس وزيلي مارتان والقديسة جانا بريتا مولا. ان عهد الحب والأمانة الذي عاشته عائلة الناصرة ينير المبدأ الذي يحدد شكل كل عائلة ويجعلها قادرة على مواجهة تقلبات الحياة والتاريخ بشكل أفضل. وفي كنز قلب مريم العذراء توجد أيضا أحداث كل عائلة من عائلاتنا التي تحفظها بعناية. لذا، فهي تستطيع ان تساعدنا على فهمها لكل ندرك رسالة الله في التاريخ العائلة".


وألقى رئيس جامعة الحكمة الخوري خليل شلفون كلمة رحب فيها براعي المؤتمر ومنظميه والمشاركين فيه، وقال: "نحن على يقين انه سيكون لهذا المؤتمر الأثر المفيد في معالجة حماية العائلة في لبنان واستنباط الطرق والوسائل الفضلى للمصالحة والوساطة، انطلاقا مما تعمق فيه سينودس الكنيسة الكاثوليكية الخاص بالعائلة في الفاتيكان وما تبعه من توجيهات رعوية لقداسة البابا فرنسيس في إرشاده الرسولي "فرح الحب" الصادر عن حاضرة الفاتيكان عام 2016.

يذكرنا البابا فرنسيس في هذا الإرشاد ان الكنيسة هي عائلة مكونة من عائلات وهي تغتني باستمرار بحياة كل الكنائس. فالعائلة هي خير للكنيسة، كما ان الكنيسة هي خير للعائلة. لذلك فالمحافظة على عطية الرب الأسرارية واجب، لا يتعلق بالعائلة الواحدة وحسب، بل يمس الجماعة المسيحية بأسرارها. والحب المعاش في العائلة هو قوة دائمة لحياة الكنيسة ولشهادتها في العالم. أوليست العائلة كنيسة بيتية، كما وصفها البابا القديس يوحنا بولس الثاني؟
ان الكنيسة برأسها ورؤسائها وكل الرعاة، مدركة للتحديات المعاصرة التي تواجه العائلة وتهدد بالتالي المجتمع الذي تشكل عائلاتنا نواته الأساسية، لهذا كانت المجامع الكنسية والتوجيهات والتوجهات التي ترافق عملنا في الجامعات والمعاهد ومركز الإصغاء والمصالحة والوساطة، وإن للمواكبة في هذا الشأن دورا رئيسيا لأنها تشجع الزوجين لكي يتواصلا ويتحاورا مع احترام وتقدير لكرامة الشريك الآخر، ومع اعتبار الأولاد إنهم عطية من الله وفرح كبير للكل وللكنيسة، فمن خلالهم يجد الله العالم، بالإضافة الى المرافقة الرعوية الضرورية لحالة الإنفصال في العائلة. ومن هنا أهمية إيجاد رعوية المصالحة والوساطة من خلال استشارات متخصصة، كما نصت توصيات الكنيسة وكما يتحقق في بعض الأبرشيات والرعايا في لبنان. وما يلفت نظرنا اليه قداسة البابا فرنسيس هو ضرورة تسهيل وصول المؤمنين الى العدالة من خلال مراكز استشارات ووساطة وإصغاء مرتبطة بالرعوية العائلية، تستطيع أن تستقبل الأشخاص أثناء إجراءات التحقيقات الأولية".


