ثقافة ومجتمع
02 آب 2016, 09:10

عن إنسانيّةٍ مشهورة..

ماريلين صليبي
"إيّاكم أن تعملوا برّكم بمرأًى من النّاس لكي ينظروا إليكم، فلا يكون لكم أجر عند أبيكم الذي في السّموات. فإذا تصدّقت فلا يُنفخ أمامك في البوق، كما يفعل المراؤون في المجامع والشّوارع ليعظّم النّاس شأنهم. الحق أقول لكم، إنهم أخذوا أجرهم. أمّا أنت، فإذا تصدّقت، فلا تعلم شمالك ما تفعل يمينك، لتكون صدقتك في الخفية، وأبوك الذي يرى في الخفية يجازيك."

 

بهذا أوصى يسوع المسيح تلاميذه والجموع في خطبة الجبل في إنجيل متّى 6/ 1-4.

تعاليم روحيّة عظيمة قلّما يطبّقها عالمنا الموحل هذا، فكم من أناس أعمت الشّهرة أبصارهم ليبيتوا عبيد التّظاهر وأعداء الخفية.

الشّهرة هي ظهور الشّخص بشكل كبير على ساحات المعرفة الشّعبيّة لإطلالاته الإعلاميّة أو الفنّيّة الواسعة.

الشّهرة هي احتلال المرء هذا هالة الأضواء الدّائمة ومحطّ الأنظار المستمرّة.

الشّهرة إذًا شعورٌ جميلٌ يجذب محبّة النّاس للشّخص المذكور واهتمامهم بأخباره وجديده وتطلّعاته.

إلّا أنّ الشّهرة هذه مغرية إلى حدّ كبير، بها يشفي المرء غليل الـ"أنا" وكبرياءه وأحلامه، لتسيطر سيّدة المواقف على حياته وتتصرّف هي في كلّ الحالات.

ولأنّ وسائل الإعلام عرّابة الشّهرة، يسعى الفنّانون والشّخصيّات العامّة إلى اتّخاذ الهواء والشّاشات وصفحات الجرائد خشبةً مسرحيّة يتألّقون عليها بشتّى الوسائل.

فهم يطمحون باستمرار إلى استعطاف الجمهور الذي يرى بهم الكمال والجمال والرّقيّ، لتُحرِّك كلّ تحرّكاتهم الكاميرات وتجنّد الأضواء.

وقد تكون الأعمال الأشهر الطّامحة شدّ التّغطية الإعلاميّة هي المبادرات الإنسانيّة التي يتقدّم بها الفنّانون من الفقراء والمشرّدين والأيتام والنّازحين حديثًا.

تساؤلات عديدة تُطرَح عن هذا الموضوع المشكِّك غاية الفنّانين النّهائيّة، فهل بات المحتاجون مكوّنًا دسمًا لطبخة العظمة والتّفاخر؟

قد يكون الهدف وراء المساعدات التي يمنحها الفنّانون للفقراء مجبولة بالمصلحة المطلقة، يكسبون من خلالها محبّة الجمهور وتقديره الذي بعدها يغضّ الطّرف عن الإشاعات السّيّئة والأخبار المشوّهة.

قد تتحلّى، بالمقابل، بعض الشّخصيّات المشهورة بنفحة من الإنسانيّة الصّادقة، إلّا أنّهم يرافقونها بكاميرا التّضخيم والتّباهي، ليربحوا المعركة من الجهتين: يروون ظمأ فقير من جهة، وظمأ نفوسهم الفقيرة أخلاقيًّا من جهة أخرى.

في حين أنّ كثيرين يتبرّعون بأغلى ما لديهم للفقراء من باب المحبّة والعطف المطلقين، والإعلام من جهته يطاردهم ويحملهم في تغطية إعلاميّة شاملة.

في عالم يتخبّط في أمواج عاتية من الفساد والانحطاط والسّخافة، علّمنا يا ربّ أن نتّخذ من كلامك شاطئ أمان نجد فيه السّعادة الأبديّة وينال فيه كلّ إنسان الجزاء الذي يستحقّه.

نقّي يا ربّ أذهاننا وغاياتنا وطهّر أنفاسنا من الكبرياء والتّفاخر، لنقترب من قداسة تواضعك السّامي.