دينيّة
03 نيسان 2023, 07:00

عن معاني هذا الأسبوع المبارك...

ماريلين صليبي
أسبوع الآلام فترة عظيمة ومقدّسة تبعث الخشوع والصّبر والإيمان في نفوس المؤمنين. فيها تدمع السّماء، وتهتزّ الأرض، وتتشقّق العروش الفانية، وتتفتّح القلوب لاختبار الوجع مع موت المسيح وعيش الفرح مع قيامته. فما هي أبعاد هذا الأسبوع المبارك وما هي معانيه؟

 

يشرح الخوري يوسف مبارك أنّه بحسب اللّيتورجيّة المارونيّة، يبدأ الأسبوع المقدّس أو أسبوع الآلام من مساء أحد الشّعانين، حيث تُقام رتبة الوصول إلى الميناء؛ إذ بعد أن كنّا في بحر الصّوم، الذي هو زمن النِعَم وزمن التّجارب والمحن، وبعد أن تعبنا وجاهدنا في سفينة الصّوم نصل إلى الميناء. ومن هنا رتبة الميناء حيث يضيء الكاهن والمؤمنون الشّموع خارج الكنيسة ويدخلون بتطواف كما العذارى الحكيمات وتبدأ صلاة الآلام، أو صلاة الحاش (بالسّريانية حاشو أيّ الآلام)، التي تستمر من مساء الأحد إلى السّبت ظهرًا. يتخلّل هذا الأسبوع إلى جانب صلاة الحاش بعض الرّتب التي تتوزّع على أيّام عديدة.

أوّل هذه الأيّام بحسب الخوري مبارك هو الأربعاء، أربعاء الآلام أو أربعاء أيّوب الذي نستذكر فيه إصدار الحكم الجائر التّعسّفيّ على يسوع بالاتّفاق مع يهوذا الإسخريوطيّ  للقبض على يسوع. في هذا المساء، تقام رتبة القنديل أو رتبة تبريك الزّيت، حيث يُحضر المؤمنون الزّيت ليباركه الكاهن. وهذه الرّتبة بمثابة سرّ مسحة المرضى حيث تمسح جباه المؤمنين الأصحّاء منهم والمرضى بالزّيت المقدّس واضعين الآلامهم مع الآلام المسيح الشّافي. في ختام الرّتبة يأخذ المؤمنون هذا الزّيت معهم لمسح مرضاهم ويضيفونه على خوابي الزّيت في بيوتهم.

ويتابع الخوري مبارك أنّ خميس الأسرار هو اللّيلة الأخيرة ليسوع مع تلاميذه التي فيها احتفل معهم في الفصح وكان لهم القدوة عندما قام بغسل أرجلهم كما أنّه أسّس في هذه اللّيلة سرّ الإفخارستيا وسرّ الكهنوت. وبحسب التّقليد، يزور المؤمنون سبعة كنائس حيث يُعرض القربان للسّجود شاكرين الرّب يسوع على نعمة الأسرار السّبعة التي ترمز إلى حضور يسوع الذي هو سرّ الأسرار:

سرّ العماد : عمّدنا باسم الثّالوث الأقدس فأصبحنا أبناء الآب، إخوة يسوع وهياكل للرّوح القدس.

سرّ التّثبيت : كُرّسنا بقوّة الرّوح القدس لنكون رسلًا وشهودًا للمسيح.

سرّ التّوبة : أعطانا الرّحمة الإلهيّة بمغفرة الخطايا والمصالحة معه.

سرّ الإفخارستيا : أعطانا ذاته تحت شكلي الخبز والخمر، هو الخبز النّازل من السّماء عربون حياتنا الأبديّة وزادها.

سرّ الزّواج : وهو الدّعوة الطّبيعيّة للإنسان "رجل وانثى خلقهما"، ومع المسيح ارتقت هذه الدّعوة إلى سرّ كما شرحها بولس إلى أهل أفسس "أيّتها النّساء، إخضعن لأزواجكنّ خضوعكنّ للرّب،... أيّها الرّجال، أحبّوا نساءكم كما أحبّ المسيح الكنيسة وجاد بنفسه من أجلها ليقدّسها" (أفسس 5 : 22  و25).

سرّ الكهنوت : هو الشّرع الإلهيّ لتنظيم حياتنا الرّوحيّة بيسوع المسيح القائم من الموت.

سرّ مسحة المرضى: هو حضور يسوع الشّافي نفسًا وجسًدا "هل فيكم مريض؟ فليدع شيوخ الكنيسة، ليصلّوا عليه بعد أن يمسحوه بالزّيت باسم الرّبّ. إنّ صلاة الإيمان تُخلّص المريض والرّب يعافيه" (يع 5 : 14- 15).

أمّا مساء، فتحتفل الرّعايا بالذّبيحة الإلهيّة التي تتخلّلها رتبة الغسل، ويكمل المؤمنون السّهر أمام القربان المقدّس بالتّراتيل والقراءات الرّوحيّة والتأمّلات فتكون بمثابة السّهر مع يسوع في بستان الزّيتون.

وفي الجمعة العظيمة، يقول الخوري مبارك إنّه يُحتفل بالقدّاس المُسمّى رسم الكأس أو القدّاس السّابق تقديسه حيث يحتفل الكاهن على القربان المعروض سابقًا أمام المؤمنين من دون تلاوة كلام التّقديس. عند المناولة، يتمّ مناولة كلّ القربان المقدّس ليبقى بيت القربان فارغًا رمزًا إلى موت المسيح. وتُقام في هذا اليوم أيضًا رتبة دفن المصلوب حيث يُحضر المؤمنون باقات الزّهر لوضعها في النّعش فيقام الزّياح وتُقرأ الأناجيل وتنشد تراتيل الآلام. وعند المساء، تُتلى طلبة وصلاة الآلام.

وأضاف الخوري مبارك أنّ سبت النّور أو السّبت المقدّس هو السّبت الوحيد التي تصوم خلاله الكنيسة "فاليوم الذي كان فيه الخالق تحت الثّرى يوم بكاء ونواح، ولا يَحسن فيه الابتهاج والعيد، لأنّ الخالق يفوق جميع خلائقه في الطّبيعة والإكرام" (قوانين الكنيسة). فاستنادًا إلى قوانين الكنيسة (ديداكي Didache التي تعني "تعليم"): "صوموا أيضًا أيّام الفصح (أسبوع الآلام) بدءًا من الإثنين إلى التّهيئة والسّبت".

وظهرًا يحتفل بصلاة الغفران، حيث يقترب المؤمنون من سرّ التّوبة ليقوموا بفصحيّتهم أيّ ليعبروا من موت الخطيئة إلى القيامة بالنّعمة وتقرع الأجراس فرحًا لأنّه ليتورجيًّا دخلنا في مساء الأحد أيّ مساء القيامة، فتكتمل الفرحة بصلاة طلبة القيامة مساءً لتُتوّج بقدّاس منتصف اللّيل ورتبة السّلام، فيُفتح القبر ويأخذ المؤمنون من الزّهور التي دفنوا بها المصلوب بركة لعائلاتهم.

وإختتم الخوري مبارك أنّه بفضل القيامة، يعتبر الأحد يوم الرّبّ عند المسيحيّين ذكرى قيامة المسيح من بين الأموات.

مع آلامك يا يسوع، علّمنا أن نعيش هذا الأسبوع المجيد بقلب جاهز ونفس متأهّبة وجسد متحضّر لاستقبال الوجع بصبر والقيامة بفرح فنختم زمن الصّوم بخشوع ونستقبل زمنًا مسيحيًّا جديدًا بما يرضي الرّبّ.