أما النائب البطريركي العام للشؤون القانونية والقضائية المشرف على المحكمة المارونية الإبتدائية الموحدة المطران حنا علوان، فقال: " سنة 2014/2015 أقام البابا فرنسيس سينودس من أجل العائلة وأصدر إرادتين رسوليتين سنة 2015، واحدة للكنيسة اللاتينية والأخرى للكنائس الشرقية، لتعديل قانون أصول المحاكمات في دعاوى بطلان الزواج، ثم أصدر إرشادا رسوليا بعنوان "فرح الحب" في نهاية السينودس.
في العدد 242 من الإرشاد يوصي بإنشاء مراكز لراعوية العائلة والمصالحات الزوجية: "لقد أشار الآباء بأن تمييزا خاصا في المرافقة الرعوية، هو ضرورة بالنسبة الى المنفصلين، والمطلقين، والمتروكين، فينبغي الترحيب وتقديم التقدير للأشخاص الذين عانوا الإنفصال والطلاق أو تم هجرهم بظلم، أو أجبروا على الإنفصال نتيجة سوء معاملة الطرف الآخر، فأدى ذلك الى إنهاء التعايش معا. ليس بالأمر السهل الصفح بعد التعرض للظلم، لكن النعمة تجعل هذه المسسرة ممكنة. من هنا تأتي ضرورة إيجاد رعوية المصالحة والوساطة من خلال مراكز استشارات متخصصة في الأبرشيات. وكذلك في العدد 244، أشار الى الإرادتين الرسوليتين بهدف تبسيط أصول المحاكمات، وشدد على دور الأسقف المباشر في مثل تلك الدعاوى، وأوصى بإنشاء مراكز متخصصة تعاون الأسقف في مهمة التمييز وخاصة في الدعاوى الأقصر: من جهة أخرى، عدد كبير من الآباء أكدوا على ضرورة جعل إجراءات الوصول الى الإعتراف بحالات بطلان الزواج أكثر إتاحة ومرونة، وبقدر الإمكان مجانية (263). ان البطء في سير القضايا يزعج الإزواج وينهكهم. وقد كان هدف الوثيقتين الأخيرتين اللتين قمت بإصدارهما حول هذا الأمر هو تبسيط إجراءات الإعلان المحتمل لبطلان الزواج. لقد أردت من خلالهما أيضا توضيح ان الأسقف نفسه في كنيسته، حيث تمت رسامته كراع وكرئيس، هو بالفعل نفسه قاض بين الأشخاص المؤتمن عليهم. لذلك ان وضع هذه الوثائق محل التنفيذ يشكل مسؤولية كبيرة للأساقفة الأيبارشيين، والمدعوين لأن يحكموا بأنفسهم على بعض الحالات، وبأن يضمنوا هم أنفسهم سهولة وصول المؤمنين الى العدالة، هذا يعني التحضير لفريق كاف، يكون مؤلفا من إكليريكيين وعلمائيين، ويكرس قبل كل شيء لهذه الخدمة الكنسية. سيكون من الضروري كذلك أن تتوفر بالنسبة للأشخاص المنفصلين، وللأزواج الذين يعانون الأزمات، خدمة مركز معلومات واستشارات ووساطة مرتبطة بالرعوية العائلية والتي تستقبل أيضا الأشخاص أثناء إجراءات التحقيقات الأولية.
في القانون 1361 من الإرادة الرسولية يوصي القانون القاضي بالسعي للمصالحة قبل السير بالدعوى: "يجب على القاضي قبل قبول الدعوى، أن يتأكد من ان الزواج أصبح في حالة الفشل وغير قابل للاصلاح بحيث يكون استئناف الحياة الزوجية مستحيلا". البابا لم يسمح بالطلاق ولم يسهله ولكنه سرع من أصول المحاكمات وحرر هذه الأصول من أشياء تعيقها، وبالتالي لم يسمح بالطلاق ولم يعط أسبابا تسمح بالطلاق.
في الإرادة الرسولية التي أصدرها البابا فرنسيس لتسريع دعاوى الزواج وتبسيطها، ألقى على عاتق مطارنة الأبرشيات المسؤولية الكبرى والمباشرة في النظر بقضايا بطلان الزواج، وطلب ان يؤلفوا في أبرشياتهم مراكز أهدافها راعوية وقانونية. والأهداف الراعوية هي: الإصغاء الى الأزواج في صعوبات حياتهم الزوجية ومحاولة مصالحتهم ومرافقتهم، لإعادة اللحمة بينهم. أما الأهداف القانونية للمراكز فهي: تحضير الدعاوى قبل إرسالها الى المحكمة، التّقصي عن حالة الزواج والحياة الزوجية وطريقة عيشها، تحضير عريضة الدعوى قبل إرسالها وإجراء الإتفاق الرضائي الحبي على المفاعيل المدنية للزواج.
المشكلة الأهم والأكبر في الدعاوى الزواجية والتي تؤخر البت بالدعاوى الأساس هي خلاف الزوجين على حضانة الأولاد وحراستهم ومشاهدتهم وعلى النفقة بين الزوجين ونفقة الأولاد على والديهم. هذه الأمور يمكن حلها رضائيا قبل المباشرة بالدعوى، وهذه مهمة مراكز الإصغاء والمصالحة في الأبرشيات.
من الضروري إيجاد أشخاص متخصصين في مجالات: الراعويات، علم النفس، القانون، علم الإجتماع وعلم التواصل، لكي تساعد الزوجين على إيجاد الحلول التوافقية الرضائية، قبل المباشرة بالدعوى في المحكمة لتسهيل المحاكمة وتسريعها. هذه المراكز يجب أن تكون موجودة في كل الأبرشيات، وبدأت بعضها بتحضيرها بل أقامتها مشكورة. كان من الواجب إيجاد أشخاص متخصصين فأقيمت دورات تثقيفية في هذا المجال في الدوائر البطريركية، وكان من الضروري إصدار دليل يوضح طريقة العمل وتنظيمه في هذه المراكز. ويقام هذا المؤتمر لتسليم الشهادات للذين أنهوا الدورة ولإطلاق دليل العمل في مراكز الإصغاء والمرافقة".


أما راعي أبرشية البترون المارونية رئيس اللجنة الأسقفية للعائلة والحياة المطران منير خير الله، فتحدث عن دور كاهن الرعية والازواج المتخصصين في مراكز الإصغاء، وقال: "رغم كل ما قيل، فان العائلة لا تزال بألف خير في لبنان. صحيح ان هناك نحو 630 دعوى بطلان زواج في محاكمنا، ولكن هناك علاقات زواج لا تزال ثابتة ونحن صمدنا في لبنان بفضل العائلة".